الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

التلفزيون المغربي وثقافة التسطيح

 
حميد أحمد المرادي
 
كنت قد أنهيت الحلقة السالفة بسؤال حول حضور الثقافة على شاشات تلفزيون المعرب.
رابط الحلقة
 
فماذا أعني بالبرامج الثقافية بالضبط؟
 
في التلفزيون المغربي يسود منطق "الوزيعة" حين يتعلق الأمر بميزانية الإنتاج، والموجه بدقة لشركات بعينها، التي تساهم بقسط وافر في تسطيح العقل المغربي، وإدامة اعتقاد المغاربة أن الأرض مسطحة...
 
إنها مجمل البرامج والأنشطة المرتبطة بالثقافة والفنون، البرامج والحصص التي ترتبط من قريب أو بعيد، بكل ما هو ثقافي، يبشِّر بمجتمع جديد منشود أو ينهل من تراث ضمن الموروث الثقافي للوطن.
 
إنها مجمل الأنشطة الثقافية التي تدخل ضمن منظومة التاريخ والجغرافيا الخاصة بالوطن، وفي كل أبعادهما، والموسيقى والطرب والغناء، والسينما والمسرح، والكتاب وصناعته، ومجمل ما يشكل الممارسات الثقافية المتوارثة والحديثة المؤطرة بما هو جديد.
 
ولذلك سنتناول الموضوع من الزوايا التالية:
1- التراث المغربي:
2- التقاليد والعادات المغربية:
3- الثقافة السينمائية:
4- الثقافة الموسيقية والغنائية:
5- المسرح المغربي:
6- الكتاب وصناعته:
7- البرامج الفكرية والسجالية:
8- الإشهار كصانع للثقافة الاستهلاكية:
9- الثقافة الدينية:
10- منظومة القيم:
 
وسأحاول أن تكون مقاربتي لكل هذه المستويات، بعيدة عن لغة الخشب، ودقيقة بحيث سأعرض الخلاصات الأساسية بعيدا عن الإطناب في التفسير وترديد ما هو معلوم عند أعلب المتتبعين.
 
1- رغم تنوع وتعدد روافد التراث المغربي، ورغم تنوع مصادر ثقافته وتنوع مكوناته، فإن ما يمكن استخلاصه من خلال ما تعرضه وسائل الإعلام الممثلة في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، تجعلنا أمام ظاهرة فريدة من نوعها وهي التجاهل التام لغنى هذا التراث الزاخر، وتتحمل الشركة المسؤولية الكبرى في هذا التجاهل كما يتحملها الفاعلون (الشركات المنتجة).
 
2- من البلدان التي لا يعير فيها الإعلام الرسمي الممثل في الشركة الوطنية، اهتماما كبيرا، وخاصة على مستوى زخم العادات والتقاليد العريقة الخاصة بالمغاربة، ولذلك فنادرا ما نرى أفلاما وثائقية تعرض تاريخ وممارسة وتطور العادات والتقاليد المغربية، وإن تم ذلك فغالبا يتم مسخ تلك التقاليد والعادات، وتحويلها عبر الإعلام إلى مسخ لا علاقة له بحقيقته.
 
3- ارتبطت السينما على وسائل الإعلام التابع للشركة الوطنية، بأشخاص، وفي غيابهم أو تغييبهم، أو انسحابهم، تنسحب معه تلك الإضاءة، وهذه مشكلة تعاني منها أغلب القطاعات، ما دام أن منظومة المؤسسات، لم يتم بعد ترسيخها في الثقافة العامة للدولة والمجتمع.
 
4- يكفي أن تأخذ قرارا بمشاهدة تلفزيون الشركة الوطنية بكل قنواتها لتصل إلى قناعة أن صاحب القرار لا يعلم عن الموسيقى المغربية بكل زخمها وتنوعها إلا بعض ما يؤديه مجموعة من منشطي/منشطات الأعراس والحفلات الخاصة. في الوقت الذي تزخر خزانة الموسيقى المغربية في كل صيغها العصرية والشعبية أو التراثية بما لا مثيل له، لكن في غياب سيادة التدبير على أسس معرفية وفنية والاعتماد على العلاقات الخاصة والزبونية واستبعاد الكفاءات الحقيقة، فهذا الوضع، لا يمكن أن ينتج إلا التفاهة السائدة حالا وحاليا.
 
5- المسرح، الذي هو أب الفنون، غاب غيابا نهائيا، بعد أن كان له حضور ولو باهت، وتحت رقابة العهد البائد، الذي كان "يبدع" في قص كل ما يلمح إلى نسائم الحرية في أبسط تجلياتها. أما راهنا فأبو الفنون غائب تماما، فلا مسرحيات تعرض على الشاشات ولا نقاشات حول المسرح ولا أجندة تدفع الناس نحو المسارح.
 
6- باستثناء شبه برنامج ثقافي تبثه القناة الأولى، ويتميز بسيادة عقلية "العام زبن"، رغم ما أكنه شخصيا لبعض المساهمين فيه من تقدير، وباستثناء نشرة خميس على القناة الثانية التي تفتقد لعلاقة ما بالثقافة المغربية وبالكتاب المغربي، لا تلعب قنوات "القطب العمومي"، أي دور إيجابي في إشهار الكتاب أو الدعوة إلى القراءة. لا مثيل لقنواتنا التلفزيونية في علاقتها بالكتاب، أحسست دوما وكأنها علاقة كراهية.
 
7- في علاقة بالثقافة يحضر الفكر كأسمى ما ينتجه الإنسان إلى جانب الإبداع بكل أشكاله، لكن لم يسبق لي أن علمت أن قنواتنا التلفزيونية قد فتحت نقاشا حول موضوع فكري ما بحضور مفكرين معترف باختصاصهم وتمكنهم من مادة تفكيرهم، فالغائب الدائم منذ البداية، وإلى حين، أعتقد هو "السجال" الفكري المرتبط بمجريات الحياة اليومية للإنسان المغربي، والإنسان عموما.
 
8- في تاريخ مشاهداتنا للتلفزيون المغربي كنا نحس أن "الخطاب الإشهاري" أقرب إلى حياتنا اليومية، بعد ذلك تسرب إلى "الخطاب الإشهاري"، شكل جديد من التهافت على هذا الخطاب، سقط "الخطاب الإشهاري" إلى أسفل المستويات لغة وصورة –إلا فيما نذر- وسارعت إلى نفس الممارسة كل المؤسسات التجارية والصناعية بتوجيه من طواقم المؤسسات الإشهارية المنتجة لهذا الخطاب، أقل ما يمكن وصفه به هو "الإسفاف"، خاصة بعد تنامي لغة دميمة وتافهة، إلى درجة الحط من كرامة "الإنسان المغربي" (إشهارات حسن الفذ أنموذجا)، ولا حاجة لتناول "القيم" التي يغرسها هذا "الخطاب الإشهاري".
 
9- الثقافة الدينية جزء لا يتجزأ من ثقافة غالبية المغاربة، وإذا كان الترويج للثقافة الدينية قد تحكم به السياسي لعدة عقود، فإن ما يعرفه العالم من تحولات في هذا المجال يطرح ضرورة إعادة النظر في المقاربات، وهذا يسري على القنوات التلفزيونية نفسها، فإذا كانت وسائط الإعلام قد تسرب إليها خطاب أقرب إلى خطاب جماعة "الإخوان المسلمين" في ممارستهم لـ"الإسلام السياسي"، فإن المطروح هو حماية القنوات العمومية من الاستغلال السياسي لمعتقدات الناس.
 
10- هل تعتمد الشركة الوطنية على منظومة للقيم، التي ينبغي الارتكاز عليها لبرمجة وإنتاج وترويج برامجها؟
 
هذا السؤال يطرح نفيه بإلحاح، لأن متابعة مختلف القنوات يجعلنا نصل إلى قناعة بأن كل ما يتعلق بالتلفزيون يتم التعامل معه بمنطق "وكم حاجة قضيناها بتركها"، مع سيادة خالصة لمنطق آخر "الوزيعة" حين يتعلق الأمر بميزانية الإنتاج، والموجه بدقة لشركات بعينها، والتي تساهم بقسط وافر في تسطيح العقل المغربي، وإدامة اعتقاد المغاربة أن الأرض مسطحة.
 
كاتب مغربي