كُلّمَا سكَر عُمر، بائع الفواكه المُتجول، يقف في الشَّارع أمام المقهى وهو يترنَّحُ، يبدو الغضب على وجهه الذي لَفَحَتْهُ الشَّمْسُ، يرفع قبضتَهُ إلى الأعْلى فتَبْرزُ يده النّحيلة من كُمّ قميصِه الفَضْفاض، يشيرُ إلى "أراضي" بعيدة تُحيطُ بالمدينة، ويصيحُ بصوت عالٍ تَعْتَعَهُ السُّكر:
ـ كلُّ هذه الأراضي كانت في مِلْكِ جِدِّي قبل أن تَسْلبَها مِنَّا إدارة الفوسفاط، إنَّهم يجْنون منها الملايير بينما أنا أتَضَوَّرُ جوعاً!
يَضُجُّ رواد المقهى بالضحك، يقتَرِحُ عليه أحدهم بصوت مرتفع:
ـ أقِمْ عَلَيهِمْ دَعوى يا عمر، سنَتَكَلَّفُ بالمصاريف.
يقْترِحُ آخر اسم المحامي الذي سيوُكِّلونه في القضية.
يُضيفُ أحدهم:
ـ إنه "محامي" كفؤ، لا شك سيربَحُ القضية.
وتَتوالى التعليقات:
ـ ستصبح مليارديراً يا عمر!
ـ لكن حذار أن تَنْسانا.
ـ والأدهى من هذا أن تَنْسى صديقَتَكَ العرْجاء.
ويبقى عمر يشتم ويُهَدّدُ، ويترنَّحُ يميناً وشمالاً، حتّى يهُدَّهُ التعب، فيجلس على أحد كراسي المقهى، ويضعُ رأسه على الطَّاولة، ويَغُطُّ في نوم عميق، ويعود...