كنت أجلس في المقهى مستغرقاً في القراءة، لم أشعر بالفتاة الصَّغيرة ابنة صديقي حسن التي وقفت إلى جانبي حتَّى خاطبتني:
ـ عَمّي، تْكْلْم لْمَامَا.
أحسست بأن جلستي قد أُفْسِدَتْ عَلَيَّ، وانتابني شعور بالغضب لم أفصح عنه، واصطنعت ابتسامة وسألت الصَّغيرة:
ـ فِينَاهي مَمَاكْ؟
ـ حْدَا القهوة.
لاشكّ أنَّ حسن قد فَعَلَ فعلة ما أثارت سخطَ زوجته، وأنا المسكين وكالعادة، ورغم أنه لا يكون لي دخل في الأمر، أجد نفسي مضطرا لسماع الحكاية الجديدة، التي سترويها الزوجة الغاضبة.
وجدتها تنتظرني في منعطف الشَّارع بجانب المقهى، تبادلنا التحية، وابتدرتني بالسؤال الذي تبتدرني به كل مرَّة:
ــ فْراسْكْ حسن آشْ دَارْ ثَاني؟
وأجبتها كما أجيبها في مثل هذه الحالات:
ــ والله مَا فْرَاسي والو!
وكالعادة لا تجيب مباشرة، وإنَّما تضع للحكاية مقدمة:
ــ عْقَلْتي نهار تْسْلْفْ ثمانين ألف بْلا ما تْكون في خْباري؟
ــ عْقالْتْ.
أو مْشَى طْبَعْ بها، أَشْنَهِيَ هذيكْ؟
ــ مجموعة قصصية.
ــ أَيّيهْ، قلنا ما كاين باسْ.
قاطعتها قائلا:
ــ أنا والله العظيم لقُلْتْ ليه بْلاشْ ما طْبَعها.
ــ كْذْبْ عْلِيَّ، قالي لي رَا غَتْرُدْ لي دُّوبل باشْ طْبَعْتها، فَرْقْ نُصْهَا فابورْ، والنُّصْ لاَخُرْ بَاقِي مْكَركَرْ عندنا.
صمتَتْ لحظة، ثم أضافت:
ــ وا سيدي رَا جاتْنِي لْخْبارْ تسلف هَاذْ المرَّة مْيةْ ألف أُو مْشَى ثاني يطبع كتاب آخر في آسفي.
انتابتني رغبة عارمة في الضحك لكنني وأدتها في مهدها، سألتني:
ــ فينْ كاين هاذْ المطبعة لِّي كَيمْشي ليها في آسفي؟
ــ ما غَتْعَرْفيهاشْ.
ــ غا قُولْ لِيَّ راني بنت آسفي.
ــ في لْبْلاتُو، سْمِيتْها: م.ب.ه.
بدأت تحاول أن تحفظ الاسم بترديده عدة مرَّات، ثم غادرتني بدون أن تودعني، وهي تجرُّ ابنتها، كانت تتوعد بصوت عال:
ــ هَانَا غَادَا دَابَا تَبْعاهْ لِآسفي في التَّاكسي، غَنْكَحْلْهَا مْعَاهْ، أو مْعَ دُوكْ لِّي دَايْرِينُو ضحْكة.