الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
سعد الدين العثماني وناصر بوريطة

بين المغرب وألمانيا - الرسالة وصلت.. وبين بوريطة والعثماني - العلاقات الدولية لا تُترك للبوجاديين

 
تحليل سياسي: جلال مدني
 
أثار قرار المغرب، أمس الاثنين فاتح مارس 2021، "تعليق كل علاقة اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية في الرباط ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها"، نقاشات مهمة، وبعض الجدل، وأخرج البيجيدي ذبابه من جحره، واستخرج معه خدمه وحشمه من حفنة المتياسرين المتعلقين بأهذاب الظلام لعله، يوما، يجود عليهم بما "سخّاه الله" من فتات عيني ومادي، فضلا عن الذباب الخارجي من قبيل الذبانة الأمريكية صنيعة ظلاميي الخوانجية المتمترسين في قطر، المدعو محمد الشرقاوي، وهو أحد المستأسدين بجنسية العم سام...
 
لنُعِدْ ترتيب الأحداث والمواقف واتجاهات الجدل، ولنبدأ بما هو أساسي:
 
أولا، الواضح أن الموقف المغربي كان محسوبا جدا، في حدوده وفي مداه، إنه رسالة وجهها إلى من يهمها الأمر، ومفادها أن المغرب أيام زمان، عندما كان يُطعَن في ظهره أو خاصرته، كان يلجأ أحيانا إلى المقعد الفارغ، وأحيانا إلى التباكي، وحينا يخلد إلى الصمت، حتى لا يخرج من "الحكمة"!
 
اليوم، هناك مغرب آخر، وأسلوب آخر، حين يتلقى الضربة، يعرف كيف يردها بـ"أحسن" منها، ويترك لـ"الضارب" الفرص مفتوحة لحساب الربح والخسارة، خصوصا إذا كانت الضربة ضربات وليس مجرد واحدة وخلال فترة زمنية محدودة لا تتعدى السنة:
 
الضربة الأولى جاءت بعد محادثات أطراف الحوار الليبي الليبي في المغرب، بإشراف مغربي، حيث جرى إحراز تقدم ملموس في اتجاه الوصول إلى حل للأزمة الليبية، إلى أن دخلت ألمانيا على الخط، وأشرفت على جلسة حوارية في برلين، تعمّدت أن تقصي منها المغرب، مقابل إحضار الجزائر، التي تربطها علاقات وطيدة مع جنرالاتها، الذين يحتج عليهم الشعب الجزائري طيلة سنتين، واستأنف حراكه حاليا وكله عزم على بناء دولة مدنية وإسقاط نظام العسكر، الذي يمارس التنكيل والتقتيل ضد الجزائريين، والذي يحظى بدعم قوي وكبير من الحكومة الألمانية...

هذا الإقصاء المدبّر يحمل إشارة "غير ودية" من قبل الدبلوماسية الألمانية للمؤسسات المغربية.
 
الضربة الثانية، جاءت مباشرة عقب الإعلان الأمريكي عن الاعتراف بسيادة المغرب على كامل ترابه الصحراوي، إذ قامت ألمانيا، التي تستضيف الرئيس الجزائري المريض لعلاج طويل الأمد تصرف فيه الدولة الجزائرية على عبد المجيد تبون وعائلته ومرافقيه وزواره نحو 100 ألف أورو يوميا، بالإعلان عن مواقف عدوانية ضد المغرب لا مبرر لها غير التواطؤ مع نظام الجنرالات في مزيد من استنزاف ثروات الشعب الجزائري، إذ قامت بالتشكيك العلني في شرعية قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وخاض سفيرها معركة في الأمم المتحدة لعقد جلسة مغلقة لبحث النزاع المفتعل في الصحراء، يوم 22 ديسمبر 2020، كما خاض رئيس ديبلوماسيتها معركة مماثلة داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة مساع من عدة دول لدفع الاتحاد الأوروبي إلى التفاعل مع الموقف الأمريكي والخروج بموقف مساند للسيادة المغربية على الصحراء.
 
الضربة الثالثة، تمثلت في موقف غير مبرر من الإرهابي محمد حاجب، باستثناء معاكسة المؤسسات الدستورية المغربية، فهذا الإرهابي، وهو أحد مجندي تنظيم القاعدة، عندما اعتقلته باكستان وكان في طريقه إلى طالبان، سنة 2010، أعادته إلى ألمانيا، التي يحمل جنسيتها، والتي بدورها أبعدته إلى المغرب، حيث جرى اعتقاله ومحاكمته وسجنه...
 
وفي سنة 2017، عقب إكمال محكوميته، 5 سنوات سجنا، زائد سنتين بسبب تمرد سجن سلا، عاد إلى ألمانيا، التي كانت أعدت ملفه لسحب الجنسية منه، وإبعاده من ألمانيا، غير أن الأمور لم تسر كما كان مخططا لها، إذ جرى صنع ملف بديل مكّنه من الحفاظ على جنسيته الألمانية، بل والتكفّل بمصاريف عيشه...
 
ثم شرع هذا الإرهابي في شن تهجمات ضارية واتهامات مجانية، ضد المغرب وضد مؤسساته الدستورية، بما فيها المؤسسة الملكية، وفي مبادرة عجيبة، وإن كانت غير غريبة، سيلتقي وينسّق مع المدعو شفيق العمراني، المعروف باسم "عروبي في الميريكان"، وهو مرتزق متخصص في شتم المغرب والمؤسسات المغربية، لتكثيف جهودهما في الهجوم على المغرب...
 
واللافت هو أنه في الآونة الأخيرة ظهرت فئة من المغاربة المحميين، الذين يستأسدون على مؤسسات المغرب بجنسياتهم الأجنبية، من قبيل المرتزق شفيق العمراني، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، ورفيقه في الارتزاق محمد حاجب، الإرهابي، الذي يحمل الجنسية الألمانية، ينشرون فيديوهات منتظمة يركبون على قضايا داخلية لاستعمالها في الشتم القذر، ضد مؤسسات البلاد، وهذا الإرهابي محمد حاجب هو أول من خرج بفيديو ينشر على الرأي العام الدولي مزاعم عن اختطاف رفيقه في الارتزاق العمراني، بمجرد ما حطت طائرته في المغرب، وخرج معه شرذمة من المرتزقة يلوكون مزاعم تعرضه للاختطاف...
 
اللافت أكثر هو كيف تحوّل إرهابي كانت ألمانيا تتهيّا لسحب الجنسية منه وطرده من ترابها، بحكم انتمائه إلى القاعدة وخضوعه لتدريبات في معسكراتها الإرهابية، إلى شخص محمي، يحظى بالرعاية، وتصرف له الدولة الألمانية من خزينتها كل مصاريف عيشه، دون أن يشتغل، إذ صار شغله الوحيد هو شتم المغرب، ونشر تضليلات فنّدها زملاؤه السابقون في السجن، من معتقلي الإرهاب، وأبرزهم بوشتى الشارف، وبالخصوص حسن الخطاب، الأمير السابق لجماعة أنصار المهدي، الذي كان معتقلا رفقته في سجن سلا 2 في الجناح "د"...
 
الضربة الرابعة، تتمثل في أعمال مشبوهة تقوم بها سفارة ألمانيا في المغرب، عبر مؤسسات تابعة، تستثمر التمويلات للقيام بعمليات تجسس داخل التراب المغربي...
 
في الرسالة، التي وجّهها وزير الخارجية، إلى رئيس الحكومة، وإلى باقي أعضاء الحكومة، دعا ناصر بوريطة إلى "وقف كل أنواع التعاون والاتصال مع السفارة الألمانية، وكذلك المنظمات والمؤسسات السياسية الألمانية التي لها علاقة بالسفارة".
 
وهنا، كان بإمكان المغرب أن يقوم بخطوة أكثر تصعيدية، ويكشف العلاقات المشبوهة، التي نسجتها المنظمات والمؤسسات الألمانية مع هيئات ومع أشخاص ذوي صلة بمرتزقة الانفصال، يتلبّسون بغطاءات مدنية وحقوقية، ويطرد السفير الألماني في الرباط، وينادي على سفيره في برلين... لكن المغرب لم يفعل...
 
ولأن المغرب يعرف جيدا ماذا يفعل، وليس مثلما ذهب "الذبانة" الظلامية محمد الشرقاوي إلى وصف الموقف بالمنفعل، فقد اختار قطيعة دبلوماسية من الدرجة الثانية، لأنه يريد أن يوجّه رسالة، وينتظر أن تقرأها ألمانيا جيدا، وإذا لم تفعل، آنذاك، ستأخذ القطيعة معاني أخرى، وتنتقل من درجة ثانية إلى درجة أولى، لا يستطيع، لبلادة المحميين الجدد، أن يفهمها المسترزق الظلامي محمد الشرقاوي...
 
ثانيا، الواضح، كذلك، أن الموقف المغربي كان محسوبا جدا، في حدوده وفي مداه، وفي لغته، وفي مسطرته، التي خرج الذباب ومجندو الظلام للتباكي على "لغة غير مقبولة"، وعلى "شكلية مرفوضة"، تجعل وزير الخارجية "يتعالى" على رئيس الحكومة، وعلى أعضائها، ويوجه إليهم "أمرا" لا يجب الخروج عنه إلا بإذن من الديبلوماسية المغربية...
 
بدءا، كل القرارات ذات الصلة بالسياسة الخارجية للبلاد هي صلاحية محفوظة للملك بحكم الدستور، يفوّض تصريفها لوزير الخارجية، الذي لا يمكن أن يقدم على خطوة أو اتخاذ قرار دون العودة إلى رئيس الدولة...
 
كما أن الدستور يشير بوضوح إلى أن الملك هو من يتولى عملية اعتماد السفراء لدى الدول الأجنبية، والمنظمات الدولية، كما أنه هو من يعتمد السفراء، وممثلي المنظمات الدولية. كما أن الملك هو من يقوم بالتوقع على المعاهدات، والمصادقة عليها، باستثناء المعاهدات الدولية، التي تترتب عليها تكاليف تُلزم مالية الدولة، في هذه الحالة، تَلزم الموافقة عليها بقانون...
 
وبناء على التفويض الملكي، فإن وزارة الخارجية هي الجهة المخوّل لها الحديث باسم الدولة المغربية مع الدول الأخرى، والمخول لها تدبير العلاقات الخارجية مع الدول...
 
وهذا ما تقوم به وزارة الخارجية بناء على مرسوم اختصاصاتها رقم 2.11.428، الذي يمنح للوزير بمقتضى المادة 1 المسؤولية التامة عن دور الوساطة اللازمة كقناة لجميع الاتصالات الرسمية مع الدول الأجنبية والمنظمات الدولية والجهوية والإقليمية، ولاسيما عبر ممثلياتها في المغرب...
 
وهذا الدور، الذي يلعبه حاليا الوزير ناصر بوريطة، يقوم به بكثير من الاجتهاد، والحركية، والفعالية، والحرص على تفادي السقوط في الأخطاء التدبيرية، التي طالما سقط فيها وزراء البيجيدي، بمن فيهم رئيس الحكومة نفسه، الذي تعرض للإقالة زمن رئيس الحكومة المندحر عبد الإله بنكيران، بعدما اختلطت عليه مهمته الحكومية (وزير الخارجية) مع مهمته الجزبية (قيادي في حزب الإخوان المسلمين في المغرب)...
 
فالعلاقات الدولية، والسياسة الخارجية، لا يمكن أن تُترك لوزراء بيجيديين "بوجاديين" عديمي التجربة، كل مرة كانوا يسقطون في "زبلة" (بتفخيم حرف الزي)، أدخلت المغرب في العديد من الأزمات الديبلوماسية...
 
بكيران نفسه، عندما كان رئيسا للحكومة، نسي نفسه، أو بالأحرى نسي موقعه وغلب طبعه تطبّعه، فتصرّف كأي خوانجي، وهو ينتشي بصمت متواطئ بمواقف "الصكوعة" و"المداويخ"، من إشادة وتمجيد بالإرهابي المجرم، قاتل السفير الروسي في أنقرة، كاد يعيد التوتر إلى العلاقات بين البلدين روسيا والمغرب، التي مرت من محطة حرجة بفعل التصريحات غير المحسوبة لبنكيران، التي عبّر فيها عن موقف عدائي تجاه هذا البلد، الذي ظل الجار اللدود، الجزائر، يعمل جاهدا لإبقائه إلى جانبه وإفساد علاقاته مع المغرب... إذ نسي بنكيران نفسه وقال "لماذا تدمر روسيا سوريا بهذا الشكل؟ كان يمكن لروسيا أن تتدخل لإيجاد حل للأزمة وليس لتعميقها"، مما دعا السفير الروسي في المغرب إلى تقديم احتجاج رسمي إلى السلطات المغربية، التي اجتهدت لاحتواء هذه الأزمة...
 
ومن روسيا إلى مصر، مازال الجميع يذكر صيف سنة 2013، الذي كانت ستهتز فيه العلاقات الدبلوماسية التقليدية، بين المغرب ومصر، ما بعد سقوط نظام الرئيس الراحل الإخواني الظلامي محمد مرسي، بسبب قيام عبد الإله بكيران، وهو رئيس الحكومة آنذاك، برفع شعار "رابعة" في الجلسة الافتتاحية للملتقى الوطني لشبيبة البيجيدي...
 
أخطاء بنكيران الديبلوماسية كثيرة جدا، خصوصا أنه كان ينسى كثيرا وضعه الحكومي الحساس، ويغلب عليه طابعه كفقيه، وكحلايقي، مما كان يعرضه للزلات... من هذه الزلات، ما وقع في سبتمبر 2016، من توريط للمغرب في موقف محرج مع الصين، بتصرّف متهور أمام سفير بكين بالرباط، إذ كان يمثل الحكومة المغربية، في احتفال سفارة الصين بالعيد الوطني لبلدها، قبل أن يغادر الحفل دون حتى إتمام الطقوس الأساسية للاحتفال، إذ تعمّد تناول الكلمة قائلا: "أنا مستعجل جدا وعليّ المغادرة"، وهو عذر أقبح من الزلة، أثار غضب السفير الصيني، مثلما أثار استغراب ضيوف سفارة الصين من شخصيات مغربية وعربية وأجنبية، خصوصا عندما تبيّن أنه توجّهَ إلى مراكش للمبيت هناك، ليقوم في اليوم الموالي بتأطير مهرجان انتخابي لحزبه بمناسبة الحملة الانتخابية لاستحقاق 7 أكتوبر 2016!
 
وفي يونيو من سنة 2014، وخلال جلسة عمومية لمجلس النواب، كانت تُبثّ على التلفزيون مباشرة، سيقوم القيادي في البيجيدي مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة آنذاك، بتوريط المغرب في أزمة مجانية مع دولة المكسيك، وفي تلقي احتجاج رسمي شديد اللهجة من دولة بذلت الديبلوماسية جهدا جهيدا لاستقطابها إلى صف المغرب في دعم مقترحه للحكم الذاتي في الصحراء، حينما سيجيب الخلفي على سؤال نيابي حول برامج التلفزيون المغربي، خلال شهر رمضان ذلك العام، بالقول: "هل يرضيكم أن يتحول المغرب إلى ماخور في المكسيك". والكارثة أن زوجة رئيس دولة الميكسيك نجمة سينمائية مشهورة...
 
هذه مجرد أمثلة صغيرة، ضمن سلسلة من الأخطاء الديبلوماسية الكبيرة، التي مازالت تُرتكب إلى اليوم، من قبيل ما فعله الوزير الغِر محمد أمكراز، الذي "حنقز" أكثر من مرة، لعل آخرها هرولته إلى التطبيع مع إعلام دولة معادية للمغرب ولوحدته الترابية، وقطع معها العلاقات الديبلوماسية، وهي إيران وميليشياتها الإرهابية في لبنان حزب الله، التي تدرب عسكريا عصابات البوليساريو...
 
رئيس الحكومة نفسه، سبقت إقالته من رئاسة الديبلوماسية المغربية في يونيو 2013، عندما كان في زيارة إلى دولة الكويت للمشاركة في أشغال الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة بين الكويت والمغرب، فانفلت لإجراء اجتماع مع معارضين منتمين إلى فرع الإخوان المسلمين في الكويت...
 
ورئيس الحكومة نفسه، الذي خوّل لنفسه الحق في الحديث باسم البيجيدي (وهذا شأنه)، في العلاقة مع إسرائيل، ركبه الحماس في صيف 2020، فتحدث باسم الملك وباسم الشعب وباسم الحكومة وهتف أن التطبيع خط أحمر، قبل أن يجلس مع مسؤولي الحكومة الإسرائيلية ليوقع معهم تطبيع العلاقات الثنائية...
 
وعودٌ على بدء، يبقى الملك هو الضامن لثبات واستمرارية المواقف الديبلوماسية للمملكة المغربية ولاحترام التزاماتها الدولية.
 
هذا أولا، وثانيا، فإن وزير الخارجية هو المخوّل له التعبير عن المواقف الرسمية للمملكة المغربية، التي، كما أضحى يعرف الجميع، أنه، مع فريقه، الذي يتشكل من أطر كفءة، يدبّر هذه المواقف والعلاقات الخارجية، بتوجيهات ملكية، ومن خلال تقييم عميق ومسلسل من التفاعل بانخراط عدد من الفاعلين والمؤسسات، لقناعة من ناصر بوريطة، ومن فريقه الكفء، أنه لا يمكن لهذه المواقف، بالنظر لتعقدها وخطورتها، أن تكون محط ارتجال، أو أن تعبر عن وجهات نظر شخصية أو حزبية ضيقة، قد تتعارض مع المواقف الرسمية للمملكة المغربية...