الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

وجهة نظر اتحادية.. المداخل الرئيسية لتنزيل وثيقة الالتزام السياسي والوضوح الفكري

 
توصل موقع "الغد 24" بهذه الوثيقة، وهي وجهة نظر فاعل حزبي اتحادي، ساهم بها في النقاش الجاري داخل قواعد وأطر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية... وارتأت جريدة "الغد 24" نشرها بعدما تبيّن لها أن وجهة النظر هذه تحترم، في مبناها ومعناها، قواعد الحوار الديمقراطي، بعيدا عن أي مسّ مجاني بالأشخاص أو الهياكل... ومن هذه الزاوية، تفتح جريدة "الغد 24" أبوابها لكل نقاش مسؤول مبني على قواعد الحوار الديمقراطي واحترام الرأي المخالف...
♦♦♦♦
 
عبد الله المليحي
 
إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وانطلاقا من مساره النضالي على كافة المستويات الجماهيرية والمؤسساتية في مجال التأطير والتدبير، يحتاج منا كفاعلين حزبيين أن نطرح، وبشكل واضح، هل الاتحاد يعيش أزمة تنظيمية أم فكرية أم بنيوية أم شيئا اخر؟
الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال يطرح عمق الأزمة وتعقّدها على جميع المستويات.
 
ولإيجاد جواب مقنع حول أزمة الاتحاد وتراجع دوره داخل المجتمع، لا يعفينا من أن نسلّم بكون التحولات الكونية والمذهبية والمجتمعية، التي عرفها العالم، منذ انهيار جدار برلين سنة 1989، ساهمت، إلى حد ما، في إتاحة الفرصة لمختلف التنظيمات ذات المرجعية الاشتراكية إلى إعادة تجديد خطابها وصياغة مقاربات جديدة للوقوف ضد النيوليبرالية الجديدة، التي بدأت تتضح معالمها في الهجوم على التنظيمات الاجتماعية لإفساح المجال للرأسمال المتغوّل، دون أن نغفل الأنماط الاستهلاكية الجديدة والتعابير المجتمعية الوافدة، التي أدت إلى تهميش دور الأنماط الثقافية القديمة التقليدية: الأسرة والمدرسة. كما أن سنوات الجفاف وما واكبها من هجرات متعددة أدت إلى تفسخ البنيات المجتمعية وبروز سلوكات وممارسات جديدة لم يكن الخطاب الحزبي قادرا على استيعابها والتأقلم معها وتأطيرها وإنتاج خطاب مجتمعي يلبي حاجيات الأجيال الجديدة وفق منظور اقتصادي يعطي للاجتماعي دوره الأساسي في السياسات العمومية على المستوى الترابي والجهوي والوطني.
 
كما أن تفكك السياسي عن النقابي / الجمعوي والثقافي والحقوقي والطلابي والمجالي /، أسهم إلى حد كبير في تقلص دور المؤسسة الحزبية وتضخيم دور التمثيليات الفئوية، مما أضعف من قدرة الحزب على القيام بدوره الاجتماعي والتأطيري.
 
كما أن طابع التسيير والتدبير الرديء للمؤسسة الحزبية، خاصة في السنوات الأخيرة، وهيمنة الذات الشخصية والانفرادية في القرار، جعل منها مكملا ومفعولا به، بعدما كانت فاعلا أساسيا فكريا وسياسيا.
 
لذلك، واستنتاجا لما قلت، يظهر أن أزمة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هي أزمة بنيوية، أزمة لا يمكن حلها إلا بتغيير كل بنياته وهياكله عموديا وأفقيا.
 
لهذا، فإن صياغة مقاربة حزبية جديدة تتطلب:
 
ـ إعادة الاعتبار للمرجعية الاشتراكية على مستوى الإنتاج والممارسة في تبني برنامج اقتصادي يأخذ بعين الاعتبار الإنسان في عمقه الثقافي والترابي والتنموي،
 
ـ إنتاج خطاب سياسي يعيد الاعتبار لمرجعية الحزب الفكرية وتنزيلها على مستوى التنظيمات المحلية والوطنية والجهوية،
 
ـ صياغة برنامج سياسي يعتمد المصداقية والشفافية والموضوعية، يعيد للتنظيم الحزبي قوته التأطيرية والانفتاح على مستوى قضايا المجتمع والتنمية المحلية وجعل الإنسان في صلب البرامج الحزبية،
 
ـ إعادة الاعتبار للخصوصية الثقافية المحلية والسلوكات المجتمعية وجعلها أساس الخطاب الحزبي،
 
ـ القطع مع كل التنظيمات الحزبية، التي لا تراعي البعد الديمقراطي في انتخاب الفروع والكتابات الإقليمية والمجالس الوطنية، والتي يجب أن تنتخب على شكل فدرالي تُراعى فيه كل الخصوصيات المحلية،
 
ـ القطع مع كل أشكال الغموض الفكري في تبني المقاربات الليبرالية التي هي في العمق لا تخدم هوية الحزب ولن تسمح بفرز خطاب متميز.
 
تلكم كانت أرضيةً ومساهمةً متواضعةً أردت من خلالها فتح نقاش حولها بين الاتحاديات والاتحاديين، والإجابة كذلك عن الوضع الحالي لحزبنا، الذي أصبح وضعه لا يبشر بالخير.
 
الوضوح الفكري
 
لا يمكن للحزب أن يخرج من أزمته الفكرية دون الوقوف على مكامن قوته وأسباب تراجعه، فالفكر الحزبي هو نتيجة نقاش مجتمعي يكون فيه العنصر الهوياتي والثقافي حاضرا بشكل أساسي، كما أن استلهام الأفكار الجاهزة والمستوردة هي اسقاط تعسّفي على مجتمع له خصوصيته وتطوره التاريخي.
 
من هنا كان هامش تَحرُّك المؤسسة الحزبية مرتبطا أساسا بالمدن والحواضر. فكلما وقع تحوّلٌ على مستوى الحاجيات المجتمعية، كلما ظهر تأثير المؤسسة الحزبية محدودا، لأن الأدوات القائمة والأساليب الاستهلاكية الموجودة تهمّش دور التأطير الحزبي وتجعل من هذه المؤسسة الحزبية العريقة غير مجدية وغير مغرية.
 
فالفاعل الحزبي يتطلب منه أن تكون له قدرة استشرافية على استيعاب مختلف التحولات المجتمعية وجعلها في سياق صلب نقاشه اليومي وبرنامجه الحزبي على مستوى الجماعات الترابية والمؤسسات التشريعية، مع الاعتماد على أن الاشتراكية الديمقراطية في صلب بناء الدولة الوطنية الديمقراطية والتوزيع العادل للثروات، لبناء فكر حزبي فاعل ومؤثر.
 
كما أن إعادة تموقعنا في العالم القروي رهين بفهم بنياته ومكوناته وابتكار البرامج والحلول الاقتصادية والاجتماعية الناجعة لجعله يتأقلم مع محيطه السوسيو ثقافي والاجتماعي والتنموي.
 
إن تأهيل المجال الحزبي وتحيين أدواته وآلياته لا يتناقض جوهريا مع مضمون الفكر الاشتراكي الديمقراطي، الذي يجعل من تنمية الإنسان وتحسين أوضاعه الاجتماعية أحد مرتكزاته الأساسية.
 
المجال السياسي
 
إن إعادة الاعتبار للمؤسسة الحزبية ينبغي أن يُعاد فيه النقاش حول دورها السياسي وإنتاج خطاب يراعي حجمها ومضمونها الفكري. كما أن المؤسسات التمثيلية للحزب على المستوى الوطني والترابي يجب أن تستوعب الحاجيات المجتمعية، وأن تنتج بدائل موضوعية على مستوى الخطاب والممارسة والتأطير الحزبي الجاد والانفتاح على كل اشكال التعابير المجتمعية (النوادي والجمعيات الحقوقية والنقابية)، مما سيسهم في إعطاء البعد الديمقراطي في التمثيل في المؤسسات الترابية والوطنية، وفي أدوات وآليات البرنامج الحزبي، الشيء الذي سيقطع مع الذاتية والحلقية والفكر الأحادي وجعل من التشاركية أساس البرنامج الحزبي محليا وجهويا، وهذا لا يتناقض مع عمق الديمقراطية التمثيلية التي هي في جوهر الفكر الاتحادي.
 
إن هذا التمثل على مستوى البناء القاعدي الحزبي هو الذي سيسهم في تشكّل الخطاب السياسي وبلورة البرنامج الحزبي الوطني، الذي هو في العمق يعكس الحاجة إلى بناء خطاب تراتبي، يجعل القاعدة الحزبية هي الأساس في صياغة الخطاب السياسي.
 
هذا الخطاب السياسي يجب أن يكون صادقا ومقنعا وجذّابا دون لغة الخشب، قائمًا على أسس متينة وواضحة المعالم تعيد للمجتمع ثقته في العمل السياسي النبيل والملتزم.
 
لذلك أصبح من اللازم إدخال تعديلات جوهرية على وثيقة دستور 2011، التي هي من الأولويات لترسيخ فصل حقيقي للسلط، دون التداخل في ما بينها، أو تطاول سلطة على أخرى، القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة وفرض الجزاءات على مسؤولي السياسات العمومية، وكذلك استقلال قضائي فعال وناجع.
 
كذلك إدخال تعديلات مهمة وجوهرية للمجالات الترابية كمنح لرؤساء الجماعات المحلية سلطات أوسع وأكثر مما هو موجود حاليا، مقابل حذف أنظمة العمالات والأقاليم ومجالس المقاطعات، كل ذلك من أجل تنمية محلية تلائم المحيط الجغرافي، سواء في المجال القروي أو الحضري، وخلق فرص شغل حقيقية للسكان المحليين.
 
ليبقى الشيء الأساسي والجوهري هو توحيد الصف اليساري التقدمي لتكوين قطب قادر على الفعل السياسي على أرض الواقع متجاوزين الأنانيات والمحاسبة، كذلك توحيد العمل النقابي كواجهة من واجهات النضال الاجتماعي لمواجهة المد المحافظ والليبرالي المتوحش. وكذلك العمل على توحيد الصف الطلابي والتلاميذي الذي يعتبر النواة الأولى للعمل النضالي الحداثي الديمقراطي التقدمي.
 
___________________
كاتب فرع حسان الرباط
عضو الكتابة الإقليمية للرباط
عضو المجلس الوطني