الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
جانب من عملية تمزيق الأغطية والملابس المستعملة

من "فخ الصدقة" إلى الوعي بـ"الحق في التنمية"

 
عمر إسرى
 
تمزيق السكان لأغطية وملابس مستعملة كان من المرتقب توزيعها من طرف جمعيات بأزيلال، في إطار مبادرة يُعتقد أنها تضامنية لمواجهة البرد القارس، هي رسالة واضحة المعالم، مفادها أن الوعي بدأ ينتشر بوثيرة سريعة في العالم القروي، فالكثير من سكان الجبال صاروا يميزون بين الحق والصدقة، إنهم يريدون تنمية مستدامة، ويسعون إلى رفع العزلة عنهم وإصلاح الطرق وتأهيل المدارس وبناء المستوصفات والمستشفيات، وخلق فرص الشغل.
 
أحترم المبادرة وأهدافها، كما أتحفظ عن طريقة تعبير السكان عن رفضها، إن كانت عملا إنسانيا صرفا وراءه جمعيات مدنية مستقلة تستحق كل تقدير، أما إذا كان الأمر يتعلق بتحركات انتخابوية، فجواب السكان يجب أن يُقرأ جيدا، لكن ما يهمنا هنا هو رد فعل المواطنين المتطلعين إلى تنمية مندمجة لمناطقهم رفضا للصدقات الموسمية.
 
إنهم اليوم ينتظرون مشاريع ملموسة من المنتخبين بدءا من الجماعات والمجالس الإقليمية والجهوية وصولا إلى البرلمان والحكومة، لتلبية حقهم في التنمية والعيش الكريم، لا يمكن أبدا الاستمرار في السياسات الترقيعية وذر الرماد في العيون، في ظل إخلال المنتخبين بمسؤولياتهم تجاه الشعب، ولم يعد مقبولا أبدا تكرار نفس الأساليب في غياب تام لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما لا يمكن أبدا مواصلة السياسات المرسخة للفوارق الطبقية والمجالية الصارخة.
 
هي رسالة كذلك إلى أحزاب الولائم بنوعيها (الولائم والعمل السياسوي الإنتهازي المختبئ وراء ما يسمى بالعمل الخيري ودغدغة العواطف باسم المقدس المشترك، والولائم المباشرة قبل الانتخابات)، هي إشارة شفافة توحي بأن الناس سئموا من المراوغات والرشوة والمحسوبية، عقود من الغبن كانت كفيلة بإيقاظهم من الغفلة والسبات.
 
هم الآن يريدون حقهم من الثروة، يريدون تكافؤ الفرص بين مناطقهم البعيدة ومدن المركز، يتطلعون إلى عدالة اجتماعية ومساواة كاملة، ينشدون أحزابا حقيقية تنافح عن قضاياهم وتساهم في انتزاعهم من بين أنياب الفقر والعزلة والتهميش، أحزابا حقيقية تفي بوعودها وتنفذ برامجها، لا أحزابا يخدم قادتها مصالحهم النتنة ونرجسيتهم الغارقة في الانتهازية، مُسوِّقين في كل مناسبة لوطنية مزيفة مرتبطة أساسا بحجم استفادتهم من الكعكة.
 
مسؤولية المواطن كذلك ثابتة وراء السقوط ضحية في فخ "العمل الانتخابوي تحت غطاء النشاط الخيري"، واستغلال الدين للوصول إلى مناصب المسؤولية في غياب تام للكفاءة وحس الوطنية والالتزام والصدق، أو من خلال قبول "رشاوى انتخابية" عينية ونقدية مقابل التصويت لمصاصي الدماء، الذين سيسعون حتما إلى الربح على حساب مآسي المواطنين، فلا أحد يستثمر ماله خارج القانون دون السعي لتكديس الأرباح من وراء ذلك، فلا أحد سيصرف مليوني درهم ليعود من استثماره في النهاية بخفي حنين! والنتيجة، تركيز المنتخب الفاسد على تعويض ما صرفه ثم تحقيق الربح طيلة ولايته، متجاهلا مصالح المواطنين والناخبين، لأنه ينظر إلى أصواتهم من زاوية خدمات أدى مقابلها سلفا!
 
لابد من الخروج من المتاهة، فالمسألة حتمية لتحقيق التنمية والديمقراطية، من خلال توعية المواطن بدوره المحوري في تخليق الحياة السياسية والمساهمة في التغيير الديمقراطي أولا، بدءا بتغيير سلوكه ومواقفه من السياسة وأدوات ممارستها، ومحاسبة المسؤولين وتقييم تدبيرهم للشأن العام وإدانة كل استغلال للدين وإفساد للعمل السياسي وتبذير أو سرقة للمال العام، ومن جانب الأحزاب بإعادة النظر في ممارسات وسلوك قياداتها والمنتمين لها، ومن جانب المؤسسات بتضييق الخناق على تجار السياسة وتطبيق القوانين بصرامة!