الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

إدريس جنداري: يجب تحرير مؤسسة محمد عابد الجابري المختطفة من القومجية تجار فلسطين

 
إدريس جنداري
 
 
أن يختطف بعض المريدين الإيديولوجيين مؤسسة، كان الحري بها إحياء فكر محمد عابد الجابري وتحويله إلى قوة وطنية دافعة، فذلك ما لا يجب أن تصمت عنه القوى الوطنية الحية، ويجب فضحه وكشف الأجندة المتحكمة فيه والموجهة له.
 
الأستاذ الجابري كان أبعد عن الإيديولوجيا القومية وسرديتها حول قضايا الأمة، بينما كان أقرب إلى العروبة كتصور حضاري. وامتدادا لهذا الاتجاه المعرفي، فقد كان يتصور أن عروبة الغرب الإسلامي أنقى من عروبة الشرق التي اخترقها الفرس وأفسدوا خصوصيتها.
 
هذا ليس تصورا نظريا مجردا، بل هي بوصلة معرفية قادت الأستاذ الجابري، على مستوى الممارسة، وشكلت مواقفه السياسية. فقد رفض جوائز صدام والقذافي، مرارا، وفي كتابه "الخطاب العربي المعاصر" قام بتفكيك محكم للإيديولوجية القومية التي لم تتجاوز، في تصوره، كونها منتوجَ آليةِ "قياس الغائب على الشاهد"، وهي بذلك نزوع سلفي لا يختلف عن السلفية الدينية.
 
هؤلاء الذين يختطفون مؤسسة تحمل هوية محمد عابد الجابري، يوظفون التراث الجابري لخدمة سردية سياسية مناقضة، بنيةً وتكوينًا، لمنهجه الفكري، وخصوصا لما يختلط الحابل بالنابل وتتحول العروبة الإيديولوجية إلى سلعة في سوق النخاسة يتاجر بها ملالي الفرس لخدمة تصورهم الاستراتيجي، الذي يقوم على استراتيجية "الخليج الفارسي"!!!
 
أتشرفُ أنني كنت ممن حمل فكرة هذه المؤسسة، ورافقتُ مؤسسيها، وشاركتُ في ندوتها التأسيسية حول مفهوم الكتلة التاريخية في مشروع المرحوم أستاذنا المفكر محمد عابد الجابري.
 
لكن، لا يشرفني، اليوم، أن أكون جزءا من هذه المؤسسة، التي غدت غريبة عني وغدوت غريبا عنها، وخصوصا بعد اختطافها من طرف تاجر ارتبط اسمه بفلسطين، التي حوّلها من قضية إلى ماركة تجارية مسجلة باسمه الخاص.
 
يجب تحرير اسم أستاذنا المفكر محمد عابد الجابري من الاختطاف الإيديولوجي، فقد تحمّل، طوال حياته الفكرية، مسؤولية تحرير الثقافة العربية من قبضة السلفية الإيديولوجية، التي تقيس الغائب على الشاهد! وفتحها على الآفاق المفتوحة المؤسسة معرفيا.
 
تاجروا بماركة فلسطين مع الملالي، فأنتم أهل السوق وأدرى بقانوني العرض والطلب، لكن لا توظفوا اسما معرفيا أصيلا في حملاتكم الإشهارية.. فلسطين كانت، وستظل، قضية، ومحمد عابد الجابري كان، وسيظل، صاحب المطرقة المعرفية التي كسّرت صخور الإيديولوجيا الصماء البكماء...