الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
جمال المحافظ وعبد الرزاق الحنوشي

"لاميج" في ذكرى ميلادها.. 65 سنة من العمل الجمعوي المؤسس لمدرسة مغربية للتطوع والمواطنة

 
د. جمال المحافظ
 
تحتفل الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ بالذكرى 65 لتأسيسها في 19 ماي 1956، من طرف مجموعة من الشباب كان في مقدمتهم الشهيد المهدي بن بركة، الذي سيشرف بعد ذلك، في سنة 1957، على إطلاق طريق الوحدة أكبر مشروع تطوعي، مع المسيرة الخضراء سنة 1975، في المغرب الحديث، والذى كان يهدف بالخصوص إلى مد الجسور بين شمال وجنوب المملكة عبر مساهمة الشباب في شق طريق تربط بين المنطقة الشمالية التي عانت من الاحتلال الإسباني والمنطقة الجنوبية التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.
ففي بداية الاستقلال، سعى قادة الحركة الوطنية آنذاك إلى توسيع نطاق الشبيبة المنظمة، بتدعيم المنظمة الرئيسية الناشئة، الشبيبة الاستقلالية، بهيئات جمعوية موازية، تختص كل واحدة منها بمجال محدد على الصعيد الوطني، حيث أشرف المهدي بن بركة على تأسيس كل من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لتأطير الطلاب، والشبيبة العاملة، لتكوين الشباب بالطبقة الشغيلة، وحركة الطفولة الشعبية للاهتمام بالطفولة وقضاياها، والجمعية المغربية لتربية الشبيبة لكي تتولى التأطير الفكري والثقافي والبدني لعموم الشباب، في حين تضطلع فتيات الانبعاث بمهام مواكبة وتكوين فئتي النساء والفتيات.
فـ"لولا المساهمة الفعلية لأطر الجمعية، لما كان لمشروع طريق الوحدة أن يحقق أهدافه"، كما جاء على لسان المهدى بن بركة، بعد نجاح هذا المشروع الوطني الكبير الذي لم يكن المساهمة الوحيدة لهذه الجمعية التاريخية التي تمكنت من ضمان استمراريتها وإشعاعها، إضافة إلى شقيقتها حركة الطفولة الشعبية، وذلك بفضل أجيال متعددة تعاقبت على الإشراف عليها، وتركت بصماتها على المشهد السياسي والمجال الثقافي والفضاء التربوي.
من بين البرامج التي يعود الفضل لجمعية لاميج التي كان أول رئيس لها المرحوم عبد السلام بناني، رجل المقاومة والتربية، وبعده محمد الحيحى مربي الأجيال، على سبيل المثال لا الحصر، الحملات الوطنية لمحاربة الأمية وأوراش التشجير، خاصة بغابة المعمورة بضواحى سلا، وغابة بوسكورة بالدار البيضاء، والمساهمة في رفع معاناة قاطني أحياء القصدير في مقدمتها التجربة التي قامت بها بسلا... كما كانت لاميج من بين المنظمات الأولى التى انتبهت مبكرا إلى أهمية الاستثمار في الرأسمال البشري مع الإيمان العميق بقدرة الشباب على رفع تحديات بناء المغرب الجديد، مع الرهان على عنصر التربية.
إن استمرار جمعية لاميج، طيلة هذه المدة الزمنية في العطاء رغم الظروف الصعبة التي عاشتها، خاصة في الستينيات والسبعينيات، خلال سنوات الرصاص، وثمانينيات برامج التقويم الهيكلي، لكن بفضل صمود أطرها وأعضائها، تمكنت من مواصلة الإسهام في بناء المغرب الجديد، والتشبث بقيم الحركة التطوعية، والديمقراطية والمواطنة، حيث عملت دوما على المساهمة في انبعاث ثقافة وتربية بديلة، وغرس فكرة الالتزام كتعبير عن قيم المواطنة وخدمة المجتمع.
وباعتمادها على العمل التطوعي، شكلت الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، بالفعل مدرسة حقيقية لإعداد الأجيال الصاعدة، ولبثّ روح التضامن وترسيخ قيم المواطنة والمساواة ونبذ الأنانية والانتهازية لدى الشباب، وهي المبادئ التي شكلت نبراسا لأعضائها وأطرها من نساء ورجال.
فالمهم في ذكرى لاميج استحضار ما ساهمت به -بالنسبة لجيلنا- على مستوى تملك بعض القيم الأساسية التي كان لها بالغ الأثر في مساراتنا أسريا ومهنيا، وفي كل ما أقدمنا عليه من مبادرات، وفي مقدمتها قيم التطوع وجعله سلوكا قارا هدفه خدمة الآخر وتعلم مبادئ التقاسم والتضامن والتعاضد...
وفي هذا الصدد، لاحظ الفاعل المدنى والحقوقي عبد الرزاق الحنوشي، في بوح خاص، أنه إذا كانت الأجيال التي مرت بـ"مدرسة لاميج"، متنوعة في تصوراتها وانتماءاتها، بيد أن كل هذه الأجيال تجمع على الاعتراف بالدور الهام الذى لعبته هذه الجمعية، في تنشئتها الاجتماعية وفي مساراتها. لقد تعلمنا كذلك، يؤكد الحنوشي، أن كل الأفكار جديرة بأن يفسح لها المجال للتعبير عن نفسها، عبر الحوار الهادئ والعقلانى باعتباره أسلم السبل للإقناع.
وأوضح الحنوشى، الذى التحق بجمعية لاميج منذ سنة 1982، وعمره آنذاك لم يتجاوز 17 سنة، أن اختلاف الآراء أمر صحي، وأن تدبيره ينبغي أن يحتكم فيه إلى الأساليب وقواعد مشروعة ومتفق عليها، فضلا عن أن لاميج "مكنتنا من أن نعيد تربية أنفسنا، ونصحح العديد من السلوكات والممارسات التي ترسبت فينا، والتي لم تكن دائما محمودة، منها الحرص على تساوي الفرص بين الجنسين وعدم التمييز".
إن جمعية AMEJ بهذا العمق التاريخي والرصيد الرمزي الذي راكمته الأجيال التي تعاقبت على تسييرها، ارتبط في حقيقة الأمر بمسألة جوهرية، بقيم الوفاء والاعتراف وصيانة الذاكرة، من خلال جعلها ذاكرة حية، وذلك على الرغم من أن مياها كثيرة، جرت ما بين سنة 1956 و2021، ورافقتها متغيرات عديدة، منها توسع قاعدة المنظمات والجمعيات، على المستوى المركزي والمحلي، ودخول تعبيرات جديدة فضاء العمل الجمعوي.
وتأتي ذكرى تأسيس لاميج والشعب الفلسطيني يواصل مقاومته للاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية من النهر إلى البحر وهي انتفاضة أخرى وامتداد لسيرورة نضالية ضد السياسة القمعية الإسرائيلية، كما جاء في كلمة باسم مكتبها الوطني بمناسبة تخليده لذكراها الـ65 والتي أوضحت فيها بالخصوص أنها اختارت، منذ إحداثها، الاصطفاف إلى جانب الشعب الفلسطيني، بالتعريف بنضاله السياسي والثقافي والتربوي، وبالدفاع عن قضيته العادلة. كما عبّرت لاميج عن اعتزازها بتاريخها وبتجاربها ومساهمتها في صيانة العمل الجمعوي التطوعي والحفاظ عليه وتحصينه من كل ما من شأنه أن يؤثر على هويته التقدمية والحداثية.
وباعتبار تداعيات جائحة كورونا التي أبانت مجددا حاجة البلاد إلى إعادة الاعتبار للعمل المدني في عملية التغيير والبناء الاجتماعي، قالت رجاء طبط، رئيسة فرع سلا للجمعية المغربية لتربية الشبيبة، إن تأسيس لاميج كانت غايته الرئيسة توفير إطار مدني اجتماعي، يساهم في دعم تنشئة الطفولة والشباب، وهو الدور الذى واصلت الاضطلاع به بكل ثقة وإصرار من أجل أن يظل دوما رهانا تعمل على تحقيقه رغم كل الصعوبات الذاتية والموضوعية، متجاوبة في ذلك مع التحولات التي يشهدها العمل الجمعوي، مساهمة من موقعها، لسد النقص الهائل في مجال تأطير الأجيال الصاعدة، مستندة في ذلك على مبادئها التي تجعلها دوما مدرسة لترسيخ قيم التطوع والمواطنة.
بيد أنه على الرغم من مجهودات أطر لاميج، فإنها مطالبة بالانفتاح بشكل أكبر على أسئلة شباب وأطفال الألفية الثالثة، والإسهام وبفعالة في توحيد جهود الحركة الجمعوية، وكذلك في الانخراط في الديناميات الاجتماعية، وهو ما يتطلب من أجيالها الجديدة تحديث أساليب عملها وطرق اشتغالها وانفتاحها على ما تتيحه الثورة الرقمية من إمكانيات هامة ليس فقط على مستوى التنشيط التربوي والثقافي والفنى، ولكن كدعامات في الترافع حول قضايا الطفولة والشباب وبناء القدرات والتواصل مع الشركاء بالداخل والخارج، وذلك حتى يكون بمستطاع لاميج المساهمة -كما كانت دوما- في إعادة الاعتبار للهوية الجمعوية التطوعية وباعتبارها شكلا من أشكال المقاومة الثقافية والتربوية من أجل المغرب الحديث...