كان لافتا للجميع أن يحظى الوفد الأمريكي الإسرائيلي باستقبال رفيع المستوى من طرف العاهل المغربي، وهو الاستقبال الذي تُوّج بتوقيع إعلان ثلاثي بين البلدان الثلاثة، هدفه تعميق الشراكة الاقتصادية، والإنسانية والاجتماعية خاصة ما بين اليهود المغاربة وبلدهم المغرب الذي مازالوا متشبثين به وبهويته الوطنية، وحيث أصبحت هذه الهوية اليهودية المغربية جزءا من الهوية الثقافية، التي تشكل اليوم الشارع اليهودي في إسرائيل.
المغرب قرر عودة الاتصال مع إسرائيل وإعادة فتح مكتب للاتصال الإسرائيلي بالرباط، ونظيره في تل أبيب، وهي عودة جاءت مؤطرة برؤية مغربية ملكية واضحة تتضمن بعدين:
الأول بُعْدٌ داخلي
مرتبط بما يمكن أن يحققه المغرب من هذه العودة من مكاسب سياسية ودبلوماسية على مستوى عدة قضايا حيوية ذات صلة برهانات المغرب الاستراتيجية، تأتي في مقدمتها ما يتعلق بقضية الصحراء، خاصة على المستوى الأممي، وهنا تأتي أهمية وقوة الموقف الأمريكي من الصحراء ومن المسلسل السياسي ككل، حيث إلى جانب الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، فالولايات المتحدة الأمريكية باتت أكثر دعما لمبادرة الحكم الذاتي، وقد عبرت عن ذلك في رسالتها الموجهة إلى الأمم المتحدة لإعلامها بهذا المستجد، كما برز بشكل واضح في تصريح كوشنير مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، بعد الاستقبال الملكي الذي حظي به الوفد، إذ أكد على الدعم الواضح للولايات المتحدة الأمريكية للحكم الذاتي، كحل وحيد لإنهاء هذا النزاع، وهو موقف سيكون له ما بعده على اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القلم الذي يُعد مسودة القرار، كما أنها تعتبر أكبر مساهم مالي لبعثة المينورسو، لذلك فالموقف الأمريكي سيكون له تأثير إيجابي على النزاع وسيدفع بالمسلسل السياسي إلى أن يأخذ مساره الطبيعي لإنهائه على أرضية الحكم الذاتي.
وفي هذا الصدد، لابد أن نفتح قوسا للقائلين، بسوء نية أو بحسنها، إن القرار الأمريكي قد يغيّره جون بايدن، وهو قول لم يستوعب بعد لا طبيعة ولا شكل الدبلوماسية المغربية، أولا نحن أمام دولة أمريكية رؤساؤها عندما يوقّعون مراسيم رئاسية، وفقا للمادة الثانية من الدستور، فهي مراسيم ليست مزاجية مرتبطة بهذا الرئيس أو ذاك، بل مرتبطة بتوجه عام داخل الإدارة الأمريكية التي تشكل ضمان استمرارية الدولة الأمريكية، ثانيا لا يمكن تصور أن المغرب سيقوم بهذه الخطوات دون أن تكون له ضمانات حقيقية من طرف الإدارة الجديدة بأنها ستقف نفس موقف إدارة ترامب، فالمغرب، على مستوى البعد الدبلوماسي، كان دائما يقف على مختلف التفاصيل، ولن تفوته هذه النقطة، الذي حدث هو أن الظروف نضجت للقيام بهذه الخطوات في نهاية ولاية ترامب.
الثاني بعد خارجي
المغرب ظل واضحا في التعبير عن موقفه من القضية الفلسطينية، وهي مواقف تجعله يقيم علاقة متوازنة مع إسرائيل، علاقة مؤطرة ببلاغ الديوان الملكي الأول، الذي تم الإعلان فيه عن عودة الاتصالات، ثم بالإعلان الذي تم توقيعه، وفي كل ذلك حرصت المملكة المغربية على الإعلان عن تجديد موقفها الداعم لحل الدولتين على حدود 1967، وهو نفسه ما تطالب به السلطة الفلسطينية وجل الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب التعبير مجددا على المواقف الثابتة من مختلف القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية على رأسها وضعية القدس الشريف...
لذلك فالمغرب قد يكون وسيكون له دور إيجابي في إحياء مسلسل السلام بين فلسطين وإسرائيل، هذا المسلسل المتوقف لغياب وسيط موثوق فيه ويحظى بالمصداقية لدى مختلف الأطراف، المغرب بمواقفه المعلن عنها اتجاه فلسطين ورئاسته للجنة القدس، بالإضافة إلى تأثيره الثقافي داخل الأوساط الإسرائيلية وعودة مكتب الاتصال الدبلوماسي، سيكون له هامش تحرك كبير من أجل إحياء مسلسل السلام بين فلسطين وإسرائيل، كما أن تحركاته ستحظى بدعم كِلَيْ الطرفين نظرا للمصداقية الدبلوماسية والسياسية التي يتمتع بها المغرب سواء أمام السلطة الفلسطينية أو أمام الحكومة الإسرائيلية.
المغرب تجاوز المنطق الذي طُرحت به عودة العلاقة مع إسرائيل على مستوى توصيفها بالتطبيع بالدلالة والحمولة القومية التي كانت تطرح بها في السابق، المغرب تجاوز هذا المعطى لأن عودة علاقته بإسرائيل حركتها أبعاد إنسانية وثقافية، تاريخية وسياسية ودبلوماسية، إلى جانب ما هو اقتصادي، وأيضا بعد فلسطيني لأنه أعلن عن حفاظه علي مختلف المصالح الفلسطينية، بل سيكون صوت السلطة الفلسطينية في الداخل الإسرائيلي لإحياء السلام المفقود...