الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

اتحاد العمل النسائي.. كل ما يجب أن تعرفه عن الحملة الثانية للتغيير الجذري والشامل لمدونة الأسرة


أطلق اتحاد العمل النسائي في المغرب، اليوم الخميس 10 فبراير 2022، من الرباط، حملته الوطنية الثانية، من أجل تغيير جذري وشامل لمدونة الأسرة، التي يرى الاتحاد أنها لم تقطع كلية، في فلسفتها ومضامينها ولغتها، مع المنظور الذكوري المحافظ بشأن العلاقات الأسرية ومكانة حقوق النساء ضمنها...
 
وتحدثت في الندوة قياديات في اتحاد العمل النسائي، هن الرئيسة عائشة ألحيان، ونزهة العلوي، وعائشة لخماس، ونهلة عراش، من المنصة، فضلا عن قيادات أخرى من داخل القاعة، ليبرزن للحضور أهداف هذه الحملة، التي أطلقنها تحت شعار "من أجل قانون أسري يضمن الملاءمة والمساواة"، وشددن على أن تغيير مدونة الأسرة بشكل جذري كان ممكنا ومتاحا منذ إقرار التعديلات الدستورية في العام 2011، بحيث تتوام القوانين الوطنية مع مواد الدستور التي تؤكد على المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الجنس والدين واللغة والعرق واللون...
 
ومن المطالب الأساسية، التي توقّفت عندها القيادات النسائية، خلال الندوة الصحفية، بكثير من التوضيح الصريح، مع تكسير الطابوهات الدينية والسياسية، هناك منع تعدّد الزوجات بصفة نهائية، مع منع تزويج الفتيات الصغيرات واعتماد السن القانونية للزواج المحددة في 18 سنة للذكر والأنثى دون أي استثناء، وترتيب عقوبات رادعة وزاجرة لكل الأطراف المتورطة في زواج القاصرة، واعتماد الزامية عقد تدبير ممتلكات الأسرة واشتراطه ضمن الوثائق اللازمة لملف الزواج، والنص صراحة على اعتبار دور العمل المنزلي وتربية الأطفال في تقييم مساهمة النساء، فضلا عن مطالب أخرى لتغيير العديد من مقتضيات قانون الأسرة، سواء في ما يتعلّق بالسكن، أو أنواع الطلاق، أو الحضانة، حيث تقترح الناشطات المدنيات والحقوقيات إسناد الولاية على الأبناء إلى الأم والأب دون تمييز، سواء خلال قيام الحياة الزوجية أو بعد الانفصال، مع إلغاء التمييز الحاصل في مواد الحضانة، وعدم اعتبار زواج الأم المطلقة عاملا لتجريدها من الحضانة...
 
وبالنظر للأهمية البالغة للقضايا، التي طرحها اتحاد العمل النسائي في ندوة الرباط، والتي كان بلورها في "ورقة تقديمية للندوة الصحفية" وزعها على الصحافة، ندرج في ما يلي النص الكامل لهذه الورقة...
 
الورقة التقديمية للحملة الثانية للتغيير الجذري والشامل لمدونة الأسرة
 
شكلت مدونة الأسرة بحق أحد أبرز الإصلاحات التي شهدها المغرب منذ استقلاله وهو ما نوهنا به حينها رغم كونها لم تستجب لكل مطالبنا. وبعد مضي 18 سنة على صدورها، لا جدال اليوم في كون التجربة العملية قد أبانت عما يتخللها من قصور وثغرات حالت دون تحقيق النهوض بالحقوق الإنسانية للنساء وحمايتها، والتصدي للمعضلات الأساسية التي تعاني منها الأسرة المغربية وللمآسي الاجتماعية المترتبة عنها، وهو ما أكدته العديد من التقارير والدراسات بما فيها تلك الصادرة عن المؤسسات الرسمية. وطيلة هذه المدة لم تفتأ تتعالى الأصوات المنادية بضرورة مراجعتها خاصة من طرف مكونات الحركة النسائية والحقوقية وضمنها اتحاد العمل النسائي الذي أطلق حملة جديدة للمطالبة بتغييرها جذريا في فبراير 2018 تحت شعار "من أجل قانون أسري يضمن الملاءمة والمساواة" ليواصلها اليوم انطلاقا من الشهر الجاري.
 
ان إصرارنا على مواصلة النضال على هذه الواجهة يرتكز على قناعتنا بأن تغيير مدونة الأسرة لا يمكن اختزاله في مجرد تعديل قانوني وحسب، بل هو شرط أساس لدمقرطة المجتمع وإعادة بنائه على أسس من المساواة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ومدخل رئيسي لتمكين النساء إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا وتحريرهن من وضع الدونية المفروضة عليهن، والقضاء على التمييز على أساس الجنس الذي يعد من مقومات التنمية الإنسانية والتقدم الحضاري، من ثم يعتبر هذا الورش من الإصلاحات الكبرى الحيوية المطروح على بلادنا استكمالها دون إبطاء.
 
إن اتحاد العمل النسائي الذي لم يتوقف عن النضال من اجل قانون أسري مساواتي منذ الثمانينيات، يؤكد من جديد على الضرورة الملحة لتغيير شامل وعميق لمدونة الأسرة يرتكز على المبادئ والمرجعيات والمداخل التالية:
 
*المرجعية الحقوقية:
بما أن المدونة تتعلق بمجال الحقوق المدنية في علاقتها بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ينبغي أن تنبني على المرجعية الكونية لحقوق الإنسان ومبادئها الأساسية المتمثلة في المساواة وعدم التمييز، بإعمال مقتضيات المواثيق الدولية ذات الصلة وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" التي يعد المغرب دولة طرفا فيها بمصادقته عليها، وهو ملتزم بإعمال مضامينها. وهو ما يقتضي القطع مع المنظور الذكوري المحافظ، والتذبذب والتعارض في الأحكام التي فرضت أغلبها ضغوطات وإرضاءات وتوافقات سياسية على حساب حقوق النساء.
 
*الدستور:
بالنظر لكونه القانون الأسمى للبلاد والإطار المعياري الوطني الأساس، يتعين ملاءمة كل المنظومة القانونية مع مبادئه ومقتضياته، وضمنها مدونة الأسرة التي أصبحت في تعارض مع مستجداته، مما يترتب عنه عدم دستوريتها منذ ما يزيد عن عشر سنوات. إذ آن الأوان لمراجعتها في ضوء ما ينص عليه الدستور من مساواة ومناصفة بين الجنسين وحظر للتمييز وما يؤكد عليه من التزام بما تنص عليه الاتفاقيات الدولية من حقوق في كونيتها، ومن سموها على القوانين الوطنية وتعهده بملاءمة هذه الأخيرة معها.
 
*التحولات السوسيوثقافية:
شهد المجتمع المغربي تحولات مست البنيات الاجتماعية والثقافية في عمقها وخاصة من خلال حلول الأسرة النووية محل العائلة الممتدة، وتطور أدوار النساء داخلها وفي مختلف مجالات الحياة. إذ أصبحن معيلات ومسؤولات عن تدبير كل شؤون الأبناء من تعليم وصحة وغيرها، وفاعلات أساسيات في المجتمع. وهو منحى تطوري في تصاعد، ويطرح وجوبا وضع مدونة ملائمة لأسرة مغرب القرن 21، تتناسب مع مقوماتها وتستجيب لمتطلباتها الجديدة، كما تتيح الحلول الناجعة والعادلة لمعضلاتها، وترقى الى مستوى تطلعات النساء المغربيات للمساواة والحماية والتمكين. وهو ما يقتضي القطع مع النموذج البطريركي المبني على التراتبية والتبعية والميز في الأدوار والمكانات والحقوق.
 
*الدروس المستفادة:
أبرزت تجربة 18 سنة من تطبيق مدونة الأسرة محدودية وقعها على الحياة الفعلية للنساء لضمان حقوقهن الأساسية وحمايتهن من انتهاك كرامتهن ومن الحيف والتفقير والتشريد والعنف. كما أبانت عجزها عن الحد من تزويج الطفلات وتعدد الزوجات وعن ضمان حق النساء في ممتلكات الأسرة وفي الولاية على أبنائهن. ولم تمكن من حل الإشكالات المتعلقة بالنفقة وبسكن المحضون في غياب معايير موحدة عادلة ومساطر دقيقة تضمن للمحضونين الحفاظ على مستوى عيشهم السابق والمسكن اللائق. كما لم تستحضر المصلحة الفضلى للطفل في قضايا الأبوة والنسب وضمان حقوق الأطفال "بكيفية متساوية كيفما كانت وضعيتهم العائلية"، كما نص على ذلك الفصل 32 من الدستور. أما نظام المواريث فنتائجه بادية للعيان من خلال دوره الأساسي في تكريس الفقر وسط النساء وفي هزال نسبة ولوجهن إلى الملكية.
 
وبناء على مستخلصات التجربة، ندعو في اتحاد العمل النسائي الى اعتماد المساواة بين الجنسين مبدأ ناظما ومؤطرا لفلسفتها ولكل مقتضياتها، والقطع مع التذبذب والازدواجية والتناقض في موادها، وإلغاء الاستثناءات وأنصاف الحلول والثغرات السانحة بالالتفاف على القانون، وتقليص اللجوء الى السلطة التقديرية للقضاء باعتماد مواد دقيقة ومحكمة. وفوق كل ذلك استحضار ما سيترتب عنها من آثار في المعيش اليومي وفي صون كرامة وحقوق النساء وأطفالهن درءا للمآسي الإنسانية التي أفرزتها التجربة.
 
وهذا يقتضي ترجمة أحكام ومبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية على مستوى كل مواد قانون الأسرة بما يضمن المساواة بين الرجل والمرأة عند الزواج وأثناء قيامـــه وبعد انحلاله مما يتطلب أساسا ما يلي:
 
- اعتماد لغة قانونية حديثة غير تمييزية ومصطلحات لا تشيئ المرأة أو تخلق ترابية في العلاقة بينها وبين زوجها أو تحصر دورها داخل الأسرة في البناء والاستمتاع ... ضدا على أدوارها الأساسية في التربية والتنشئة والمساهمة في استقرار الأسرة المادي والمعنوي.
- تعريف الزواج كمؤسسة اجتماعية تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات بين طرفي العلاقة والشراكة الفعلية في تدبير كل شؤون الأسرة ومصالح الأطفال وحقوقهم بما فيها المالية وذلك سواء أثناء الحياة الزوجية أو بعد انحلالها.
 
- اعتماد المساواة في أهلية الزواج بين الفتى والفتاة والمحدد في 18 سنة لهما معا كقاعدة عامة تماشيا مع المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل، وكذلك مع مقتضيات الفصل 32 من الدستور الذي يعتبر الدولة مسؤولة عن توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية ... وإلغاء كل الاستثناءات التي تفرغ هده القاعدة من جدواها وتسمح بزواج الطفلات والأطفال، مع تجريم تزويج الطفلات والأطفال وكل صور الالتفاف على القاعدة العامة المذكورة، نظرا لما يترتب عن تزويج الطفلات من حرمانهن من التمتع بحقوقهن كاملة، فضلا عن المخاطر المدمرة لصحتهن الجنسية والنفسية والجسدية، ناهيك عن مساهمته في استدامة الفقر والأمية في صفوف النساء وحرمانهن من المساهمة في التنمية والاستفادة من نتائجها.
 
وحيث إن سنة 2021 سجلت تصاعدا لعدد طلبات الإذن بزواج القاصر حيث بلغت حوالي 28714 طلبا تمت الاستجابة لما مجموعه 18399 طلبا، كما أثبتت الدراسة التي أنجزتها رئاسة النيابة حول زواج القاصر ارتفاع الأحكام الصادرة بثبوت الزوجية خلال الفترة التي شملتها الدراسة، حيث سجل ما مجموعه 13018 حكما بثبوت الزوجة أحد طرفيه أو كلاهما قاصر، كما أبانت هذه الدراسة عن نسب العنف بمختلف أشكاله الذي تتعرض له الطفلات المتزوجات سواء من طرف الزوج (46،69 في المائة) أو من طرف أهله (49،02 في المائة).
 
ونظرا لكل هذه الاعتبارات ولما يكملها ووفاء بأدوار الدولة في حماية الطفولة المنصوص عليها دستوريا، ووفاء بالتزاماتها الدولية بهذا الخصوص فانه أصبح من اللازم منع تزويج الطفلات والأطفال مع اتخاد كل التدابير اللازمة للتحسيس بخطورته والحد من الفوارق المجالية بتأهيل المناطق القروية وفك العزلة عنها...
 
- اعتماد سن الأهلية للزواج المحدد في 18 سنة للمخطوبين كذلك درءا لكل تأويل لمقتضيات المادة 156.
 
- إلغاء تعدد الزوجات لكونه يتعارض مع مبدأي المساواة وعدم التمييز اللذين يكفلهما الدستور والاتفاقيات الدولية، ولما يشكله من مس بكرامة النساء وتقويض لاستقرار وتماسك الأسرة ولما ينتج عنه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية على النساء وأطفالهن.
 
- توحيد مسطرة انحلال الزوجية بالنسبة للطرفين معا والاقتصار على مسطرة الطلاق الاتفاقي ومسطرة التطليق (وتكون أسباب اللجوء الى هذه المسطرة إما استحكام النزاع بين الزوجين أو الضرر أو الغيبة)، خاصة أن الأزواج نساء ورجالا يفضلون اللجوء لهاتين المسطرتين على حساب باقي المساطر لسهولة إجراءاتها وحق الزوجين معا في اللجوء إليها"، كما جاء في الدراسة التي أنجزتها وزارة العدل حول "القضاء الأسري الواقع والآفاق عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة". كما أن إحصائيات سنة 2020 أثبتت استحواذ هاتين المسطرتين على باقي أنواع الطلاق والتطليق، حيث يتصدرها التطليق للشقاق متبوعا بالطلاق الاتفاقي، وقد بلغت قضايا التطليق للشقاق مثلا على مستوى المحكمة الاجتماعية بالبيضاء نسبة 97 في المائة ضمن قضايا انحلال الزوجية برسم سنة 2020.
 
وتبعا لذلك أصبح من الضروري إعادة النظر في مساطر انحلال الزوجية والاستغناء عن المساطر الغير مفعلة، مع تعزيز حق النساء في اللجوء الى انهاء العلاقة الزوجية حماية للحقوق المكتسبة في هذا المجال، وتجنبا لأي تضييق من شأنه أن يقيد حقهن في ذلك كما كان عليه الأمر قبل المدونة، مع الإبقاء طبعا على جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء لما يشكله من حماية لطرفي العلاقة ولمصالح وحقوق الأبناء.
 
- ضرورة تعزيز مؤسسة الصلح والوساطة لفض النزاعات الأسرية وتقوية أدوارهما مع ضمان التكوين والتكوين المستمر لتملك التقنيات اللازمة لذلك والاستعانة بالمتخصصين النفسانين والاجتماعيين لإعداد تقارير حول أسباب النزاع ووضعية الأطفال للاستعانة بها قضائيا.
 
- نظرا للإشكالات التي أثارها اقتسام الأموال المحصلة خلال فترة الزواج وخاصة عند الطلاق أو التطليق وتأثير ذلك على الحقوق الاقتصادية للنساء واستقرار الأبناء، فانه بات من الضروري تدخل المشرع بتنظيم تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين بدءا من المراحل الأولى للزواج وذلك باشتراط ابرام عقد لتحديد طريقة تدبير هذه الأموال بالموازاة مع عقد الزواج وجعله من ضمن الوثائق التي يجب ان يتضمنها ملف الزواج، والتنصيص صراحة على اعتبار العمل المنزلي وتربية الأطفال كمساهمة مادية للنساء في تنمية الأموال المنشأة خلال الزواج.
 
- اعتبارا لأدوار النساء داخل الأسرة التي تتجاوز الرعاية الى تحمل الأعباء المالية أو المساهمة فيها فانه أصبح من الضروري إعادة النظر في أسس فرض النفقة ومشتملاتها وكذا في ضمانات الوفاء بها نظرا لما يثيره موضوع النفقة من إشكالات حقيقية سواء أثناء قيام الزوجية وخاصة عند النزاع أو بعد الطلاق أو التطليق وآثار ذلك على مصلحة الأطفال.
 
فبالرغم من أن مدونة الأسرة ألغت مبدأ الطاعة مقابل الإنفاق فان تجلياته مازالت حاضرة في بعض المواد وخاصة عندما يتم ربط نفقة الزوجة (بالبناء أو الدعوة للبناء) المادة 194، مما يعطي الانطباع أنها -أي النفقة- كمقابل للاستمتاع، وليست شرطا لضمان العيش الكريم ورفاهية الأسرة، ونصادف في بعض الأحكام القضائية استمرارها في استعمال بعض المصطلحات التي تحيل على مفهوم الاحتباس كسبب لوجوب النفقة على الزوج ومن دلك مثلا: "مادامت الزوجة بحوزة زوجها، فإنها لا تستحق النفقة"، وفي قرار آخر لمحكمة النقض جاء فيه "ولما كان الطاعن لا ينكر أن المطلوبة مكثت ببيته مدة شهور وهو يعتبر مظنة للتمتع والبناء..."، وهي كلها مصطلحات تكرس دونية المرأة تماما كما هو مصطلح النشوز المادة 195 الذي أصبح الوسيلة الأسهل للتملص من كل الالتزامات المادية تجاه الزوجة عند رفضها الرجوع لبيت الزوجية، وكذلك طريقة لدفعها لطلب التطليق للتهرب من مستحقات الزوجة في حالة لجوء الزوج للطلاق.
 
وحيث إن كل هذه المصطلحات وغيرها التي تمتحي من الموروث الثقافي المكرس للتمييز والدونية أصبحت لا تتلاءم مع مركز المرأة داخل الأسرة ولا مع أدوارها داخل المجتمع.
 
- كذلك أصبح من الضروري إعادة النظر في مشتملات النفقة لتتوافق مع تطور احتياجات الأسرة التي تتجاوز الغداء والكسوة والعلاج، حيث ظهرت متطلبات أخرى أصبحت من أساسيات الحياة، فضلا على ضرورة واستعجالية وضع معايير دقيقة لاحتساب النفقة لضمان المساواة أمام القانون، خاصة وأننا كثيرا ما وقفنا على تضارب الأحكام في تحديد النفقة لأطراف في نفس الوضعية وداخل نفس المحكمة، فوضع معايير لاحتساب النفقة يحقق المساواة وعدم التمييز بين المتقاضين فضلا على أنه يعزز تقه المواطنات والمواطنين في القضاء، ويساهم في التقليص من السلطة التقديرية للقضاء في مجال تحديد النفقة وتوابعها.
 
- ولتجاوز إحدى أهم المعضلات التي تساهم في تهرب الملزمين بالنفقة ألا وهي إثبات الدخل، فانه أصبح لزاما إدلاء الزوجين بما يفيد دخلهما أو عملهما عند الزواج وتكون هذه الوثائق من ضمن وثائق ملف الزواج تحقيقا للشفافية والوضوح بين الزوجين منذ بداية علاقتهما.
 
- أما على مستوى وسائل وضمانات تنفيذ النفقة وأمام تزايد الإشكالات المرتبطة بالامتناع عن أدائها وتزايد أعداد الملفات غير المنفذة، وتعذر العثور على المنفذ عليه أحيانا أخرى وما يتسبب فيه ذلك من مس بحقوق الأطفال، الشيء الذي لم تحد منه مسطرة الاقتطاع من المنبع المنصوص عليها في المادة 191 من المدونة خاصة عندما يحال الزوج على التقاعد وتكون الام المطلقة ملزمة من جديد باللجوء للقضاء لاستصدار حكم في مواجهة صندوق التقاعد وما يستتبعه ذلك من إجراءات وطول المسطرة وضياع حقوق الأطفال، لذلك أصبح من الضروري وضع آليات لتسهيل تنفيذ أحكام النفقة وضمان استمراريتها، وتعزيز دور النيابة العامة في هذا الإطار، مع تسهيل وتبسيط مسطرة الاستفادة من صندوق التكافل العائلي ورفع مبلغ التسبيقات المالية المخصصة للمستفيدات وللمستفيدين منه، مع تنظيم حملات تحسيسية للتعريف بهذه الآلية...
 
- مظاهر التمييز بين النساء والرجال تظهر جليا كذلك على مستوى حضانة الأطفال، خاصة في المادة 175 من مدونة الاسرة التي تنص على سقوط حضانة الأم في حالة زواجها اذا كان المحضون يتجاوز السبع سنوات، حيث تنتقل الحضانة الى الأب الدي يليها في ترتيب مستحقي الحضانة طبقا للمادة 171، في حين ان زواج الأب المطلق لا يؤثر على حقه في الحضانة، مما يشكل اجحافا بالغا في حق الأم التي يفرض عليها الحرمان من حقها في الزواج مرة أخرى مقابل استمرار حضانتها، إضافة الى ما تتضمنه المادة 175 من تمييز واضح في حق المحضون الذي يعاني من إعاقة، لان المنطق الذكوري الدي يتحكم في مثل هذه النصوص لا يرضى للرجل تحمل مشاق الاعتناء بطفل يعاني من إعاقة ويعتبره حمل لا يليق إلا بالنساء.
 
وحيث إن إعمال مبدأ المساواة وعدم التمييز يقتضي احاطة موضوع الحضانة وسكن المحضون بالعناية والحماية اللازمتين ومراعاة المصلحة الفضلى للمحضونين، وضمان استقرارهم النفسي ونموهم الطبيعي وحقهم في السكن اللائق والحفاظ على نفس شروط العيش والدراسة التي كانوا عليها قبل انحلال الزوجية، مع تنظيم محكم للزيارة، والنأي بهم عن الخصومات بين أباءهم وتبعاتها.
 
- تمثل أحكام الولاية على الأبناء كذلك أحد أبرز أوجه التمييز في مدونة الأسرة، حيث يتم حصرها في الأب سواء أثناء قيام الزوجية أو بعد الطلاق. ولا تسقط عنه الا في حالة وفاته أو بتجريده منها بحكم قضائي. أما الأم فتحرم من الولاية على أبنائها إلا في حالة عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية أو بغير ذلك. وبذلك فإن المدونة تعتبر مسؤولية تربية الأبناء وتوجيههم وتدبير مصالحهم المالية والإدارية حكرا على الأب ولا تعترف للأم إلا بمهام الأكل والملبس والنظافة وما اليها، وهو تمييز صارخ يتعارض مع مبدأي المساواة وعدم التمييز اللذين نص عليهما الدستور والمواثيق الدولية التي التزم المغرب بإعمالها، بل يتناقض مع ما تنص عليه مواد أخرى في المدونة ذاتها، من تحمل مشترك لمسؤولية تسيير ورعاية شؤون الأطفال والتشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بها (المادة 51)، ومن تأكيد لمسؤولية الأبوين معا في ضمان حقوق الطفل الأساسية (المادة 54).
 
علاوة على ذلك، فان المدونة تضع نفسها خارج سياق الواقع الاجتماعي وتحولاته الجوهرية حيث تلعب النساء أدوارا رئيسية في تربية الاطفال وتوجيههم وتدبير مصالحهم الدراسية والصحية والادارية وغيرها، وذلك بمفردها في الكثير من الأحيان، بل ان هذه المقتضيات تتعدى في حالات النزاع أو الطلاق حدود الاجحاف في حق الأم، لتتحول الى وسيلة للابتزاز والانتقام من الأطفال أنفسهم وإلى المس الخطير بحقوقهم الأساسية، كحرمانهم من شهادة المغادرة لمواصلة تعليمهم في حالة الطرد من بيت الزوجية أو مغادرته على سبيل المثال. بل ان الام لا يمكنها السحب من حساب مالي فتحته بنفسها لابنها وزودته من مالها الخاص، فالأب هو الذي يحق له حصريا القيام بذلك وان كان قد قطع كل علاقاته بأبنائه.
 
- كما ان حق النسب كحق من الحقوق الأساسية للطفل مازال محكوما بنصوص تحصر أسباب النسب في الزوجية والإقرار والشبهة، ضدا على ما عرفه التطور العلمي في مجال البصمة الوراثية التي تعتبر نتائجها قطعية، مما يؤدي الى حرمان العديد من الأطفال المزدادين خارج اطار الزواج من حقهم في الانتساب الى آبائهم، مما يفرض إعادة النظر في النصوص المتعلقة بالبنوة والنسب والنص صراحة على اعتماد الخبرة الجينية كوسيلة لإثبات نسب الأبناء لآبائهم.
 
- يشكل عدم الحصول على الحق المتساوي في الإرث بين النساء والرجال أحد الأسباب الرئيسية لحرمان النساء من الوصول للثروة وخاصة الثروة العقارية، فحسب التقارير الرسمية فالنساء المالكات للعقار لا تتعدى نسبتهن 7 في المائة بالمدينة و1 بالمائة في القرية، وهو ما يبين أن النساء لا يحصلن لا على النصف ولا الثلث ولا الربع، الأمر الذي يتطلب مراجعة شاملة لمنظومة المواريث ليس فقط الكتاب السادس من مدونة الأسرة بل أيضا الجزء الخاص بتصفية التركة في المسطرة المدنية.
 
رغم ما يواجه به هذا الإصلاح دائما من معارضة وعنف من طرف القوى التقليدية بدعوى أن أحكام المواريث منصوص عليها في القرآن الكريم بآيات قطعية الثبوت والدلالة علما أن هناك أحاديثا رغم الاختلاف في مدى صحتها جاءت بما يتناقض مع الآيات القرآنية، مثل حديث الآحاد القائل "لا وصية لوارث"، في حين تقول الآية "عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ، فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ..." سورة البقرة 180- 181.
 
إضافة إلى ما سمي بالعول الذي استعمله الخليفة عمر بن الخطاب لحساب الفرائض عند تزاحم الورثة أصحاب الفروض بالانقاص من نصيبهم ليشملهم جميعا، وهناك أيضا مسألة "العمريين" المشهورة لدى الفقهاء، ذلك أنه اذا ماتت امرأة وتركت زوجا وأبا وأما فالزوج يأخذ النصف والأم الثلث والأب يأخذ أقل من الثلث لكن الخليفة عمر ابن الخطاب لم يمنح الأم الثلث من التركة كلها حسب ظاهر الآية القرآنية بل الثلث مما تبقى بعد أخذ الزوج النصف أي تلث النصف ويبقى للأب تلثي النصف ولا أحد احتج أو اعتبره خروجا عن ما ورد في الآية الكريمة، عكس ما يقع عندما يتعلق الأمر بتمكين المرأة من الحق المتساوي في الإرث حيث يواجه بالرفض المطلق علما أن أكثر من 70 في المائة من أحكام الإرث هي من صنع الفقه تم إضفاء القدسية عليها.
 
وتجدر الإشارة الى أن النساء كن مقصيات من أن يرثن في حق استغلال أراضي الجماعات السلالية، كما كن لا يستفدن عند التعويض عنها في حالة تفويتها ومع ذلك لم تتحرك أية جهة للمطالبة بتطبيق الشريعة وتمكينهن من حقوقهن ،و نفس الشيء بالنسبة لأراضي الكيش والأراضي المسترجعة بعد المغربة، بحيث لم تستفذ منها الا 2 في المائة من النساء وفوتت أغلبها تقريبا للرجال.
 
المكتب التنفيذي
10 فبراير 2022