الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

صدور كتاب علال الأزهر "الصحراء المغربية.. جدل الوحدة والتجزئة" بتقديم اليازغي وشهادة الطالبي

 
صدر هذا الأسبوع للكاتب والمناضل اليساري علال الأزهر المنبهي كتاب "الصحراء المغربية.. جدل الوحدة والتجزئة"، عن منشورات دار التوحيدي، بإهداء جميل، جاء فيه:
 
إلى ابنتي الصغيرة ندى
التي جاءت إلى هذا العالم إشراقة أمل وتحد وصمود
بمناسبة 15 يونيو
 
والكتاب نسخة مراجعة ومزيدة عن كتاب "الصحراء المغربية الوحدة والتجزئة في المغرب العربي"، الذي كان صدر للكاتب، وهو آنذاك مازال وراء القضبان، ضمن معتقلي اليسار السبعيني بالسجن المركزي في القنيطرة، أي سنة 1988.
 
يقول علال الأزهر عن الكتاب: لقد مرّ الآن ما يقرب من ثلاثين سنة على طباعته. ويطرح السؤال التالي: هل مازال مضمونه يستحق القراءة، وبالتالي يستحق أيضا أن يصدر في حلة وبمضمون جديد؟ بالنسبة لي أعتبره من أحسن ما تمكنت من كتابته، رغم الظروف غير "الطبيعية"، التي كتب فيها. كما أن أحد الإخوة الأساتذة المهتمين بالقضية الوطنية، أي الأستاذ نوفل البعمري، الذي قرأه مؤخرا ونوّه به، تمنى لو تبادر دار نشر وتعيد نشره، لأنه من وجهة نظره يستحق ذلك. وشاءت الاقدار بمتتاليات رياضية أن تصدره دار التوحيدي بالرباط، التي يديرها الصديق أحمد المرادي، وفي النهاية يبقى الحكم الفيصل على الكتاب لمن سيقرأه بعد صدوره".
 
ونظرا للظرفية الحالية، التي تمر منها قضية الصحراء المغربية، في أعقاب تدخل المغرب لتصحيح الوضع في معبر الكركارات، وما أفرزه ذلك من مواقف، بعضها تقدم نفسها بمرجعية ماركسية، أثارت بدورها جدلا في الساحة السياسية والإعلامية، من المفيد أن ننشر، هنا، تصدير الكاتب حول ظروف تأليف الكتاب، لما لذلك من أهمية راهنة، حسب ما نرى في موقع "الغد 24"، ليس فقط بالنسبة للجدل الدائر، وإنما أيضا بالنسبة لأجيال حالية وصاعدة، من حقها أن تتعرّف على واحدة من التجارب المضيئة في التاريخ السياسي المغربي، من وجهة نظر واحد من أبرز قادة جيل اليسار الشاب السبعيني، الكاتب والمناضل الكبير علال الأزهر المنبهي.. وللإشارة، هنا، وبالإضافة إلى التصدير، فالكتاب يتضمن "تقديم" كتبه القيادي الاتحادي محمد اليازغي، و"شهادة" كتبها رفيقه في التجربة السياسية اليسارية محمد الحبيب طالب...
 
يقول الكاتب علال الأزهر المنبهي في تصدير الكتاب، عن ظروف كتابة كتاب "الصحراء المغربية.. الوحدة والتجزئة في المغرب العربي":
 
1- فذلكة تاريخية.. موقف منظمة 23 مارس من قضية الصحراء
 
أثير النقاش داخل منظمة 23 مارس في الداخل حول قضية الصحراء عندما قرر الملك الحسن الثاني المطالبة باسترجاع إقليم الصحراء المغربية سنة 1974، فانقسمت الآراء داخل المنظمة إلى ثلاثة تيارات: المدافعون عن مغربية الصحراء والدفاع عن عودتها إلى المغرب وقد كنت ضمن هذا التيار، وتيار وسط يعترف بمغربية الصحراء ولكنه يتحفظ في عودتها إلى المغرب في ظل النظام السياسي القائم، وتيار ثالث يميل إلى موقف إلى الأمام الذي كان يؤيد موقف البوليساريو والبؤرة الثورية.
 
في 2 نونبر 1974، تعرضت منظمة 23 مارس ومنظمة إلى الأمام إلى حملة اعتقالات واسعة مست قيادة المنظمتين، وقد كنت من بين المعتقلين، فقد قضيت في المعتقل السري درب مولاي الشريف ما يقرب من سنة وأربعة أشهر، وفي محاكمة 1977 في قضية السرفاتي ومن معه، عبّرت عن رأيي من قضية الصحراء، في حين هتف المرحوم السرفاتي بالجمهورية الصحراوية رغم أن أغلبية الرأي العام، بتأثير من النظام وبعض الأحزاب، كانت تعتبر المعتقلين في هذه القضية خونة للوطن. صدرت الأحكام في الأخير: حوكمت إلى جانب معتقلين آخرين بثلاثين سنة سجنا نافذا.
 
بعد الحكم، تم نقل المعتقلين إلى السجن المركزي بالقنيطرة، ولم يكن قد تم الاتفاق على موقف رسمي حول الصحراء داخل منظمة 23 مارس. بل تطورت المواقف بشكل مختلف، فقد استطاعت إلى الأمام، وقد كانت تمثل أغلبية المعتقلين، أن تدمج أغلبية أعضاء 23 في الموقف المتطرف من النظام، وبالتالي الدفاع عن تقرير المصير في الصحراء، وأطلقت عليهم اسم "23 مارس الإيجابية والثورية". تولّى الرفاق في الخارج أعضاء المكتب السياسي [فرنسا] إعادة بناء منظمة 23 مارس، واتخذوا قرار الدفاع عن مغربية الصحراء، فأصبحنا امتدادا للمنظمة خارج السجن. ورغم أن جميع السجناء بدون استثناء يعانون من اضطهاد النظام إلا أن إلى الأمام، بسبب هيمنتها، وخصوصا في السنوات الأولى قبل أن تنفجر التناقضات داخلها، كانت تتخذ موقفا شبه عدائي من الذين لديهم اقتناع بأن الصحراء مغربية والدفاع عن الوحدة الترابية.
 
نظم المعتقلون في السجن مناقشات حول قضايا متعددة شاركت فيها بمداخلات حول أزمة ووضعية الحركة الماركسية-اللينينية، ثم حول صيرورة تاريخ المغرب، نشر جزء منها في جريدة أنوال، كما ناقشت آفاق الوضع الفلسطيني بعد مداخلة المرحوم السرفاتي دفاعا عن أهمية المطالبة بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة بعد سنة 1967، هذا النقاش نظم بعد اجتياح إسرائيل للبنان في سنة 1982. ولكن قضية الصحراء جعلتها إلى الأمام من المحرمات بعيدة عن أي نقاش لا يؤيد تقرير المصير للشعب الصحراوي.
 
في نهاية سنه 1985، قررت التفكير في كتابة كتاب عن الصحراء المغربية والبحث من داخل السجن عن المراجع التي قد تفيد في الموضوع، وفي البداية طرأ عائق صحي فقد أصيبت عيني اليمنى بـ"الجلالة"، أي ما يعرف بالمياه البيضاء في العين، وتطلبت الفحوص أكثر من سنة لإجراء العملية الجراحية في النهاية، وخصوصا أنني كنت ضحية خطأ في بعض التحاليل في الدم، ففي عيادة السجن بالقنيطرة كانت تظهر نتائج التحاليل أنني مصاب بمرض الزهري، وفي مستشفى ابن سينا بالرباط كانت نتائج التحليل تبين العكس أنني غير مصاب بهذا المرض، وتكررت العملية عدة مرات وعشت حالة نفسية متوترة ولم أعرف هل كان الخطأ في فحص عينة الدم يعود لعطب في الآلة أم يعود إلى تدخل بشري؟ إلى أن تقرر نقلي إلى مستشفى الاختصاصات بالرباط لإجراء التحليلات النهائية والخضوع للعملية الجراحية. وقد حملت معي بعض المراجع عن موضوع الصحراء إلى المستشفى، والغريب أن البوليس السري الذي تكلف بحراستي في المستشفى منعني من الاحتفاظ بتلك المراجع رغم أن إدارة السجن قد سمحت بها ووضعت طابع السجن عليها.
 
بعد نجاح العملية الجراحية بزرع عدسة داخل العين اليمنى وعودتي إلى السجن في منتصف سنة 1987 التزمت ببرنامج يومي صارم من أجل بداية الإعداد لكتاب الصحراء المغربية، كانت زوجتي زهرة الخضري خير عون لي على البحث عن بعض المراجع المفيدة في الموضوع، استغرق التحضير ثم الصياغة الأولى كمسودة ثم الصياغة النهائية ما يقرب من عامين وانتهيت في غشت 1988 التاريخ المطبوع في نهاية الكتاب- كما كنت خلال هذه المرحلة أكتب بعض المقالات بين الحين والآخر لجريدة أنوال، وكتبت كذلك قسما آخر طويلا لإعادة طبع المسألة القومية والنزعة الأمازيغية...
 
عندما بعثت بالصيغة النهائية إلى مطبعة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بدار الخطابي، التي كان يديرها الرفيق المرحوم الحسين كوار، والتي صفيت منذ زمان، اقترحوا علي حذف عبارة الصحراء المغربية من العنوان، لأن التطورات التي كانت جارية آنذاك بتقارب جزائري مغربي يقتضي عدم إبراز نزاع الصحراء، ولم أقتنع بالفكرة لأنه كتاب وليس مقالة، فتشبثت بضرورة الاحتفاظ بعبارة الصحراء المغربية ضمن العنوان، ولذلك وضعوا في الأخير عبارة الصحراء المغربية بشكل طولي [عمودي]. وظهر الكتاب في السوق بعد دجنبر 1988.
 
2- القسم الخامس المضاف وتطورات قضية الصحراء
 
بين سنة 1988 وسنة 2018 أي ما يقرب من 30 سنة، توالت عدة أحداث ووقائع في هذا النزاع المزمن، ولكن دون أن يتم التوصل إلى حل الأزمة، بل ظلت تتفاقم باستمرار رغم ثبات المواقع نسبيا بين الطرفين منذ انتهاء المغرب من بناء الجدار السادس حيث انكمشت الجبهة في منطقة تندوف على التراب الجزائري، وأصبح التراب الوطني المغربي في الصحراء محصنا من هجمات البوليساريو. واضطرار الأطراف إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار سنة 1991. فما هي المستجدات التي طرأت منذ ذلك التاريخ وإلى الآن على هذا النزاع في علاقته بمضمون الكتاب [ط 1]؟ فقد أضيف لهذه الطبعة الثانية قسم كامل خامس، مضاف للأقسام الأربعة في الطبعة الأولى، حاولت فيه أن ألخص معظم التطورات التي عرفها هذا النزاع الذي كان هدف الدولة الجزائرية من إثارته هو التشويش على وحدة المغرب الترابية، وكان أهم موقف اتخذه المغرب في هذه المرحلة سنة 2007 هو مقترح الحكم الذاتي الذي رحبت به بعض الدول الفاعلة على صعيد المنتظم الدولي. وقد ناقش هذا القسم الخامس الموانع القاهرة التي حالت وتحول دون تطبيق مسطرة الاستفتاء لتقرير مصير الصحراء المغربية بعد التجربة الفاشلة التي حاولت الأمم المتحدة تطبيقها بعد وقف إطلاق النار سنة 1991 ولكن دون أن تفلح في ذلك لأن أوضاع "السكان" في هذه المنطقة بين جنوب الشمال المغربي والصحراء متداخلة جغرافيا وثقافيا وموحدة دينيا مع المغرب وهذا ما أكده الأمين العام الأممي كوفي عنان في تقريره بتاريخ 28 يوليوز 1993 بعد محاولات متعددة لتطبيق مسطرة الاستفتاء دون جدوى...
 
القسم الخامس المضاف يفصل في هذه التطورات الأخيرة. ورغم ذلك لابد من إبداء بعض الملاحظات الأخرى حول ما جاء في مضمون الكتاب:
 
- الملاحظة الأولى التي تستحق التسجيل في نظري هي التي تم الربط فيها بين جدل الوحدة والتجزئة والوحدة العربية فقد كانت بعض الدول العربية متورطة في الدفاع عن تجزئة المغرب وفصل الصحراء عنه لإقامة دولة جديدة من العدم وهي تدعي أنها تدافع عن وحدة الدول العربية القائمة في دولة واحدة. فقد كنت آنذاك ما زلت متعاطفا مع المفهوم القديم للوحدة والقومية العربية. وحتى في ذلك الوقت [1987- 1988] كنت أرى أن "... بناء دولة الوحدة العربية المنشودة التي أمست اليوم وكأنها أضغاث أحلام بدل أن تكون حلما جميلا نسعى إليه باستمرار [فقد يكون خيرا للمرء أحيانا أن يعيش على حلم جميل بدل أن يقبل بواقع فاسد] [مقدمة الطبعة الأولى ص 6]. هذا الموقف كان سنة 1988 فكيف يمكن وصف الوضع العربي اليوم؟ أليس مجرد كوابيس مرعبة يدمر فيها كل شيء البشر والحجر من أجل ما يدعوه الفكر القومي بالسيادة القطرية وليس القومية. فالوحدة العربية اليوم لم تعد حلما حتى كما كانت في السابق بقدر ما أصبحت مجرد وهم. واليوم يبدو ربط الصراع في الصحراء بالوحدة العربية كما ورد في الكتاب بالنسبة للبعض وكأنه مجرد حشو". ولهذا السبب ارتأيت ان اضيف ملحقا آخر حول موقفي الراهن من القومية والوحدة العربية وتحرير فلسطين للاستئناس.
 
- الملاحظة الثانية تتعلق بالأوضاع التنموية في الصحراء سنة 1988 السنة التي تم فيها تحقيق مستوى من الاستقرار في الصحراء التي تركتها إسبانيا شبه جرداء، وبين ما وصلت إليه الأوضاع اليوم من بناء متقدم في جميع المجالات في البنية التحتية وفي السكن والتعليم والصحة وغيرها... وهذا المجهود الذي يبدو أكثر تقدما حتى عن كثير من المناطق في شمال المغرب تطلب من الشعب المغربي الذي يدفع الضرائب تضحيات جسيمة من أجل الحفاظ على وحدة التراب الوطني.