الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

ميزان الحق بالقانون.. بين ضرورات حماية حرية الانتماء ومتطلبات محاربة الترحال السياسي

 
محمد بوكرمان
 
- شكلت الطعون الانتخابية بمناسبة انتخابات الثامن من شتنبر 2021 المؤسسة على وسيلة تغيير الانتماء الحزبي ظاهرة ملفتة نظرا لعددها الضخم.
 
- في نفس الوقت الذي شكلت الأحكام الصادرة، في هذا الإطار، إلى حدود الان تضاربا كبيرا بين مختلف المحاكم الادارية بل حتى تضاربا في الأحكام الصادرة عن نفس المحكمة وعن نفس الهيئة القضائية.
 
- وسنحاول وبشكل تركيبي أن نعرض بعض العناصر المرتبطة بالإشكالات الواقعية من جهة، وبعض الإشكاليات المتعلقة بالتطبيق القضائي للنصوص ذات العلاقة من جهة أخرى، بالإضافة إلى القواعد والمبادئ الحاكمة الواجبة التطبيق من جهة أخيرة، لتجاوز تضارب الأحكام وضمان الحق في حرية الانتماء السياسي مع محاربة ظاهرة الترحال السياسي لتحقيق الأمن القضائي المأمول:
 
1- إن الحق في حرية الانتماء السياسي لا يجب المساس به تحت أي سبب أو مبرر، فإذا كان الشخص قد انخرط في الحزب بكل حرية ودون قيد يحد من هذا الحق الدستوري، فإنه يتمتع بنفس الحق في مغادرته متى شاء دون قيد يمس بحقه في حرية الاختيار والانتماء الحزبي.
 
2- هذا الحق المقدس في حرية الانتماء السياسي ضمنه دستور المملكة، كما أكد عليه القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، الذي، وإن أكد على عدم جواز الانخراط في أكثر من حزب سياسي واحد، فإنه لم يرتب عليه أي جزاء، فلا يمكن ترتيب بطلان العملية الانتخابية إلا بناء على نص صريح يرتب هذا الجزاء.
 
3- كما أن مقتضيات مدونة الانتخابات، التي تؤطر العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، من حيث إجراءاتها وشروطها، لا تشترط في المرشح الذي يريد التقدم للانتخابات سوى الإدلاء بتزكية الحزب الذي ينوي الترشح باسمه، ولا تشترط أي شرط إضافي بالنسبة للمرشحين الذين كان لهم انتماء حزبي سابق، ولم تخصص لهم أي إجراءات أو شروط خاصة.
 
4- إن ظاهرة الطعون الانتخابية المؤسسة على ترشح المرشح الفائز بحزب غير حزبه السابق ترتكز جميعها على المادتين 21 و22 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، ولمزيد من التوضيح بخصوص المادتين، فالأولى تنص على عدم جواز الانخراط في أكثر من حزب في آن واحد، والثانية تنص على إمكانية الانسحاب من الحزب في أي وقت، مع الإحالة، في هذا الإطار، إلى الأنظمة الأساسية للأحزاب التي تطرح إشكالات بخصوص مدى انسجام مقتضياتها مع الدستور والقانون التنظيمي، بحيث لا يجب أن تخرق الحق في حرية الانتماء السياسي.
 
5- والمشرّع لم يحدد آثار المادة 22 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية في إطار نفس المادة، بل أحال، في هذا الإطار، على المادة 20، التي أكد على ضرورة مراعاتها، هذه المادة التي تقصر آثار خرق المادة 22 في تغيير الانتماء الحزبي خلال الولاية الانتدابية، ويجرّد خلالها الشخص المعني من العضوية من البرلمان أو المجالس الجماعية أو الغرف المهنية حسب الحالة.
 
6- وهكذا فإن المشرّع كان دقيقا في تحديد الآثار المترتبة عن تغيير الانتماء الحزبي، وقصرها على فترة الولاية الانتدابية وليس عند نهايتها، بإحالته في إطار المادة 22 التي يحتج بها من طرف كل الطاعنين على المادة 22 الواضحة في تحديد الآثار والجزاء والفترة والنطاق.
 
7- لذلك، فإن المادة 22 من القانون التنظيمي 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية التي أسست عليها كل الطعون المتعلقة بتغيير الانتماء الحزبي، تحيل على المادة 20 من نفس القانون، التي تحدد الشروط والآثار والنطاق التي تسمح بتجريد العضو المنتخب من صفة العضوية، والمتمثلة أساسا في: "فترة الانتداب"، أما والحالة أن الولاية الانتدابية قد انتهت، فلا مجال لتطبيق المقتضيات المحتج بها من طرف كل الطاعنين.
 
8- وما يؤكد هذا الاتجاه أن نفس المفهوم اعتمدته المادة 51 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، التي حددت نطاق الجزاء المترتب عن تغيير الحزب وهو التجريد من العضوية خلال الولاية الانتدابية، حيث تنص على: "طبقا لأحكام المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، يُجرّد العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى، خلال مدة الانتداب، عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية بالمجلس".
 
9- إن مناط المقتضيات القانونية المحتج بها في جميع الطعون ذات العلاقة بتغيير الانتماء الحزبي، وهي المادة 20 وإحالاتها إلى المادة 22 من القانون التنظيمي 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، وكذا ما تؤكد عليه أيضا مقتضيات المادة 51 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، هو التجريد من صفة العضوية بالمجلس إذا تم التخلي عن الانتماء السياسي خلال مدة الانتداب، أما والحالة أن الولاية الانتدابية للمجلس الجماعي قد انتهت فلا مجال للاحتجاج بهذه المقتضيات.
 
10- إن الأحكام القضائية بخصوص آثار تغيير الانتماء الحزبي للمرشح جد متضاربة من محكمة إلى أخرى بل حتى داخل نفس المحكمة من غرفة إلى أخرى بل حتى داخل نفس الغرفة بنفس المحكمة من قضية إلى أخرى، وهو وإن كان يدخل في إطار سلطة القاضي في تطبيقه للقانون، إلا أنه يمس بالأمن القضائي المأمول كما يمس باستقرار الحياة المؤسسية للمجالس المنتخبة.
 
- وهو ما يستوجب توحيد الاجتهاد القضائي بهذا الخصوص في اتجاه ايجاد التوازن المطلوب والمؤسس على التطبيق السليم للقانون، بين ضمان حماية الحق في حرية الانتماء السياسي من جهة، ومن جهة أخرى، محاربة ظاهرة الترحال السياسي، بقصر آثار وجزاء تغيير الانتماء السياسي على حالة تغيير الحزب خلال "الولاية الانتدابية" فقط لا غير.
 
- وذلك تطبيقا للمادة 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية المحال عليها المادة 22، التي تحدد جزاء تغيير الحزب السياسي بالتجريد من المسؤولية، والتي تحصر نطاق تطبيق هذا الجزاء عند حصول هذا التغيير في الانتماء الحزبي خلال الولاية الانتدابية، وتطبيقا كذلك للمادة 51 من القانون التنظيمي للجماعات التي تحدد نفس الجزاء ونفس النطاق.
 
11- وفي هذا الإطار فان حق التجريد من العضوية الانتدابية من المجلس المنتخب وبنص القانون، مخول للحزب، إذا ما تم تغيير الانتماء الحزبي فقط خلال الولاية الانتدابية، اما والأمر يتعلق بتغيير الانتماء الحزبي بعد انتهاء الولاية الانتدابية للترشح في انتخابات جديدة، فلا حق لأي كان الطعن في فوز المرشح لانعدام الأساس القانوني لذلك.
 
12- وبالرجوع إلى القانون التنظيمي 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية في باب أهلية الترشيح وموانعه، لا نجد أي مانع من الترشيح يتعلق بتغيير الانتماء الحزبي، لأن الأمر يتعلق بداهة بانتخابات بعد نهاية الولاية الانتدابية، التي لم يرتب عليها المشرع أي جزاء، بعكس حالة تغيير الانتماء الحزبي خلال الولاية الانتدابية، التي أعطى خلالها الحق للحزب المعني طلب تجريد العضو من صفته الانتدابية بنص الفصل 20 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، الذي أصبح ينص، بعد تتميمه بموجب التعديل الأخير، على الجهة التي لها الحق في طلب التجريد وهي الحزب الذي نجح باسمه في الانتخابات وغادره وغيّر انتماءه لغيره خلال نفس الولاية الانتدابية.
 
13- وهكذا، فإن المشرع كان دقيقا وحكيما ومراعيا للمعايير الحقوقية في محاربته لظاهرة الترحال السياسي، بقصرها على الفترة الانتدابية لا غير، حيث رتب على ذلك جزاء التجريد بطلب من الحزب الذي ترشح المرشح ونجح باسمه وغيّر انتماءه خلال الولاية الانتدابية، أما تغيير الانتماء السياسي بعد نهاية الولاية الانتدابية فلم يرتب عليه المشرع أي جزاء، فبالأحرى أن يرتب عليه جزاء بطلان الانتخاب.
 
14- إن القوانين الانتخابية هي قوانين من النظام العام، يحدد من خلالها المشرع شروط الترشح وأهليته وموانعه، ويرتب الجزاءات بصريح القانون، خاصة في ما يتعلق بجزاء بطلان الانتخاب، الذي يجب أن ينص عليه المشرع صراحة كجزاء للخرق الذي يرى المشرع أنه يستوجبه، ولا إعمالَ لأي قياسٍ، في هذا الإطار عند غياب ترتيب الجزاء صراحة على نطاق مختلف، وهو هنا تغيير الانتماء الحزبي بعد نهاية الولاية الانتدابية وليس خلالها.
 
15- وجدلا في موضوع إشكالية الاستقالة من الحزب السياسي، التي تطرح إشكالات ذات طبيعة قانونية وتنظيمية وواقعية، فإننا نورد بعضها في ما يلي:
 
أ- المشرع لم يحدد آثار المادة 22 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية بخصوص تقديم الاستقالة من الحزب في إطار نفس المادة بل أحال في هذا الإطار على المادة 20 التي أكد على ضرورة مراعاتها.
 
ب- المادة 20 المحال عليها تقصر آثار خرق المادة 22 في تغيير الانتماء الحزبي خلال الولاية الانتدابية، ويُجرّد خلالها الشخص المعني من العضوية من المسؤولية الانتدابية بطلب من الحزب الذي نجح باسمه.
 
ج- إن الإحالة كذلك على الأنظمة الأساسية للأحزاب بخصوص الاستقالة يرتبط بعنصرين بديهيين، الأول أن هذه الأنظمة لا يجب أن تتضمن قيود تمس بالحق في حرية الانتماء السياسي، وثانيهما أن ترتيب الجزاء مرتبط فقط بحالة تغيير الانتماء الحزبي خلال الولاية الانتدابية فقط لا غير، وهو تجريد المعني من المسؤولية الانتدابية بطلب من الحزب الذي ترشح باسمه وغير انتمائه لحزب اخر خلال الولاية الانتدابية بصريح القانون.
 
د- إن جميع القوانين ذات العلاقة لم ترتب إلا جزاءً واحدًا عن حالة تغيير الانتماء الحزبي، وهو جزاء التجريد من المسؤولية الانتدابية المخول للحزب الذي ترشح وفاز باسمه المرشح وربطت ذلك بحالة تغيير هذا الانتماء خلال الولاية الانتدابية.
 
ه- ورغم ذلك نجد بعض التوجهات القضائية تذهب إلى الحكم ببطلان الانتخاب ولو في حالة تغيير الانتماء الحزبي بعد نهاية الولاية الانتدابية دون أساس من صريح القانون، في المقابل انتصرت توجهات قضائية أخرى لحرية الانتماء الحزبي، وقصرت الجزاء على الحالة المنصوص عليها بصريح القانون وهي حالة التجريد إذا تم تغيير الانتماء أثناء الولاية الانتدابية للمجلس فقط لا غير.
 
و- بل إن هذا التوجه القضائي الذي ذهب إلى الغاء الانتخاب بناء على تغيير الانتماء حتى بعد نهاية الولاية الانتدابية بدون أساس من القانون، لا يأخذ بعين الاعتبار الإشكالات المطروحة على أكثر من مستوى والمرتبطة بالواقع والقانون، وليس أقلها ما يلي:
 
- إن هذا الاتجاه يذهب إلى تطبيق الأنظمة الأساسية للأحزاب السياسية المتعلقة بشروط الاستقالة والتي تصل إلى حد فرض شرط قبولها من الجهة الحزبية.
 
- إن تضمين الأنظمة الحزبية لشرط قبول الاستقالة لنفاذها يُحوّل الحزب إلى ثكنة عسكرية وليس إلى فضاء للتأطير السياسي، ويخرق وبشكل سافر حرية الانتماء الحزبي والسياسي التي تعني حرية الدخول والخروج من الحزب دون قيد يخرق الحق في حرية الاختيار والانتماء السياسي.
 
- إن هذا التمثل الذي ينتصر لبعض الأنظمة الأساسية لبعض الأحزاب، التي تخرق الحقوق الدستورية والتشريعية، يُحوّل علاقة الحزب بالمنخرط من علاقة للتأطير السياسي إلى علاقة إدارية نظامية في إطار سلك الوظيفة العمومية.
 
- وحتى مسألة تقديم الاستقالة من الحزب تطرح إشكالات واقعية يعرفها الخاص والعام، وهي مرتبطة بالأساس بكون أغلب الأحزاب السياسية لا تفتح مقرات لها إلا بمناسبة الحملة الانتخابية، وهو ما طرح إشكالات لدى الأعضاء في تبليغ استقالاتهم للجهة الحزبية المعنية، حيث تم إرسالها بالبريد المضمون من طرف أغلب المنخرطين، دون أن يرجع لهم الإشعار بالاستيلام أو يرجع لهم متضمنا ملاحظات من قبيل المقر مغلق أو العنوان ناقص أو غير موجود أو غير مطلوب.
 
- فكيف سيستطيع العضو تبليغ استقالته للجهة الحزبية المعنية في ظل هذا الواقع الذي تعرفه أغلب أحزابنا والذي يعرفه الجميع؟
 
- وكيف يمكن تحميل المسؤولية للمرشح الذي ثبت إرساله للاستقالة لحزبه السابق ورجعت له بملاحظة من هذه الملاحظات، في ظل وضع خارج عن إرادته، وترتيب جزاء إلغاء انتخابه لعدم الإدلاء بما يفيد تبليغ استقالته للجهة الحزبية المعنية؟
 
- كما أن هناك بعض الأنظمة الأساسية لبعض الأحزاب الغريبة والشاذة التي تشترط أجالا لتقديم الاستقالة وقبولها، وتم اعتمادها واستلهامها في بعض الأحكام القضائية وتم إلغاء الانتخاب لعدم تقديم الاستقالة وفقا لتلك الشروط، دون أساس من القانون، ودون اعتبار للحالات المطروحة.
 
- وكيف يمكن لمسؤول في مجلس جماعي أن يقدم استقالته طبقا لهذه الشروط المرتبطة بآجال منصوص عليها في النظام الأساسي للحزب، وهو يتحمل مسؤولية انتدابية، بحيث إنه إذا قدّم هذه الاستقالة مراعاة لهذه الآجال سيصبح في حالة تنافي موجبة لتجريده من المسؤولية الانتدابية قبل نهايتها.
 
- وهكذا فالمسؤول المنتخب كرئيس المجلس الجماعي، يوجد والحالة هاته بين إكراه ضرورة عدم سقوطه في حالة التنافي الموجبة للتجريد، وبين رغبته في الترشح باسم حزب آخر في الانتخابات اللاحقة، وهو ما يؤدي حتما إلى ضرورة أن لا يقدم استقالته إلا عند نهاية الولاية الانتدابية، وربط النظام الأساسي للحزب تقديم الاستقالة بآجال واعتماد بعض الأحكام لهذا الاتجاه، يمس بالحق المقدس للمسؤولين المنتخبين بالمجالس الجماعية في حرية الانتماء السياسي عند نهاية ولايتهم الانتدابية.
 
- إن المانع من الترشيح، الذي تفحصه السلطة في هكذا موضوع متعلق بالانتماء الحزبي، محدد أساسا في ضرورة عدم تقديم الشخص لترشيحين باسم حزبين مختلفين في نفس الآن، وغير ذلك لا أساس له في القانون.
 
16- وقد كان التوجه القضائي المنتصر للقانون وللحق في حرية الانتماء السياسي، وفيا للشرعية القانونية وحاميا للمعايير الحقوقية المكفولة دستوريا وتشريعيا، في قصره للجزاء على تغيير الانتماء الحزبي الذي يكون خلال الولاية الانتدابية وهو جزاء التجريد من المسؤولية الانتخابية بناء على طلب من الحزب تطبيقا لصريح القانون المشار إليه أعلاه، دون أن يمدد هذا الجزاء إلى حالات تغيير الانتماء الحزبي عند نهاية الولاية الانتدابية لانعدام النص القانوني من جهة، ولتعارض ذلك مع ارادة المشرع الذي أسس لمحاربة الترحال السياسي خلال الولاية الانتدابية وليس بعد نهايتها من جهة ثانية.
 
- وفي ما يلي بعض القواعد والمبادئ المؤسسة لهكذا توجه سليم منسجم مع الشرعية القانونية والمعايير الحقوقية المكفولة دستوريا وتشريعيا:
 
17- ثبوت تقديم الاستقالة من حزب والترشح باسم حزب آخر لا يجعل المعني بالأمر في وضع المنخرط إراديا في أكثر من حزب في آن واحد، ولا تتحقق فيه بالتالي موانع الترشيح.
 
18- إن ربط نفاذ مفعول الاستقالة بأي شروط تعسفية، يجعل أي منتمي لأي حزب المعبر عن رغبته في الانسحاب منه، في وضع المكره على البقاء في تنظيم سياسي عبّر صراحة عن رفضه الاستمرار في الانتماء إليه، وهو ما من شأنه الاخلال بمبدأ حرية الانتماء السياسي المقرر دستوريا والمكرس تشريعيا.
 
19- الانتماء لحزبين في نفس الوقت لا يتحقق إلا إذا كان الانخراط فيهما إراديا، وذلك بأن ينتمي الشخص بإرادته الحرة إلى حزبين سياسيين مختلفين في آن واحد، وهو ما يستفاد من ظاهر المادة 21 من القانون رقم 11.29 المتعلق بالأحزاب السياسية، مما يؤكد أن واقعة انخراط الشخص في حزبين يجب أن تكون إرادية وليست مفروضة عليه أو خارج إرادته.
 
20- إن ثبوت تقديم الشخص للاستقالة من حزبه السابق، التي يعلن فيها صراحة انسحابه منه، وانخراطه في حزب آخر، وتقديم ترشحه باسمه فقط، لا يجعله في وضعية انخراط إرادي في حزبين، ولا يكون في وضع مخالف لمقتضيات المادة 21 من القانون السالف الذكر.
 
21- إن الدور الدستوري المنوط بالأحزاب السياسية يحدد طبيعة علاقة المنخرط بها، فهي ليست علاقة نظامية أو تعاقدية كتلك التي تربط الموظف بالإدارة والتي تراعى فيها مصالح معتبرة قانونا، بخلاف وضع العضو المنخرط في حزب سياسي والمحكوم بحرية الانتماء السياسي.
 
22- إن المشرع في قانون الأحزاب السياسية أكد على ضمان حرية ورغبة المنخرط في التخلي عن انتمائه السياسي بالانسحاب، وهو ما ينسجم مع فلسفته القائمة على حرية الاختيار ومبدأ حرية الانتماء السياسي، التي تعني أيضا حرية الانسحاب والخروج من الحزب في أي وقت دون قيد زمني.
 
23- إن ربط وتقييد الاستقالة بقيود تعيق وتخرق حرية الانتماء السياسي، يجعل المنتمي للحزب الراغب في الانسحاب منه، في وضع المكره على البقاء في تنظيم سياسي عبر صراحة عن رفضه الاستمرار في الانتماء إليه، وهو ما من شأنه الإخلال بمبدأ حرية الانتماء السياسي المقرر دستوريا والمكرس تشريعيا.
 
24- إن هذا التطبيق والتفسير للنص القانوني ينسجم مع روح التشريع وغايات المشرع، فمقتضيات الدستور أقرت حرية الانتماء السياسي وحق الترشح للانتخاب، وهو ما لا يمكن الحد منه إلا وفق القانون.
 
25- إن القانون التنظيمي للأحزاب السياسية خوّل للأشخاص حق الانخراط فيها أو الانسحاب منها بكل حرية، أما إحالة هذا القانون بشأن إجراءات الانسحاب من الأحزاب إلى مقتضيات النظام الأساسي للحزب، لا ينبغي أن تتجاوز بعض شكليات التعبير عن الإعلان عن الرغبة في الانسحاب من الحزب وتوجيهه إلى الجهة الحزبية المعنية.
 
26- إن أي تضمين للنظام الأساسي للحزب لقواعد موضوعية تحد من حرية الاختيار وحرية الانتماء السياسي، ومن ذلك تحديد الآثار المترتبة عن الاستقالة وتاريخ نفادها أو حتى شرط قبولها، تجعله يتجاوز مجال التنظيم الإجرائي المحال عليه قانونا، ووجب حينها تطبيق القواعد القانونية وفق ترتيب أولويتها.
 
27- إن تكريس حرية الانتماء للحزب والانسحاب منه في أي وقت كمبدأ دستوري يجعله واجب التطبيق بالأولوية على أي نص مخالف أدنى في التراتبية، فتكون بذلك مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية اسمى من النظام الأساسي للحزب وواجبة التطبيق عند تعارضهما.
 
28- إن ثبوت تقديم الاستقالة والقيام بإجراءات توجيهها للجهة الحزبية المعنية وثبوت توصلها بها، لا يجعل الشخص منخرطا في أكثر من حزب سياسي في آن واحد، ولا يكون ترشحه بذلك مخالفا للقانون ولاسيما المادتين 21 و22 من القانون التنظيمي للأحزاب السياسية.
 
29- إن قرارات المحكمة الدستورية وأغلب المحاكم الإدارية ومحكمة النقض تواترت على عدم تقييد الاستقالة من الحزب بأي قيد أو شرط، وسريان مفعولها بمجرد التعبير عنها وتوجيهها للجهة الحزبية المعنية، وهي الاجتهادات الأقرب إلى التأويل الصحيح لروح الدستور والقانون، ومسايرة تحقيق الأمن القضائي، والذي من موجباته تفادي تضارب الأحكام القضائية.
 
30- إن الواجب اعتباره، في هذا الإطار، هو أن المشرّع قد بيّن وأوضح موانع الترشيح ومن بينها تقديم الشخص لترشيحين باسم حزبين مختلفين، وفق ما نصت عليه المادة 8 من القانون المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الجماعية،
 
- لذلك فإنه اذا كان الشخص لم يتقدم بأكثر من ترشيح عن حزبين، بل بترشيح واحد عن الحزب الجديد، الذي قرر الانتماء إليه، والذي فاز باسمه في الانتخابات، فإنه لا يكون في وضعية مخالفة للنصوص القانونية المنظمة للانتخاب، وموانع الترشيح غير ثابتة في حقه، وما يثار بهذا الخصوص يبقى على غير أساس أيضا.