مائة عام على التأسيس.. أسرار نجاح الحزب الشيوعي الصيني في تحقيق المنجزات وصنع المعجزات
الكاتب :
"الغد 24"
د.فايزة سعيد كاب
تأسس الحزب الشيوعي الصيني في شانغهاي في يوليوز عام 1921، وهو طليعة الطبقة العاملة الصينية من قوميات مختلفة، متخذا الماركسية-اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ دليلا مرشدا له. وقد قاد الحزب الشيوعي الشعب الصيني، بكل قومياته، النضال الثوري الطويل الأمد ضد الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية، الذي تكلل بالانتصار، وإعلان ماو تسي تونغ، بصفته زعيم المرحلة الأولى، والشخصية المحورية للجيل الأول من مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني، تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1 أكتوبر 1949.
بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب في تنفيذ سلس للتحويل الاشتراكي، وإنشاء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة تتفق مع الظروف الصينية. وبخطوات ثابتة، دخلت الاشتراكية ذات الخصائص الصينية العصر الجديد منذ المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني.
القاعة التي احتضنت المؤتمر الوطني الأول للحزب الشيوعي الصيني
تتمحور المهمة الأساسية للحزب الشيوعي الصيني في المرحلة الراهنة حول ضرورات توحيد الشعب الصيني بجميع قومياته للعمل الجاد وتحمل المشاق والاعتماد على الذات في تحقيق تدريجي للحلم الصيني، الذي هو اسم آخر لهدف الحزب الشيوعي الصيني. وذكر الزعيم ماو تسي تونغ في مؤتمر عقد في عام 1941: "يجب أن يتمتع جميع أفراد الشعب الصيني بحقوق الحرية والمشاركة السياسية وحماية الممتلكات، والتعبير عن الرأي، وتأمين احتياجاتهم من المأكل والملبس، والأعمال التي ينجزها، والكتب التي يطالعها، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وأن يحصل على ما يأمل فيه ويتطلع إليه"...
ويمكن لأي صينى يبلغ 18 سنة من عمره، من العمال والفلاحين وأفراد القوات المسلحة والمثقفين والثوريين الآخرين، ويقبل منهاج الحزب ودستوره، ويكون راغبا في الانضمام والعمل بنشاط في إحدى منظمات الحزب، وينفذ قرارات الحزب ويدفع اشتراكات العضوية بانتظام، أن يتقدم بطلب عضوية الحزب الشيوعي الصيني. وحتى يوم 5 يونيو هذا العام، وصل عدد أعضاء الحزب إلى 95.148 مليون عضو.
يحتفل الحزب الشيوعي الصيني يوم 1 يوليوز عام 2021 بالذكرى المائوية لتأسيسه، بعد قرن من الإنجازات التاريخية، كتب فصولاً تستحق الثناء والتقدير في تاريخ الصين الحديث.
التطور الاقتصادي السريع.. أعظم ثورة اقتصادية في تاريخ البشرية
شهد الاقتصاد الصيني انطلاقة سريعة تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، حيث استغرقت فترة إكمال عملية التصنيع بضعة عقود مقارنة بالدول الغربية المتقدمة التي دامت مئات السنين. وأنشأت الصين نظاماً اقتصاديا الأكثر شمولاً في العالم، ليصبح ثاني أكبر اقتصاد، وأكبر دولة تجارية في البضائع في العالم. وقفز الناتج المحلي الإجمالي للصين من عام 1952 إلى عام 2018، من 67.9 مليار يوان إلى 90.03 تريليون يوان، بزيادة فعلية قدرها 174 مرة، وزاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 119 يوانًا إلى 64600 يوان، بزيادة فعلية قدرها 70 ضعفًا.
الاستقرار الاجتماعي طويل الأمد.. صمود أمام اختبارات كبرى
صمد الحزب الشيوعي الصيني أمام اختبارات كبرى مثل مهام التنمية والإصلاح الشاقة والمعقدة والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وحافظ على استقرار طويل الأمد في الوضع السياسي والاجتماعي العام للصين. ولا تعتمد استدامة المجتمع على مقدار الثروة التي حققها المجتمع فحسب، وإنما على عدد الفقراء الذين تم انتشالهم من براثن الفقر أيضاً. وإن الاستقرار طويل الأمد للمجتمع الصيني مبني على أساس التطور السريع والتعزيز المستمر للعدالة والإنصاف. وقد اقترح دنغ شياو بينغ مهندس سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية في المرحلة الأولى من تنفيذ الإصلاح والانفتاح أن يصبح بعض الناس وبعض المناطق أغنياء أولاً، ليتوسع الثراء بعدها على الجميع، وتحقيق الازدهار المشترك في نهاية المطاف. وطالب شي جين بينغ بوضوح بأن لا يتخلّف أي فرد من الشعب الصيني عن ركب بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وطريق الرخاء المشترك. وفي الوقت الحاضر، تجاوزت فئة الدخل المتوسط في الصين 400 مليون، وتم انتشال ما يقرب من 800 مليون شخص من الفقر، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ التنمية البشرية.
التنمية السلمية.. ديمومة الاستقرار وثبات المسار
تخلت الصين الجديدة عن المسار الاستعماري القديم الذي سلكته القوى التقليدية واتبعت دائمًا سياسة خارجية سلمية مستقلة، ولم تقم الصين بإثارة حرب بشكل استباقي، ولا بغزو شبر واحد من الأرض في بلدان أخرى. ولا تسعى الصين للهيمنة، وتعارض بحزم وعزم الهيمنة وسياسة القوة، وسياسات الحرب والعدوان والتوسع، وتعارض أي دولة بأي شكل من الأشكال في فرض نظامها السياسي وأيديولوجياتها على دولة أخرى. وتصر الصين دائما على أخذ مسار جديد للتبادلات بين الدول حيث لا يكون الحوار تصادميًا، والشراكة وعدم الانحياز، والتعاون الودي مع الدول الأخرى على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وأن تكون جميع الدول متساوية كبيرة كانت أم صغيرة، غنية أم فقيرة، قوية أم ضعيفة، وأن تحترم حق شعوب جميع البلدان في اختيار طريق التنمية بشكل مستقل، والاعتماد على الذات، وتعارض التنمر على الضعفاء. وإن الالتزام بطريق السلام والتنمية والتعاون أمر تقرره الطبيعة الاشتراكية للصين ومهمتها الأساسية لبناء المجتمع الميسور على نحو شامل.
وخلال المائة عام كاملة، التزم الحزب الشيوعي الصيني بمهمة من الشعب إلى الشعب، وأن كل شيء للشعب، وكل شيء يعتمد على الشعب، من أجل سعادة الشعب وإحياء شباب الأمة الصينية، قال ماوتسي تونغ: "إن النقطة التي ننطلق منها في جميع أعمالنا هي خدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، وعدم فصل أنفسنا عن الجماهير لحظة واحدة، وتوخي مصلحة الشعب في كل عمل نقوم به لا مصلحة فرد أو زمرة من الناس، والوحدة أمانتنا للشعب وأمانتنا لهيئات الحزب القيادية".
إن وضع مصلحة الشعب في المقام الأول أحد أسرار نجاح الحزب الشيوعي الصيني وقدرته على تحقيق المنجزات وصنع المعجزات.
أولاً، ممثل المصالح العامة للشعب من جميع القوميات والانتماءات
تمثل الكثير من الأحزاب السياسية في العديد من بلدان ذات النظام المتعدد الأحزاب مصالح مجموعات معينة، وتركز بشكل أساسي على الفوز بالأصوات والاستلاء على سلطة، قد يصل احيانا الى نشوب صراعات تؤثر على المسيرة التنموية، ومشاكل خطيرة مثل التفاوت بين الأغنياء والفقراء. وتواجه الصين أيضًا مقاومة في حل العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، لكن الحزب الشيوعي الصيني يتخذ قرارات حاسمة وينفذها بقوة انطلاقًا من المصالح الشاملة وطويلة الأمد لمعظم الشعب الصيني. والحزب الشيوعي الصيني ليس نظامًا متعدد الأحزاب أو نظامًا ثنائي الحزب، ولا نظام الحزب الواحد، وإنما نظام حزبي جديد، وهو نظام التعاون المتعدد الأحزاب والمشاورات السياسية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وهو أيضا أحد الأنظمة السياسية الأساسية للصين. وتتم عملية صنع القرار بصرامة وفعالية دون الوقوع في لعبة الحزب "المعارضة للمعارضة" والاحتكاكات الداخلية التي لا تنتهي. ولأكثر من 70 عامًا، قاد الحزب الشيوعي الصيني الشعب في جميع أنحاء البلاد إلى صياغة وتنفيذ 13 خطة أو خطة خمسية بنجاح، ويسعى جاهدا من أجل تحقيق نجاح “الخطة الخمسية" الرابعة عشرة.
ثانيًا، التشجيع على "صيننة" الماركسية
الحزب الشيوعي الصيني ليس موروثاً دوغماتياً، ولكنه يدمج مع واقع الصين، ويحول الماركسية إلى ملك للشعب الصيني، ويواصل كتابة فصول جديدة من الماركسية. وقد تمكنت الصين من تجربة وممارسة الاشتراكية دون التمسك بنموذج التنمية الذي ثبت أنه خاطئ في الممارسة، وبناء اشتراكية ذات الخصائص الصينية، واستبدال الاقتصاد المخطط التقليدي باقتصاد السوق الاشتراكي في إصلاح النظام الاقتصادي، والقدرة على المشاركة الكاملة في العولمة الاقتصادية في الانفتاح على العالم الخارجي مع التمسك بسياسة الاستقلال. ولا يختلف الحزب الشيوعي على الأحزاب البرجوازية في العالم فحسب، ولكنه يختلف عن الأحزاب الشيوعية في البلدان الأخرى في العالم أيضاً. وقد اعتبرت الأممية الشيوعية " الحصار الريفي للمدينة" و"السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية" فرضهما ماو تسي تونغ بـ "مخالف للشيوعية"، لكن ثبت لاحقاً أنه إنجاز مهم لإضفاء الطابع الصيني على الماركسية. وفي مواجهة الجدل حول ما إذا كان "رأس المال" أو " المجتمع" والارتباك حول العلاقة بين اقتصاد التخطيط واقتصاد السوق، اقترح دنغ شياو بينغ "التمثيلات الثلاث" مشيرا الى أن المزيد من الخطط أو المزيد من الأسواق لا يمثلان الاختلاف الأساسي بين الاشتراكية والرأسمالية، ما يعزز بقوة اقتصاد السوق الاشتراكي ذي الخصائص الصينية، ويدفع الاقتصاد السياسي الماركسي إلى آفاق جديدة. وفي العصر الجديد، طرح شي جين بينغ مفهوم التنمية الجديد المتمثل في "الابتكار والتنسيق والأخضر والانفتاح والمشاركة" لتعزيز التنمية عالية الجودة لاقتصاد الصين. كما اقترح التزام وتحسين النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية، وتعزيز تحديث نظام الحوكمة الوطنية وقدرات الحوكمة وغيرها لإثراء وتطوير الفلسفة الماركسية والاقتصاد السياسي ونظرية الاشتراكية العلمية.
ثالثًا، الإصرار على الثورة الذاتية والحفاظ على الحيوية الدائمة
يتميز الحزب الشيوعي الصيني بشجاعة الاعتراف بالأخطاء وتعديل المسار، والقدرة على تقبل واستيعاب النقد البناء، والرد بقوة على جميع الأكاذيب والهجمات التي لا أساس لها. وقال ماو تسي تونغ:" النقد من وراء الظهر بصورة لا تكلف المرء معها نفسه بتحمل المسؤولية عن نقده، عوضا عن تقديم مقترحات بصورة إيجابية إلى المنظمة. والسكوت أمام الناس، والغيبة وراء ظهورهم، أو الاعتصام بالصمت في الاجتماع، ثم الثرثرة بعده. وتجاهل مبدأ الحياة الجماعية، والاستخفاف بالنظام والانسياق مع المزاج الشخصي. هذا هو الشكل الثاني من الليبرالية." كما حقق الحزب الشيوعي الصيني نقطة تحول تاريخية من مؤتمر تسوني إلى إيجاد طريقة جديدة للديمقراطية ذات الخصائص الصينية، ومن الدورة الكاملة الثانية للجنة المركزية السابعة للحزب الشيوعي الصيني، حيث طلب ماو تسي تونغ من كل الحزب الحفاظ على صفاء الذهن والرصانة أمام النصر، لتحمل اختبار السلطة الحاكمة بعد تولي السلطة في جميع أنحاء البلاد، وضرورة بقاء الرفاق متواضعين وحذرين وغير متغطرسين وسريعي الانفعال، والتأكد من مواصلة الرفاق الحفاظ على أسلوب النضال الشاق، إلى الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الحادية عشرة، حيث تم التصحيح واستعادة النظام الطبيعي، وبدأ الإصلاح والانفتاح، ومن ثم القيام بالنضال ضد الفساد منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر. وترافق كل خطوة من خطوات نمو وتوسع الحزب الشيوعي الصيني ثورة ذاتية مع الحفاظ على الحيوية الدائمة. وتمكن الحزب الشيوعي الصيني الذي يقود نهج الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، من توسيع فضاء وآفاق العصرنة أمام الدول النامية، وطرح أمثلة عن الحكمة والحلول الصينية للمشاكل التي يواجهها العالم في ظل التغيرات والتحديات المتسارعة على مختلف الأصعدة ولا سيما السياسية والاقتصادية.