الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
نور الدين سعودي

نورالدين سعودي في ندوة قطب مركز المستقبل: النموذج الجديد وُضع دون محاسبة الحالي

 
تقرير: عمر الزيدي
 
بدعوة من قطب "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات الاستراتيجية والثقافية"، نظم "منتدى مغرب المستقبل-حركة قادمون وقادرون سابقا" محاضرة عن بعد للأستاذ نورالدين السعودي تحت عنوان: "التنمية حق وشأن كل مواطن"، يوم الخميس 8 يوليوز 2021...
افتتح اللقاء الأستاذ المصطفى المريزق، الرئيس والناطق الرسمي لمنتدى مغرب المستقبل، وبعد الترحيب بالأستاذ السعودي استعرض مختلف المحطات النضالية لحركة قادمون وقادرون – مغرب المستقبل منذ التأسيس بإفران سنة 2017 إلى محطة منتدى مغرب المستقبل. وفي هذا السياق ذكر بالعمل الذي أنجزه خبراء وخبيرات المنتدى المتمثل في المذكرة التي أنجزت حول "النموذج التنموي"، والتي تم عرضها في ندوة صحفية بالرباط، وتم تقديمها للجنة المكلفة بإنجاز تقرير حول "النموذج التنموي الجديد" برئاسة السيد شكيب بنموسى.
وفي هذا الإطار أشار الأستاذ المريزق إلى أن الهدف الرئيسي للنموذج المغربي الذي اقترحناه يكمن في مناهضة التفاوتات المختلفة الاجتماعية منه اوالمجالية وتفاوتات النوع الاجتماعي. هذا النموذج التنموي له إطار عام وله ستة مرتكزات، تتمثل في:
المرتكز الأول: توجيه النموذج التنموي نحو تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
المرتكز الثاني: النموذج التنموي ورفع التحديات الإيكولوجية ومتطلبات التنمية المستدامة.
المرتكز الثالث: النموذج التنموي وإعمال حقوق الإنسان.
المرتكز الرابع: النموذج التنموي والنهوض بحقوق المرأة بالمغرب: مدخل أساسي من أجل التغيير.
المرتكز الخامس: النموذج التنموي والحفاظ على الهوية الثقافية..
المرتكز السادس: النموذج التنموي والمسألة الأمازيغية.
بعد ذلك، وجّه الأستاذ المريزق الشكر للأستاذ عمر الزيدي على هذه البادرة في استدعاء الصديق نورالدين السعودي لهذه المحاضرة، وسلمه الكلمة بالمناسبة.
من جهته، رحّب الأستاذ الزيدي بالأستاذ نورالدين السعودي، وقدمه للمشاركين في هذه الندوة عن بعد، بحيث نوه بكتابه الأخير إلى جانب الصديق الأستاذ الباحث في الاقتصاد عبد العالي بنشقرون. كتاب، صدر في يناير 2020 بالفرنسية والعربية تحت عنوان "مسار آخر للمغرب".
وأضاف الأستاذ الزيدي أن هذا ليس أول كتاب للأخ الاستاذ نورالدين سعودي، بل له كتابات عدة في الاقتصاد، وله كذلك ترجمات لعل أولها سنة 1986، كتاب "المغرب: حصيلة الاستعمار"، صحبة الصديق الأستاذ عبد القادر الشاوي، وهو كتاب لألبير عياش. كل المهتمين بتاريخ المغرب يعرفون أهميته. 
استهل الأستاذ نورالدين السعودي محاضرته بشكر منتدى مغرب المستقبل على الدعوة، وأشار إلى أنه سيتعرض في محاضرته إلى ثلاثة عناصر أساسية:
1- الحق في التنمية في المعاهدات والإعلانات الدولية.
2- بعض مؤشرات الوضع في المغرب.
3- بعض الملاحظات على تقرير "مشروع النموذج التنموي الجديد".
 
أولا: الحق في التنمية في المعاهدات والإعلانات الدولية
تطرق المحاضر في بداية هذا المحور إلى بعض مواد "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" وخاصة منها المواد 3، 6، 12 و13. وأشار إلى أن هذا العهد يؤكد في:
المادة 3 "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد"؛
وفي المادة 6 "تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق"؛
وفي المادة 12 "تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه"؛
أما في الفقرة الأولى من المادة 13، فإن الدول الأطراف في هذا العهد "تقر بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الانماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهي متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية او الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم".
بالإضافة إلى "العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، هناك عدة مقتضيات في اتفاقيات ومعاهدات أخرى، من ضمنها "إعلان الحق في التنمية"، وهو الإعلان الذي اعتمدته الجمعية العامة بناء على قرار 4 دجنبر 1986.
ففي الفقرة الأولى من المادة الأولى لهذا الإعلان: "الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما".
وفي الفقرة الأولى من المادة الثانية، يشير "إعلان الحق في التنمية" للأمم المتحدة إلى أن "الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وينبغي أن يكون المشارك النشط في الحق في التنمية والمستفيد منه".
 
ثانيا: بعض مؤشرات الوضع في المغرب
بالنسبة لشروط التنمية في المغرب، أشار الأستاذ نور الدين سعودي أولا إلى أننا نأخذ بالمفهوم الشمولي الذي سبقت الإشارة إليه في المعاهدات والإعلانات الدولية، ثانيا يتميز الاقتصاد المغربي بكونه ضعيفا، يعتمد أساسا على الفلاحة المرتبطة في شروطها بالأحوال الجوية ونسبة الأمطار. بالإضافة لذلك، حسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن النشاط الاقتصادي للمغرب يبقى ضعيفا، إذ لا تتجاوز طاقته 46 في المائة في أحسن الحالات. ذلك لأن طاقاته البشرية معطلة، ففي 2018 لم تتجاوز نسبة نشاط المرأة 22،2 في المائة، في حين يبلغ نشاط الرجل 70،9 في المائة، أما البطالة فهي في تزايد مستمر حيث تبلغ 14 في المائة بالنسبة للنساء و8 في المائة بالنسبة للرجال.
تضاعف عدد الأميين بين 1960 و2004، حيث انتقل من 6 ملايين إلى 13 مليونا حسب تقرير الخمسينية، وهذا طبعا يشكل نتيجة طبيعية لتدهور وضعية التعليم. إذا كان تعميم التعليم عرف تقدما نسبيا خلال الألفية الثالثة، فإن تدهور المنظومة التعليمية يعد خطيرا. يعبر عنها بشكل جلي ومقلق الهدر المدرسي، حيث يتجاوز 300 ألف حسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2017، والنتيجة هي 66 في المائة من تلامذة الابتدائي هم في وضعية الأمية المستعادة، وأن 25 في المائة من الشباب لا يوجدون، لا في عمل ولا مدرسة ولا تكوين. من بينهم 80 في المائة نساء..
هذا التدهور ازداد عمقا بتشجيع التعليم الخاص الذي انتشر وتعدد في أغلب المدن، بالمقابل تم إغلاق أكثر من 200 مؤسسة تعليمية ما بين 2008 و2016 بدعوى نقص عدد التلاميذ. لم يجد رئيس الحكومة السابق حرجا في التصريح، سنة 2014، أن "الدولة تعمل على تشجيع ومساعدة من يستثمر في قطاعي التعليم والصحة".
تشكل وضعية البطالة شرخا اجتماعيا يزداد تفاقما وقلقا. نسبة البطالة انتقلت من 9،9 في المائة سنة 2016 إلى 10،2 في المائة سنة 2017. بالنسبة للشباب وصلت إلى 26،5 في المائة وتجاوزت 40 في المائة في الحواضر. لقد استمرت في الارتفاع منذ 2004 وتمثل أكثر من ضعف المتوسط العالمي الذي يتحدد في حوالي 13 في المائة.
يمثل عدد العاطلات والعاطلين حوالي 86 في المائة في الحواضر، ولا يتجاوزون سن 30 بالنسبة لـ64 في المائة منهم. 2/5 منهم حاصلون على شواهد عليا. يواجه المغرب إشكالية كبرى، تتمثل في هجرة الأدمغة، سنويا تهاجر المئات من الأطر (أطباء، مهندسون، دكاترة في تخصصات علمية مختلفة).
بالنسبة للصحة تكفي الإشارة إلى ضعف التجهيزات الطبية وتسجيل النقص الهيكلي لتوفير شروط الرعاية الصحية للمواطنين، بحيث هناك مؤسسة طبية لكل 12000 مواطن وفراش واحد لـ1000 من السكان.
ما زال موت الأطفال في ظروف الولادة مرتفعا بحيث يصل إلى 227 وفاة في كل 100 ألف ولادة، في حين لا يتجاوز ذلك 20 في البلدان المتقدمة.
مركزة الخدمات الطبية في الحواضر الكبرى من الأمور التي تعيق ولوج تلك المؤسسات أمام قاطني المدن الصغرى والمتوسطة وسكان البوادي، مما يعمّق التمييز المجالي. طبيب واحد لكل 1428 مواطنا مقابل 650 على الأقل حسب توصيات منظمة الصحة العالمية.
 يضاف إلى كل هذا، ومن ضمن أسبابه كذلك، سيادة الريع والمحسوبية وتدهور أوضاع حقوق الإنسان مما يضعف منسوب الثقة في المؤسسات التمثيلية والهيئات السياسية عند المواطنين والمواطنات...
 
 ثالثا: بعض الملاحظات على تقرير "مشروع نموذج التنمية الجديد"
الملاحظة العامة هو أن هذا النموذج يسجل نوعا من الاستمرارية للنموذج السائد منذ عدة عقود، وبالرغم من أن اللجنة التي أعدته تتكون من عدة أطر هامة، لا أدري إن كانت لها خطوط حمراء يصعب عليها تجاوزها، فهناك تساؤل أساسي يطرح نفسه، كيف يمكن الإقدام على صياغة "نموذج" أريد له أن يكون جديدا دون إخضاع النموذج الحالي للتقييم والمحاسبة؟ ماذا عن المخطط الأخضر؟ ومخططات السياحة، والصناعة وغيرها؟
لقد اكتفى المشروع بالإشارة إلى مسألة الحكامة والريع دون تعميق البحث والدراسة، وعبر عن طموح تحقيق 6 في المائة في نسبة النمو في أفق 2035 دون الحديث عن كيفية تمويل ذلك، مع العلم أنه أشار إلى تشجيع الاستثمار وإعفاءات ضريبية للشركات، وما دام الشغالون هم الذين يؤدون الضريبة لأنها تقتطع من المنبع، فإن الدولة ستلجأ إلى الاقتراض من جديد في وقت وصل الدين الخارجي إلى درجته القصوى.
 
بعد المناقشة
بعد هذا العرض القيم افتتح الأخ المصطفى المريزق باب النقاش الذي تعرض لعدة جوانب من قبيل دور المجتمع المدني والاقتصاد الاجتماعي التضامني ودور الأحزاب في تعاملها مع هذا النموذج، وماهية الديمقراطية أمام هذا النموذج. أسئلة أسهب الأستاذ السعودي في الإجابة عنها....
بعد ذلك أعلن المسير عن اختتام الندوة واعدا الأستاذ باستضافته لتوقيع كتابه حين تتوفر شروط التخلص من الجائحة.
من جهته، أعرب الاستاذ نورالدين السعودي عن ترحيبه بالدعوة واستعداده للاستجابة لدعوات منتدى مغرب المستقبل منوها بتجربته الفريدة والغنية في العمل.