من المفيد جدا أن يقوم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره إحدى مؤسسات الحكامة التي ينص عليها الدستور، بالدعوة إلى وضع خطة وطنية مندمجة لحفظ الذاكرة، وذلك في التوصية الإضافية التي ضمنها في مذكرة وجهها إلى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي.
ويرى المجلس أن الخطة الوطنية المندمجة لحفظ الذاكرة يتعين أن تكون "ذات أساس قانوني، تحدد مجالات التدخل والاشتغال، وتضمن التقائية وانسجام البرامج التي ستنجزها مختلف المؤسسات العمومية في هذا المجال"، مع "الارتكاز على حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بكل روافده لبلورة النموذج التنموي المنشود".
ليس الغاية، هنا، تحليل أو التعليق على هذه التوصية والبحث عن سياقاتها وظرفيتها ومدى نجاعتها، ولكن الهدف هو إثارة الانتباه مرة أخرى للحاجة الماسة إلى إعادة الاعتبار إلى الذاكرة الوطنية برموزها الفكرية والحقوقية والسياسية والاجتماعية، لكن باعتبارها ذاكرة حية، وليست ذاكرة متحفية.
ويلاحظ في الآونة الأخيرة القيام ببعض المبادرات الرمزية، منها إطلاق أسماء شخصيات وفعاليات وطنية على بعض الشوارع والفضاءات والساحات العمومية والمؤسسات التعليمية والثقافية كنوع، على ما يبدو، من تصالح مع الذات وجبر للضرر وحفظ للذاكرة. بيد أنه، على الرغم من هذه الدينامية، لم تنخرط بعض القطاعات، ومنها وزارة الشباب والرياضة في هذه الحركية، إذ يتساءل كثير من مسؤولي الهيئات المدنية والفاعلين الجمعويين بالخصوص عن المغزى من عدم تفعيل قرار وزارة الشباب والرياضة بإطلاق اسم محمد الحيحي (1928- 1998) على إحدى المؤسسات التابعة لهذه الوزارة على الرغم من تعهدها رسميا، في فترة وزير الشباب والرياضة رشيد الطالبي، الذى راسل "حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي" في هذا الشأن، بإطلاق اسم الراحل على أحد المراكز التابعة لقطاع الشباب والطفولة بضواحي الرباط.
وإذا كان هذا القرار قد لاقى، في إبانه، ترحيبا واسعا من لدن العديد من الأوساط في مقدمتها الحركة الجمعوية التربوية والحقوقية والمهتمة، إلا أن كل المحاولات والمراسلات الموجهة إلى الوزراء الثلاثة، آخرهم عثمان الفردوس الوزير الحالي، ظلت دون أي جواب لحد الآن، في الوقت الذى كان يمكن أن تشكل لحظة التكريم الرمزية فرصة لإعادة الاعتبار لرموز العمل الجمعوي التطوعي الوطني وللدور، الذى اضطلعت به سواء في معركة تحرير البلد من ربقة الاستعمار، وكذلك بناء المغرب الجديد، مع العلم، أن قرار إطلاق اسم الحيحي على أحد المراكز التربوية، لا يتطلب في واقع الأمر أي مجهود مالي أو تدبير إداري.
وتجدر الإشارة إلى أن محمد الحيحى كان، قيد حياته، من بين الأطر الأولى التي أشرفت على قسم الشباب في السنوات الأولى لاستقلال المغرب، حيث شغل منصب نائب لقسم الشباب بمديرية الشبيبة والرياضة سنة 1957، وساهم في تأطير طريق الوحدة التي تميزت بمشاركة 11 ألف شاب متطوع من مختلف مناطق المغرب. كما قاد تجربة أوراش التشجير التي مكنت من توفير عدة غابات في كل من بوقنادل ضواحي مدينة سلا وبوسكورة بالدارالبيضاء والهرهورة بتمارة.
وتكتسى مبادرة حلقة الوفاء لذاكرة الوفاء حمد الحيحيى (تأسست سنة 2010) بدعوة الوزارة إلى إطلاق اسم هذا الوطني، لما خلفه من جليل الأعمال ومن قيم ومبادئ سامية لا يزال إشعاعها وصدقيتها حاضرا، بل وأكثر طلبا في المرحلة الراهنة لإعادة بعثها ونشرها خاصة بين صفوف الشباب.
هذا هو الحيحى كما عرفناه، وهذا هو الحيحى كما عرفه الوطن، أما آن لهذا الوطن أن يمتنّ لعطائه وهو يدرك أنه يكره ذلك، ولو بإطلاق اسمه على إحدى المؤسسات العمومية أو أحد شوارع مدينة الرباط التي ملأها بخطوه الوطني المتوثب، فذاك حقه على الوطن، كما يقول حسن أميلى أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية الذى جاور الحيحى في قيادة جمعية AMEJ.
فعسى أن تشكل التوصية الأخيرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مناسبة لإعادة الاعتبار لهذه الذاكرة المدنية الوطنية خاصة بعد قرار المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تنظيم ندوة دولية حول حفظ الذاكرة بمشاركة الأطراف المعنية والفاعلين وخبراء وطنيين ودوليين، وباعتبار أن حقوق الإنسان فعل ميداني وفكر حقوقي.
في ما يلى نبذة عن الراحل محمد الحيحي
ولد السى محمد الحيحى سنة 1928 بحي المشور بتواركة بمدينة الرباط، وتتلمذ على يد كبار مشايخ عصره وعلى رأسهم شيخ الإسلام مولاي العربي العلوى.
في سنة 1940 التحق بثانوية مولاي يوسف بالرباط التي طرد منها سنة 1944 بسبب مشاركته في انتفاضة التلاميذ في أعقاب تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال خلال السنة ذاتها.
أسند له المهدى بن بركة مسؤولية تأهيل وتأطير الشباب لإعدادهم لمواجهة تحديات بناء المغرب الجديد.
وفي سنة 1947 انخرط محمد الحيحى في سلك التعليم الوطني الحر حيث بادر إلى جعل المؤسسة التعليمية تندمج في محيطها الاجتماعي.
وفي سنة 1948، أشرف على أول تدريب ينظم باللغة العربية لفائدة الأطر التربوية ضمن التداريب البيداغوجية التي كانت تنظمها إدارة الحماية الفرنسية لفائدة أطر ومدربي المخيمات الصيفية. وخلال هذه المرحلة، وقبل الاستقلال، رفضت السلطات الاستعمارية الطلب الذى تقدم به، رفقة عدد من الأطر التربوية الوطنية، بهدف تأسيس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ، التي كانت نواتها الأولى تتألف من الأطر المغربية الشابة التي سبق لها أن استفادت من تدريبات وتكوينات في المجال التربوي.
وفي سنة 1950، وضع المهدي بن بركة ثقته في محمد الحيحي لقيادة فرقة من الشبيبة الاستقلالية، ومنذ ذلك التاريخ أصبح مسؤولا عن تأهيل الشباب وتكوينهم.
وفي 19 ماي سنة 1956، مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، ساهم محمد الحيحى، رفقة المقاوم عبد السلام بناني، في تأسيس جمعية AMEJ، وتولى كتابتها العامة، وذلك قبل أن يلتحق سنة 1957 بوزارة الشبيبة والرياضة، التي تولى فيها المسؤولية نائبا لرئيس قسم الشباب والطفولة.
وفي سنة 1957، وبخصوص المشروع الوطني الوحدوي الشبابي الكبير "طريق الوحدة"، تولى محمد الحيحي، بتوجيه من المهدى بن بركة، مهام الكتابة الإدارية والإشراف على متابعة الدراسات وإعداد الملفات الخاصة بالمتطوعين المرشحين للمشاركة في طريق الوحدة.
وفى سنة 1958، أسس محمد الحيحي من قدماء متطوعي مشروع طريق الوحدة جمعية أطلق عليها اسم " بناة الاستقلال"، فضلا عن ذلك يرجع للحيحي كذلك الفضل في التأسيس لتجربة أوراش الشباب، خاصة منها عمليات التشجير التطوعية للشباب التي ساهمت في إحداث غابات في كل من مناطق بوقنادل شمال مدينة سلا وبوسكورة جنوب الدارالبيضاء والهرهورة بعمالة تمارة.
وفي يوم 25 مارس 1960، شارك في أول إضراب للوظيفة العمومية، تعرض على إثره للطرد التعسفي نتيجة لمواقفه السياسية والنقابية، مما حذا به إلى رفع دعوى قضائية بالإدارة، ايمانا منه بمشروعية الإضراب، وهو الموقف الذى تبناه القضاء الذى صرح بأن حق الإضراب مضمون، وسيصدر قانون تنظيمي يحدد ممارسته، وهو المشروع الذى لم ير النور لحد الآن.
وايمانا منه بأهمية التوفر على إطار يوحد جهود الشباب، لم يتوان محمد الحيحي، منذ بداية الاستقلال، عن المطالبة بإحداث مجلس لهذه الفئة، وهو ما تحقق بتأسيس المجلس الوطني للشباب، الذى ساهم في فعالياته كممثل لمنظمات الشباب سنة 1959.
محمد الحيحي رجل تعليم بامتياز حيث كان أستاذا، منذ سنة 1947، بالمدارس الحرة التي أنشأها الوطنيون، ثم بعد ذلك في عدة مؤسسات تعليمية بكل من الرباط والدارالبيضاء وخريبكة. وعندما أصبح مديرا لإحدى الثانويات بخريبكة، تمت إقالته بسبب المضايقات التي كان يتعرض لها من طرف عامل المدينة آنذاك الذي رفع تقريرا إلى وزير الداخلية الجنرال محمد أفقير عن أنشطة وتحركات محمد الحيحي، ثم عاد إلى الرباط كأستاذ للتعليم الثانوي إلى حين تقاعده سنة 1989. وواصل الحيحى الدفاع عن قضايا الطفولة والشباب وتأهيل منظمات المجتمع المدني.
وفى إطار نضاله الحقوقي، ساهم سنة 1979 رفقة عدد من رفاقه في تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي انتخب رئيسا لها ما بين 1989 و1992.
وفي سنة 1991، تم تكريمه بنيويورك من لدن منظمة Human Rights Watch الدولية الأمريكية، اعترافا بدوره في إشاعة وتكريس حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
ولإيمانه بأهمية توحيد جهود الجمعيات والمنظمات الوطنية المهتمة بالدفاع عن حقوق الشباب والطفولة، أسس محمد الحيحى في سنة 1991 اتحاد المنظمات التربوية المغربية، الذى ترأسه في سنواته الأولى، والذى كان يضم آنذاك فضلا عن AMEJ كلا من جمعيات حركة الطفولة الشعبية والمواهب والتربية الاجتماعية والشعلة للتربية والثقافة والمنار للتربية والثقافة.