الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الرئيس الغيني ألفا كوندي كما ظهر في فيديو نشره الانقلابيون الذين أعلنوا القبض عليه

انقلاب غينيا.. الرئيس يُعتقل وغوتيريس يندد ومنتخب المغرب آمن ومراقبون يشيرون للجزائر

 
ندد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بـ"أي استيلاء على السلطة بقوة السلاح" في غينيا، ودعا إلى "الإفراج الفوري" عن الرئيس الغيني ألفا كوندي، عقب اعتقاله، اليوم الأحد 5 سبتمبر 2021، من قبل قوات من الجيش الغاني والإعلان عن تعطيل الدستور وحل المؤسسات وإغلاق الحدود، فيما مصادر تعلن عن أن المنتخب المغربي لكرة القدم آمن في العاصمة كوناكري، مع ورود مشاهد للحظات إجلاء البعثة خارج غينيا، وثّقها اللاعب مغربي، فيما مراقبون يتساءلون عن دور محتمل لجنرالات الجزائر في الانقلاب...
 
وقال قائد القوات الخاصة، اللفتانت كولونيل مامادي دومبويا، وبرفقته عدد من الانقلابيين الذين كانوا يرتدون بزات عسكرية ويحملون السلاح، في فيديو وجه إلى مراسل وكالة فرانس برس: "لقد قررنا، بعد القبض على الرئيس، الذي بات حالياً في أيدينا، حل الدستور الساري وحل المؤسسات، وقررنا أيضاً حل الحكومة وإغلاق الحدود البرية والجوية". وبعد أن ندد بـ"سوء الإدارة"، كرر هذا النداء على التلفزيون الوطني، قاطعاً البرامج الاعتيادية. وبثّ الانقلابيون فيديو للرئيس كوندي مقبوضاً عليه، فيما رفض ألفا كوندي الإجابة حين سئل إن كان قد تعرّض لسوء معاملة.
 
 
وسُمع صباحاً إطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة وسط عاصمة غينيا كوناكري، في منطقة كالوم، حيث مقر الرئاسة والمؤسسات والأعمال في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والتي تشهد أزمة اقتصادية وسياسية منذ أشهر.
 
من جهتها، قالت وزارة الدفاع، في بيان، إن "المتمردين (أثاروا) الرعب" في كوناكري قبل السيطرة على القصر الرئاسي. غير أن "الحرس الرئاسي مسنوداً بقوات الدفاع والأمن، و(القوات) الموالية والجمهورية، احتووا التهديد وصدوا مجموعة المعتدين".
 
ومنذ أشهر، تشهد هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والتي تعد بين الأفقر في العالم رغم مواردها المعدنية والمائية الكبرى، أزمة سياسية واقتصادية عميقة تفاقمت جراء كوفيد-19.
 
وتسبب ترشح كوندي لولاية ثالثة عام 2020 بتوتر استمر لأشهر وخلّف عشرات القتلى في بلد معتاد على المواجهات السياسية الدامية. وتم اعتقال عشرات المعارضين قبل وبعد الانتخابات. وبدأ كوندي (83 عاماً) ولايته الثالثة في ديسمبر 2020 رغم طعون من منافسه الرئيسي، سيلو دالين ديالو، وثلاثة مرشحين آخرين نددوا "بحشو صناديق" وتجاوزات من كل الأنواع.
 
ودفع كوندي في اتجاه اعتماد دستور جديد في مارس 2020، رغم الاحتجاجات، وقال إنه "يحدث المؤسسات ويعطي" مكانة أكبر للنساء والشباب. ونددت المعارضة آنذاك بـ"انقلاب" دستوري. وتم قمع حركة الاحتجاج بالقوة عدة مرات.
 
وأصبح كوندي، وهو معارض سابق تاريخياً، عام 2010، أول رئيس ينتخب ديمقراطياً في غينيا بعد عقود من أنظمة سلطوية. ويندد مدافعون عن حقوق الإنسان بنزعة سلطوية سجلت خلال رئاسته على مر السنوات، والتي أدت الى التشكيك في المكتسبات التي تحققت في بداية عهده.
 
من جهة أخرى، أفاد مسؤول مغربي، اليوم الأحد، أن منتخب بلاده لكرة القدم "آمن" في العاصمة الغينية كوناكري.
 
وقال محمد مقروف، من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لوكالة فرانس برس، إن أعضاء المنتخب الوطني الذي كان من المفترض أن يواجه غينيا، غدا الاثنين، في تصفيات أفريقيا المؤهلة لمونديال قطر 2022 "بأمان في فندق بعيدا عن التوترات"، مؤكدا أن الجامعة تعمل على إعادة الفريق، وأن "هناك طائرة بانتظاره في المطار".
 
وتداول المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو هو في الأصل فيديو صوره بالهاتف اللاعب المغربي سفيان أمرابط خلال إجلاء البعثة المغربية نحو مطار العاصمة كوناكري، حيث نقلتهم طائرة نحوب المغرب، الذي يفترض أن تحل بأرض الوطن خلال الساعات الأولى من صباح غد الاثنين.
 
 
بيد أن اللافت في الانقلاب أن عددا من المراقبين، أغلبهم من النشطاء الجزائريين المعارضين، لديهم شكوك في أن تكون لـ"العصابة" الحاكمة في الجزائر يد في الانقلاب، إذ لاحظوا أنه منذ التوقيع على الاتفاق الثلاثي بين أمريكا وإسرائيل والمغرب، والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على كامل ترابه الصحراوي، وجنرالات الجزائر أضحوا يتحركون برعونة، وبكثير من الجنون، إذ ركبهم السعار، وشرعوا في مضاعفة التحرّكات الداخلية والخارجية، من جهة لضرب الحراك الشعبي وتصفية المعارضين، ومن جهة أخرى لخلق مشاكل كبرى للمغرب وجرّه إلى مزيد من التوتير لتحقيق هدفين: الأول، تصدير مشاكل دولة الكابرانات والتغطية على الفشل البنيوي الذريع لنظام الجنرالات، والثاني استعادة الروح إلى ميليشيات البوليساريو، التي تأكد أنها، منذ عملية الكركارات، تعيش على إيقاع هزيمة نكراء وحالة يأس شاملة تهدد الأوضاع في المخيمات بالاشتعال...

وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن شكوكا قوية تحوم حول عصابة الجنرالات في قضية بيغاسوس، التي كشفت سقوطا مدوّيا لهرمين في الإعلام والحقوق، أولهما مدير صحيفة "لوموند" الفرنسية، جيروم فينوليو، الذي يحظى، لدى جيل مخضرم من الصحافيين المغاربة، بكثير من التقدير باعتباره أحد كبار الإعلاميين العالمين وأحد أبرز المدافعين عن حرية الرأي والتعبير، وثانيهما منظمة العفو الدولية "أمنستي"، التي كان لها صيت كبير في العالم، وكذا في المغرب، الذي ساهم كبار مناضليه في تعزيز هذا الصيت الحقوقي العالمي...

لا نتحدث هنا عن هيئات إعلامية، من قبيل مجموعة "فوربيدن ستوريز"، أو موقع "ميديا بارت"، أو إذاعة "راديو فرانس"، التي تتحوّل أحيانا إلى بوق مدفوع الثمن لجنرالات الجزائر، فهؤلاء لا يشكلون شيئا أمام الهرمين المذكورين الإعلامي والحقوقي، اللذين كانا يزعزعان العالم أحيانا، قبل أن يأتي عجزهما عن تقديم دليل مقنع للقضاء حول مزاعمهما ليكشف سقوطا مهنيا وأخلاقيا للمسؤولين الحاليين على الهرمين "لوموند" و"أمنستي" وأنهم لا يختلفون عن دول العالم الثالث، التي يتعاملون معها بغير قليل من التعالي "الحضاري"، في عرض ذممهم للبيع والشراء للقيام بحملة ممنهجة ضد المغرب، وضد مؤسساته، والتركيز بالخصوص على الملك والأمن المغربي...

ومن عجائب الصدف، أن الجزائر، التي كانت سببا في انفضاح انحراف "حضارة الغرب"، بكل تجلياتها ومؤسساتها الدستورية وسلطاتها الأساسية، وتعاملها الساقط مع قضايا العالم الثالث، والتي فضحت، هنا، الطبيعة الإمبريالية المستمكنة في الذهنية الغربية، والثاوية في العقليات، بما فيها تيارات اليسار وليس فقط القوى اليمينية واليمينية المتطرفة، في أوروبا عموما (الاتحاد الأوروبي)، وفي فرنسا بالخصوص، هي نفسها دولة الكابرانات التي كانت سببا وراء "حقيقة" الديمقراطية الإسبانية، ومستوى مؤسساتها الدستورية، إذ تكشف قضايا إدخال وإخراج زعيم عصابات البوليساريو المجرم إبراهيم غالي بهوية مزورة تحت اسم محمد بن بطوش، وتسليم الناشطيْن الجزائريين البارزين إبراهيم العلامي والدركي محمد عبد الله، والتهيؤ حاليا لتسليم الناشط الحراكي البارز محمد الحمّالي، الذي اعتقلته الأسبوع الماضي، بشكل مستهدف، رغم أنه تقدم إليهم، بصفة رسمية، بطلب اللجوء السياسي، تكشف هذه القضايا أن القضاء الإسباني لا يخرج عن "قضاء الهاتف"، الموجود في كثير من الدول المتخلفة، أو تأدبا ثالثية، إذ تؤكد هذه الحالات، بالصوت والصورة، أن القضاء خاضع للمخابرات...

ويزيد المراقبون في رصد وقائع اعتبروها إشارات قوية على إمكانية أن تكون لنظام الكابرات علاقة ما بما يجري في غينيا...

من هذه الوقائع، التي تستهدف المغرب، هناك أيضا مناصرة إسبانيا في قضية سبتة ومليلية المغربيتين، بما يجعل الجزائر الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي تساند الاستعماريين في مناطق مغربية محتلة.. هناك كذلك توالي الاتهامات بالعداء، إذ أضحت العصابة، منذ تسلم الجنرال السعيد شنقريحة السلطة، تستعمل تعبير "العدو التقليدي"، و"العدو الكلاسيكي"، فضلا عن اتهام المغرب بحرائق غابات تيزي وزو، وكذا بقتل وحرق الناشط الحراكي جمال بن إسماعيل، وصولا إلى قطع العلاقات مع إرسال سيل من الإشارات بلغة البيانات الحربية...

ويعتقد مراقبون أن عملية اعتقال الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، التي لم يُكشف عن حيثياتها الحقيقية، هي أنها كانت عملية استباقية لخطة مبرمجة من قبل ولد عبد العزيز، بتأييد من جنرالات الجزائر، للانقلاب على الرئيس الحالي، وللتموقف مع جنرالات الجزائر ضد المغرب في التعامل مع قضية الصحراء...

وبرأي مراقبين أن هذا المنحى "الدموي"، الذي كاد أن ينهجه في موريتانيا، هو نفسه الذي يحرّكه في اتجاه الدول المعروفة بتأييدها للمغرب في قضية الصحراء وداخل هياكل الاتحاد الإفريقي، خصوصا مع توالي الحديث عن إمكانية الانتقال إلى مرحلة أخرى من الصراع بين المغرب والجزائر، بالانحياز إلى الشرعية القانونية والدولية والإقليمية في هيكلة المؤسسة، التي توجد في وضع غير قانوني بوجود كيان مسلح معارض ضمن أعضاء الاتحاد، فيما العضوية للدول، وإلا فكل هيئة معارضة يصبح لها الحق في احتلال مواقع الدول...

ويمضي المراقبون في استعراض ملامح وخطوات خطة دولة الكابرانات، التي تجعل من الصراع مع المغرب، بمثابة صراع وجود، بما يفيد أنه توجّه استراتيجي في نظام حكم الجنرالات، وجاءت الظرفية مناسبة في غينيا، لاسترجاعها إلى معسكر دولة الكابرانات، باستثمار الغضب الشعبي من "الولاية الثالثة" للرئيس ألفا كوندي، الذي تحوّل من معارض تاريخي قبل انتخابه شرعيا وشعبيا رئيسا لغينيا كوناكري، لكن ولايتين من الحكم غيّرت كثيرا من السياسات، وتوالت على البلاد حكومات فاشلة، أغنت الأغنياء وزادت في تفقير الفقراء، وتغذّت قوى أخرى من الاحتجاجات، وهذه كلها علامات لتقفز عليها دولة الكابرانات، لتغيير دفتها نحو الجزائر في مواجهة المغرب...
 
هذه هي عقلية الجنرالات، عقلية الانقلابات، إذ إن وجودهم هم أصلا في الحكم هو أكبر الانقلابات على الشعب الجزائري، الذي بات له الحق في أن يرفع مطلب "الاستقلال" في صدارة شعارات الحراك، تأكيدا على أن الجزائر محتلة بالجنرالات، يستأثرون بقراراتها وبمصير شعبها وينهبون ترواث البلاد ويقتسمون جزءا ضخما منها مع قادة ميليشيات البوليساريو، ويتركون الشعب يعيش في الأزمات، وتفاقم المشاكل والمعضلات، من أزمة الأوكسيجين إلى أزمات الماء والكهرباء والحليب والأوكسيجين والسكر والشاي...، تمثيلا لا حصرا. مثل هؤلاء الجنرالات، لا يستنكفون عن شيء، وبالتالي، يجب أخذ الأمور بجدية لأنهم مستعدون لارتكاب حماقات من أجل أن يبقوا في السلطة، يستحكمون في رقاب الشعب، وفي خزائن الدولة، التي حوّلوها إلى ضيعات لهم ولزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم...
 
بيد أن مراقبين آخرين، يشاطرون الأولين جوهر الرأي، لكن يستبعدون أن ينجح الجنرالات، بعد توالي الهزائم والفشالات، في إيجاد موقع قدم في هذا البلد الأفريقي، مستدلّين على ذلك بالخلفية الفكرية العامة في شخصية قائد الانقلاب، باعتباره تدرّب في إسرائيل، وخدم في أفغانستان، وعمل في الفيلق الأجنبي الفرنسي، وهذا في حد ذاته، يرى هؤلاء المراقبين، عنصرا حاسما في إفشال أي محاولة جزائرية لاحتوائه وتوجيهه، وقد تكون العملية برمتها تدخّل يتساوق مع الرئيس، حتى لا تتجذر الاحتجاجات ضده وقد تفتح الباب لـ"الانقلاب على نظام الرئيس ألفا كوندي"، وبالتالي يأتي الانقلاب لتأمين الاستمرارية...