الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

حكيم العسبي: الملك والرسالة والمغرب وإسرائيل.. لن نكون مع حسن نصر الله ونحن في المغرب كثيرون

 
حكيم العسبي
 
 
هُناكَ مثلٌ روسي يَقول "فَليَحمِيَنَا الله مِن الرَّجل الذي قَرأَ كِتاباً واحداً فَقط". هكذا البَعض في المغرب، عند الحديث عن العلاقة الديبلوماسية مع إسرائيل...
 
هُناك حيوَانات مَنويَّة مُجمَّدة فِي بَنكِ الذَّاكرة، تَأخُذ مِنها بَعض التَّيارات السيَّاسية والأفراد حَاجاتها كلَّما أرَادَت تَحلِيل بِنية العلاقات بين المغرب وإسرائيل... مِنها وَلْوَلَة، أنَّ هذه العلاقة تَتصَادَم مع المُعتَقد الدِّيني... وَوَلْوَلة أُخْرى، تَرى أنَّها عَلاقة تَصْطدِم بالبُعْد القومي للقضيَّة الفلسطينيَّة...
 
سنكتب بقلم لا يَجفُّ..
 
تَكون أي عَلاقَة دِيبلوماسيَّة صَعْبة حَسَب طَبيعَة الدَّولة.. هل نَحنُ أمَام الدَّولة الأَدْنى أمْ أمَام الدولة الحَاكِمة. لنفهم هذا، لِنَتزَحْزح قَلِيلا من كَون العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل لها خَاصيَّة مُنازَعَة بين القِوى السياسيَّة... ونَأخُذ التَّاريخ مِن حَيث يَمنَحُنا نِقَاشَ المُمْكِن من خلال مَحطَّة مُهمَّة وهي اتفاقية كامب ديفيد.
 
رَبحت إسرائيل نِهاية استدعاء الجيش الاحتياطي من كُتلة المُجتمع المَدني وما لَه من كُلفة على النَّسيج المُجتَمعي أمَام كلِّ تَحرُّك للجيش المصري. تِلكَ كانت كُلفَة ما بعد انتصار الجيش في حزيران... هنا المُؤسسة العسكرية الإسرائيلية تَنزِل تَحت الإقْرَار للمجتمع المدني والسياسي بمؤسساته (الأحزاب والكنيست)... عكس العسكريات العربية.
 
مصر أخَذت الأَرض وبِنخْبة عَسكريَّة تُرِيد العَودة إلى المجال السيَّاسي لما قبل الثورة الناصرية.. لكن بعكاكيز العسكري في غياب مؤسسات مدنية وسياسية (أحزاب برلمان).
 
الدولة الأدنى حيث غِياب المُؤسَّسات المُنتَخبة هي أضعف من الدولة الحاكمة بأدوات مُنْتَخبة... فالأولى تمارس التَّسْليم، والثانية تُمارِس الإقْرَار.
 
العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل...
 
أسَاسُ اتِّفاق أوسلو تَقويَّة الخارج الفلسطيني على الداخل... كامب ديفيد تقوية البنية الفَوقِيَّة لمؤسسة الرئاسة لمصر. لا يُمْكن إطلاقًا تَأْبِيد المغرب في هذا الصِّرَاع القَديم...
 
من هُنا تَأتي هذه العَلاقة الديبلوماسية، في خِضمِّ التَّراكم الاسْتِخدامَاتي للعلاقات الدولية بِمنْطق التَّموقُع وَسط خَرائط سياسيَّة جديدة.. لِفهْم هذا لا يَجِب الاعْتِماد على التَّحلِيل القَادِم من بَعيد، بِبُعْده الأيديولوجي أو القَومي بِرِهان الحزب الحاكم (الناصري والبعثي ومنظمة التحرير).
 
الحقائق النِّهائيَّة أمام المغرب، هي دُخول الجِوار في تَحالُفات ليس فقط تُعانِد المغرب في وحدته الترابية، بل التَّماسُك الرُّوحي للمؤَسَّسة الدينية بِبعْدِها الهوياتي (إيران).
 
كل دُول الطَّوق لا تعترف بمغربية الصحراء (مصر سوريا لبنان).. وتوقيع المغرب وإسرائيل لاتفاقية قيام علاقات دبلوماسية لم يكن من خِلال فَضِّ اشْتِباك الجيوش أو حُدُود مُتنازَع عليها.. بل من خلال رَافِد هَويَّاتي وديني، وهو ما أقَرَّه الدستور المغربي.
 
إنَّ كلَّ اتفاقيات السلام بين إسرائيل ودول الطوق العربية، كانت بهدف حَلِّ النِّزال إلى مَنْع حُدُوته.. أما في حالة المغرب، فهي تصالح مع تطَلُّعات هَرميَّة تسكانية داخل إسرائيل بغلبة الأصول المغربية.. وتقوية خياراتنا الجيوسياسية.
 
مرة حسن نصر الله، قال إن روح الخميني تسبق عنده روح الوطن لبنان.. لسنا من هذا الخيار، ونحن بالمغرب كثيرون.
 
أما أولئك الذين يفكرون بمستوى الهاتف المحمول Nokia 1100، فلكم صرخة ذاك المواطن الجزائري بحضور الرئيس الجزائرى: وااالسي التبون، فتح لينا حدود ن ض حنوا إسرائيل...
 
الملك محمد السادس.. الرِّسالة... البَيان
 
الرسالة التي بعثها الملك محمد السادس إلى بينيامين نيتانياهو بشأن اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على صحرائه، لَعلَّها من الرَّسائل، التي سَتشكِّل نَقلة نَوعيَّة في حِياكَة العلاقات من خِلال تَراكُمَات تاريخيَّة بعيدة عن تلك الاحْتدَامات الهَوياتيَّة، التي طبعت الصراع العربي الإسرائيلي... بمفرداتها وصيغتها وبحمولتها التاريخية والسياسية، تَتجاوز ذِهنيَّة الجوار والعالم العربي.
 
كل عمليات التطبيع (مصر، الأردن، والسلطة الفلسطينية) كانت تتطلب تعبئة سياسية، ماعدا حالة المغرب فهي تعبئة وطنية... لهذا لم تكن وليدة قنوات سرية (كامب ديفيد، أوسلو، واتفاقية وادي عربة).. بل عبر رسائل متبادلة بين الملك ورئيس الحكومة الإسرائيلية دون الحاجة إلى طاولة في حديقة البيت الأبيض.
 
القراءة المُتأنِيَّة للرسالة الملكية تكشف ذاك الجُهد الديبلوماسي المُتسَامِي والتَّفكير الذَّاتي لكلِّ الصِّراع، في احترام تام للمعاقل الاستراتيجية بين البلدين... هناك أصوات أشبه بحي بْنِ يقظان، تُريدُ الرَّضاعة من القطيعة والصراع بكلِّ جِراحِه.
 
الرسالة الملكية، رَمزِيتها أنَّها قادرة على إطْلاق خِطاب التَّصالح من داخل حقل العالم العربي، خُصوصًا بعد موت مؤسساته (الجامعة العربية والمؤتمرات العربية).. الأزمنة القادمة داخل العالم العربي تستشرف أسئلة كبيرة على مستوى الدين والهوية، لهذا عادت الرسالة الى اللحظة الابتدائية وهي المُشترك التاريخي والهوياتي المغربي.
 
التَّصَيُّد بالنص الديني، والتَّصيُّد بالقومية... نوع من الفذلكة، لا تخدم الأجندة المغربية ومصالحها.
 
مرةً، حنان عشراوي، كبيرة المفاوضين لفلسطين، قالت: إن فلسطين للقرار الفلسطيني، ولا يَهمُّها العربي... وبالعامية المغربية، نقول لها: والله ما نرجّعوها في وجهك...
 
الصحراء المغربية أولا، ثم حيَّ على الصلاة...