ترجل الفارس الدكالي عن صهوته في وقت مبكر من صباح أمس (الأربعاء).
غادرنا، خجولا، قبل أن تشرق الشمس، بعيد الفجر، كأنه يخاف أن يوقظنا، أو كأنه يرفض أن يزعج أحلامنا حتى في وداعه الأخير.
هو نفسه حكيم، خجول حتى في موته، كما كان في حياته كريما يوزع أشعاره وروايته وقصصه على المحتاجين والمجانين والفقراء على الطرقات.
كلما التقاكَ قبض على كفك بسلام جارف يخطف القلب، وهو يطلق ضحكته المجلجلة، ويفتح ذراعيه، ثم يغرسُكَ في جسده الشاهق، ويطبطب عليك (حكيم يخبط ولا يطبطب).
لا يُرى حكيمٌ إلا مبتسما وضاحكا وفاسحا حضنه للجميع، حتى في لحظات حزنه القصوى وترحاله المتعدد وخيبات أمله الصاعقة، ظل وفيا إلى الطفل الجارف فيه، الذي يحملك ويتحملك في لحظات ضعفك.. ويبكي قبل بكائه ولبكائك.. وبعد بكائك.
حكيمْ هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن تتعرف عليه دون أن تلتقي به.
ولا يمكن إلا أن توقع له على بياض صداقة مدى الحياة حين تلتقي به.
فكما تعرفه قبل 29 سنة، طالبا مجدا، ومناضلا في ساحات الصراع الطلابي، وشاعرا مفوها على منصات المدرجات زمان الأيام الثقافية، ومعتقلا سياسيا، وصحافيا بلغة وأسلوب خاصين، يمكن أن تتعرف عليه أيضا عائدا من رحلات الاكتشاف الخليجي، فيحضنك بالطريقة نفسها، حين تلتقي به في دروب "الفردوس" بالحي الحسني، أو يلوح لك من وسط مقهى، ويدعوك لفنجان قهوة و"ميل فوووي"...وابتسامة.
في كل ذلك، لن يترك لك حكيم فرصة لالتقاط أنفاسك بحكي غزير، ونكات متراصة، ومواقف دكالية يعجنها بمائه الدافق، بضحكاته المجلجلة، وخبط على الأكف والأكتاف...وبينها شعرٌ ونصوص وفكر وثقافة وأدب وجدل في السياسة والمجتمع والفلسفة والرياضة وآخر الإصدارات.
لذلك، كان خبر إصابته بالفيروس لعينا، وكان موته فادحا إلى أبعد الحدود.
رحل حكيم ولم تترك لأصدقائه ورفاقه فرصة لشهقة، أو نحيب وزفرة، غير صدمة جارفة وغصات في القلب.
لم يمهلنا من أجل قبلة على الجبين، أو تلويحة وداع، أو نظرة أخيرة.
فـ"لا أحد سيقبل بموتك المبكر وأني لمستأنف عن هذا الحكم ياعنكر"، ولا أحد سيصدق أنك لم تعد منا، ولا أحد يقبل أن تسرق بهذه الطريقة، وأنت الذي ترسم أرواحنا بـ"رمل الغريب".