الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

عبد الله الستوكي.. قامة صحفية أخرى ترحل في صمت

 
جمال المحافظ
 
برحيل الصحافي والكاتب عبد الله الستوكي، يوم الثلاثاء 12 يوليوز 2022، في الرباط، بعد معاناة طويلة مع مرض عضال، تكون الساحة الإعلامية قد فقدت أحد القامات الصحافية لجيل الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
 
فعبدالله الستوكي الصحافي، الذى عايش مختلف التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية الإعلامية، التي عرفها المغرب، البلد الذي كان قد خرج للتو من ربقة الاستعمار، مرحلة كانت فيها الأقلام الصحفية تحسب على رؤوس الأصابع، كان حينها "الرفيق" عبد الله من أبرز كتاب الافتتاحيات والأعمدة والأخبار.
 
تميزت كتاباته الصحفية بحس إبداعي مرهف ونفس عميق، ينتصر فيها للاستقلالية المهنية على حساب الإيديولوجيا، التي كانت مهيمنة آنذاك، والتي كانت للكتابة الصحفية فيها تأثير ووقع كالحسام، خاصة في سنوات الرصاص.
 
عبد الله الستوكي كان الصحافي صاحب أكبر مكتبة خاصة، التي تزخر رفوفها بأمهات المؤلفات من ضروب الفكر والمعرفة، والمجلات والصحف بلغات متعددة، تستقبلك مباشرة من عتبة باب المنزل. المكتبة تشغل كل فضاء البيت، ابتداء من البهو، مرورا بغرف الاستقبال والضيوف والنوم، ولم يسلم من كتبها حتى المطبخ وقاعة الأكل وأيضا "بيت الراحة".
 
لقد احتضن السي عبد الله، كما يحلو لمساعدته، التي ظلت ملازمة له في محنته الصحية، أن تناديه حينما يريد أن تناوله شيئا ما، أو تجيب من يسأل عنه، بكل الحب والوفاء، خاصة وأنه قد ضحى بكل ما لديه من معرفة ومال حتى يحقق البعضُ، وهم كُثُر، ذواتهم، ويمارسوا نرجسيتهم و"أناهم الأعلى"، والمعذرة هنا لسيغموند فرويد، ليتسلقوا ليس جبل توبقال، طبعا ليصلوا إلى ما هم عليه الآن من مكانة في مجالات شتى.
 
فهذا الصحافي العصامي أغرته في شبابه "أحلام الثورة الحمراء"، وقصد موسكو لتلقى تكوين إيديولوجي وحزبي في الماركسية اللينينية من منابعها الأصلية بالمدرسة المركزية التابعة للحزب الشيوعي السوفياتي آنذاك. وعلى الرغم من مغادرته للحزب الشيوعي المغربي سنة 1967، إلا أنه لم يلتحق، بعد "مغامرته في بلاد لينين وتولستوي"، بأي هيئة سياسية، كما لم يغير إيمانه ولم يخف قناعاته الفكرية التي ازدادت مع مرور الأيام رسوخا. كما لم يُدر ظهره لـ"رفاقه المناضلين" أيضا.
 
لقد مكنته "رحلة المسافات الطويلة" بالاتحاد السوفياتي المنحل في عهد غورباتشوف و"CIA"، من التعرف والنهل من حقول فكرية أخرى، خاصة منها الأدب والموسيقى والفن التشكيلي، وتلك قصة أخرى من قصص السي عبد الله، المفرد بصيغة الجمع.
 
فالسي عبد الله، عملة نادرة في الوفاء والإخلاص في علاقاته، فلم تغريه أبدا أموال كانت دائما بين يديه، وكان لا يتيح لها الفرصة لتملأ قلبه الكبير. يقدم كل ما عنده ولا يكل ولا يتعب من أجل أن يحيى نساء ورجال مهنة المتاعب في وطن يسعهم كما يسع الجميع، وذلك في ظل الحرية والكرامة..
 
السي عبد الله مارس المهنة من موقعه كناشر وصحافي، بداية بصحافة الحزب الشيوعي، وتجربة في جريدة (Les Phars المنارات) التي كان يشرف عليها رضى اكديرة، ومروره بوكالة المغرب العربي للأنباء قبل "التأميم"، ومجلتي "لاماليف" و"أنفاس"، فضلا عن مساهمته، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تأسيس عدة صحف في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات.
 
لقد كان منزله بالطابق 17 لعمارة "السعادة" بشارع محمد الخامس وسط مدينة الرباط، دوما، وحتى رمقه الأخير، ملتقى للمثقفين والإعلاميين بأجيالهم المتنوعة، وفضاء للبوح وللنقاش الحر حول الصحافة في زمن الورق والحبر وصحافة الرأي والافتتاحيات الملتهبة، وواقعها الراهن في زمن الثورة الرقمية والطرق الإعلامية السيارة والوسائط الاجتماعية.
 
السي عبد الله، الذى تعلم الصحافة من الواقع وبدون معلم، كان يأمل، قيد حياته، أن تتمكن السلطة الرابعة من أن تتبوأ مكانتها الحقيقية في مغرب القرن الواحد والعشرين...