الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مرض الزهايمر لدى الإسبان ومدينتا سبتة ومليلية المحتلتان

 
منعم وحتي
 
إن المؤامرات الإيبيرية لا تفتأ تركدُ زمناً، حتى تستفيق، والمعادلة الثابتة لإسبانيا هي زعزعة أي استقرار للمغرب وفرملة أي إمكانيات لتطوره. ويذكر التاريخ أن إيزابيلا (22 أبريل 1451 - 26 نوفمبر 1504) ملكة قشتالة تلقت توصية من البابا مفادها أنه على الإسبان محاصرة المغرب داخل أراضيه باستعمار سواحله، ليكون ذلك بمثابة جدار واقٍ لجنوب أوروبا من تجدد أي أطماع للمغرب في الأندلس إذاك، وللوقاية من مخاطر التحولات الإقليمية واختلال التوازنات مستقبلا، ولأهداف تبشيرية أيضا بإفريقيا. وقد كان احتلال سبتة ومليلية جزءا من هذا المخطط الاستعماري الذي استمرت تبعاته إلى الآن.
 
إن التصريحات الرعناء للسلطة الحاكمة بإسبانيا والتخبط الذي تعيشه دبلوماسيتها، يقتضي نوعا من وضع النقط على الحروف مع الإسبان، حتى يعوا حقائق الأمور وليتحملوا مسؤولية خياراتهم الكولونيالية القديمة والجديدة، خصوصا مع العبث الذي فاهت به وزيرة الخارجية الإسبانية غونزاليس رايا بمحاولتها ربط الاتصال مع فريق جو بايدن لثنيه عن الاستمرار في الاعتراف بمغربية الصحراء، ومما زاد الطين بلة، تصريح مبتذل لزعيم حزب فوكس اليميني، سانتياغو آباسكال، قائلا: "سبتة ومليلية هما مدينتان إسبانيتان في إفريقيا منذ ما قبل وجود المغرب، وستظل المدينتان إسبانيتين حتى إذا لم يعد المغرب موجوداً".. وتنتهي وزيرة خارجية الإسبانية باستدعاء سفيرة المغرب في مدريد لاستفسارها عن الموقف المغربي من سبتة ومليلية المحتلتين... إن هذا الاستهتار بسيادة المغرب على أراضيه، يقتضي منا إعطاء بعض الدروس للمنطق الكولونيالي الإيبيري في حالة أصاب بعضُ الزهايمر الذاكرةَ الإسبانيةَ.. والمقال جزء من توضيح تاريخ مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين للرأي العام المحلي والدولي.
 
- مدينة سبتة تقع في التراب المغربي أقصى الشمال، تمتد على مساحة 19 كلم مربع، ويبلغ تعداد سكانها 84 ألف نسمة، اسمها القديم أبيلا، الميناء الفينيقي، تضم المسلمين واليهود والمسيحيين والهندوس...
 
- مدينة مليلية تقع في التراب المغربي شمالا من الجهة الشرقية، تمتد على مساحة 12 كلم مربع، اسمها أمازيغي "تمليلت" بمعنى البيضاء، نسبة للون الأحجار التي تنتشر فيها، تعداد سكانها 85 ألف نسمة، تضم المسلمين واليهود والمسيحيين والهندوس...
 
وصل المغاربة إلى الأراضي الإسبانية سنة 711م، بعد دخول الجيوش المغربية لإسبانيا عبر سبتة من مضيق جبل طارق، وحكموا إسبانيا لأزيد من 7 قرون، ولنتذكر أن تسمية الجبل المغربية "طارق" بقيت صامدة إلى الآن تأريخاً للحدث...
 
تعاقب على حكم الإسبان المرابطون والموحدون، وفي فترة حكم المرينيين/الوطاسيين بدأ استرداد الإسبان لإمارات الأندلس، انتهى ذلك بسقوط غرناطة سنة 1492م.. تراجُعُ قوة الدولة المغربية جعل لُعابَ الأطماع الاستعمارية يسيل لاحتلال موانئ المغرب، ففي سنة 1415م، هجم الأمير البرتغالي هنري على سواحل المغرب واستولى على مدن طنجة وسبتة والقصر الصغير والعرائش وأصيلة والجديدة، وأصبحت موانئَ تابعة للبرتغال. أما مليلية فقد سقطت في سنة 1497م بعد مقاومة كبيرة في يد الإسبان، وبنفس المنطق الاستعماري.
 
في عهد الدولة السعدية، تقوت شوكة الجيش المغربي الذي بُنِيَ في قبائل الجنوب الصحراوي للمغرب "درعة"، ووصل إلى السواحل الشمالية للتراب المغربي، وأوقع هزيمة نكراء بالجيش البرتغالي المتحالف مع جيش إسبانيا -كانت متخوفة مسبقا- وجيش البابا الأوروبي سنة 1578م في معركة وادي المخازن.. استغلت إسبانيا حدث هزيمة البرتغال ووضعت يدها على الأراضي البرتغالية.. إذاك تحركت أطماع الإسبانيين لضم سبتة أيضا امام ضعف الدولة البرتغالية.. لإنهاء الصراع الإيبيري، تم توقيع معاهدة لشبونة سنة 1668م بتحكيم إنجليزي، بموجبها تحترم إسبانيا أراضي البرتغال وتحتل إسبانيا سبتة.. خصوصا مع وفاة المنصور الذهبي في هاته المرحلة وترهل الدولة السعدية.
 
دائما ما استمرت، بعد ذلك، وعلى مر التاريخ، حروب المغرب مع الإسبان لاسترداد المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، حيث إنه في بداية عهد الدولة العلوية، سيتمكن المولى إسماعيل سنة 1664م، من استرجاع الثغور المستعمرة طنجة والقصر الصغير والعرائش والجديدة.. وكانت استراتيجية الجيش المغربي بتطويق المدن المحتلة من البر والبحر، فيختنق المستعمر ليسلم المدينة.. نجح المغرب في ذلك واستعاد كل المدن باستثناء سبتة ومليلية، وذلك نظراً لإكراه طبيعة مدينة سبتة الممتدة بالبحر، ما سهّل على الإسبان عملية تموينها وإمدادها من البحر لكسر حصارها من طرف المغاربة، نفس الشيء بالنسبة لمليلية.. ويسجل التاريخ أنه سنة 1693 تم حصار المولى إسماعيل لمدينة سبتة، وقد استمرت عملية الحصار المغربي لمدينة سبتة 34 سنة، في ما اعتبر أطول حصار في التاريخ. اما ما يخص مدينة مليلية، فالقائد المغربي عبد الكريم الخطابي الذي أذل الإسبان في معركة أنوال سنة 1921م، ووصل إلى حدود مليلية، التي حاصرها، كان بإمكانه استعادتها بسهولة لولا حسابات القائد عبد الكريم وتخوفه من تحالف الجيوش الفرنسية والإنجليزية مع الإسبان، فعَدَلَ عن قرار دخول مليلية تجنبا لسقوط الضحايا في قواته.
 
إن هذا التاريخ الحافل من حروب التحرير التي خاضها الجيش المغربي لاسترداد أراضيه، واستكمال وحدته الترابية، هو أكبر رد على الزهايمر الذي أصاب ذاكرة الحكومة الإسبانية واليمين المتطرف الإيبيري، ما جعلهم يحاولون طمس الحقائق، والاستمرار في نفس نهج قشتالة القديم بإدامة التوتر والقلاقل بالمغرب، لا أدل على ذلك استمرار التآمر الإسباني على الصحراء المغربية تنفيذاً للتوصية القديمة للملكة إيزابيلا بخنق المغرب في أراضيه حتى لا تقوم له قائمة.
 
فعلى الحكومة الإسبانية أن لا تضع يدها المعرقلة في قضية الصحراء المغربية، لأن حصار المغرب لسبتة المحتلة لمدة 34 سنة كان جوابا للجيش المغربي في نهاية القرن السابع عشر على التغول الإسباني، وأكيد أنه لنا توصياتنا أيضا من دروس التاريخ.. وللتذكير فالثغور المغربية المحتلة بشمال المغرب، ليست فقط سبتة ومليلية بل أيضا الجزر الجعفرية (إشقارن) أمام سواحل الناظور، جزيرة باديس، صخرة الحسيمة (النكور)، جزيرة تورة (ليلى).. فعلى الإسبان التعقل لأن اللعب بالنار خطير في المنطقة بدون استحضار دروس التاريخ من جميع الجيران...
 
فاعل سياسي ومدني