السيناريو الكامل لحرب الرمال.. هكذا طحن الجيش المغربي نظيره الجزائري فتوغل إلى وهران
الكاتب :
حسن عين الحياة
حسن عين الحياة
كلما تمادت الجزائر في خلق القلاقل لجارها الغربي (المغرب)، وتصريف أزماتها الداخلية، بتوجيه الأنظار إليه، من خلال افتعالها لبعض الأزمات، كلما ابتكرت أساليب ماكرة لتعقيد آلية الحوار المفتوحة حول الصحراء، والتملص من مسؤوليتها في خلق كيان وهمي بجنوبها، والدفع به إلى الحدود المغربية، كنوع من الضغط على المملكة، كما هو الحال لما يجري الآن من تحرك لميلشيات البوليساريو المتخفية في زي مدني بالجدار الأمني.. (كلما تمادت)، إلا وتعود ذاكرة جيل من المغاربة في نوع من "النوستالجيا" الجميلة إلى سنة 1963 التي أبان فيها الجيش المغربي على قدرة هائلة في القيادة والسيطرة، في ما يمكن اعتبارها حربا خاطفة في مواجهة الجزائر.
هذا الوعاء الزمني (1963) تسعى الجزائر إلى محوه من تاريخها الحديث لما شهدته في خريف هذه السنة من خيبة كبرى، وإحباطات ساهمت في تأجيج حقدها الدفين للمغرب والمغاربة.
ففي مثل هذا الشهر، وتحديدا شهر أكتوبر سنة 1963، والمغرب يسعى جاهداً إلى البحث عن حل لمشكل حدوده مع الجزائر المترسبة عن حقبة الاستعمال الفرنسي، فوجئ باستفزازات ممنهجة لجارته الشرقية.. كل شيء كان يوحي آنذاك بأن القادة الجزائريين الذين احتضنتهم المملكة خلال فترة الاستعمار، تنكروا لجميلها، وأداروا ظهورهم للسنوات التي تحمل فيها المغرب عناء دعم كفاح الحركة الجزائرية بالسلاح لقهر الآلة الاستعمارية الفرنسية.. ذلك أنه عوض الوفاء بالوعود بحل مشكل الحدود العالقة، قاموا بنوع من التهور بمحاولة خلق فخ للمغرب قصد جره إلى حرب مفتعلة، بهدف توحيد القوى الجزائرية الداخلية المتطاحنة في ما بينها حول السلطة، فكان الجيش الجزائري أن قام بالهجوم في لحظات مسترسلة على مناطق مغربية متنازع حولها، قتل فيها جنود مغاربة، بالإضافة إلى استعراض الدولة الجار لعضلاتها عسكريا داخل مناطق مغربية (وجدة) لتخويف النظام المغربي. هذا الأمر، وجد معه الملك الراحل الحسن الثاني نفسه مضطرا – بعدما استنفد كل سبل الحوار من أجل أن يعود الرئيس الجزائري أحمد بن بلة إلى رشده – إلى وقف سيل مضايقات كبار قادة الجزائر، ليقرر الرد على هذه الاستفزازات بحملة عسكرية منظمة لم تتجاوز في مداها ثلاثة أيام، وهي العملية التي سحق فيها الجيش المغربي نظيره الجزائري، حين توغل بسرعة قياسية في عمق الجزائر ليصبح على بعد كيلمترات من وهران قبل أن يصدر الحسن الثاني أمرا بالرجوع إلى القواعد، هذه الحرب التي أدارها الملك الراحل عبر جهاز اللاسلكي والتي قادها الجنرال إدريس بن عمر عرفت بـ "حرب الرمال".
الآن خاصة بعد تنامي استفزازات الجار الشرقية للمملكة – يعود المغاربة لأكثر من نصف قرن للوراء (57 سنة)، ولسان الحال يقول "لو وقف الجيش المغربي إلى حيث توغل في عمق التراب الجزائري، لما تمادى القادة الجزائريين في مضايقتهم للمغرب، ولما كان مشكل الصحراء قائما بالمطلق".
في مثل هذا الشهر (أكتوبر)، تعود بنا "النوستالجيا" إلى هذه البطولة المغربية، في محاولة لرسم السيناريو الكامل لحرب الرمال.. أسباب اندلاعها، خلفيتها، ونتائجها، وكيف لعب فيها الملك الراحل وقائد الأركان العامة الحسن الثاني دوراً محوريا؟ مع إبراز الدور البطولي للجنرال إدريس بن عمر الذي هزم النظام الجزائري في ملعبه قبل أن يعود أدراجه بأمر من الملك؟ لنتابع.
القنوات المؤدية لحرب الرمال
عندما تتحدث إلى الجنود المغاربة عن أبرز عملية قام بها الجيش المغربي منذ حصول البلاد على الاستقلال سنة 1956، تأتي الإجابة بشكل يكاد يكون موحداً "لعلها حرب الرمال" التي جرت في خريف سنة 1963، العملية في أبعادها الاستراتيجية كانت محسوبة وفق تخطيط جيد للملك الراحل الحسن الثاني، وقد جاءت كرد فعل طبيعي على الهجمات التي قام بها الجنود الجزائريين على مواقع مغربية شرق المملكة.
قبل هذه المعركة التي حسمها المغرب لصالحه، والتي لا زال الجنود المغاربة، سواء الذين عاشوا الحرب أو الذين التحقوا بالجيش فيما بعد، يذكرونها بزهو وفخر، كانت الجزائر تعيش تمزقا داخليا، ذلك أن جميع المناطق العسكرية داخل البلد الجار لم تكن قد أعلنت ولاءها للحكم المركزي، وهو ما أدى بالرئيس أحمد بن بلة وبعض قادته مثل بومدين وبوتفليقة إلى التفكير في تصدير أزمتهم الداخلية إلى المغرب، عبر خلق فخ يمكن من خلاله جر المغرب إلى الحرب، وبالتالي توحيد الصف الداخلي على حساب مواجهة المملكة، هذا بالإضافة إلى محاولة صرف نظر المغاربة عن مشكل الحدود الذي ورثه البلدين عن الاستعمار الفرنسي، لذلك سارعت القيادة الجزائرية برئاسة الرئيس أحمد بن بلة في بداية أكتوبر سنة 1963 إلى إصدار أوامر بتنفيذ العديد من الهجمات على مراكز عسكرية مغربية بالحدود الشرقية للمملكة، لجر المغرب إلى الحرب، وهو ما لم يستسغه الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان قد قام بزيارة للجزائر قبل ذلك بأشهر معدودات لحل مشكل الحدود المغربية الجزائرية، ذلك أنه فور استنفاذه كل قنوات الحوار لم يعد أمامه سوى الحل العسكري، فما هو سيناريو حرب الرمال؟
سيناريو لما قبل حرب الرمال بأيام قلائل
لعب الحسن الثاني كل أوراقه الدبلوماسية لثني الرئيس الجزائري عن تماديه في تعنته، لكنه اضطر في آخر المطاف إلى أن يسلك طريقا آخر، حيث جاء الحل العسكري كبديل للحوار الهادئ، ومن ثمة انطلقت الشرارة الأولى لما سمي بـ "حرب الرمال" بين المغرب والجزائر، لكن من صاحب فكرة الرد العسكري على الجارة الشرقية؟
البعض قال إن مبدع هذه الفكرة هو الجنرال أوفقير، بينما عزاها آخرون إلى الجنرال إدريس بن عمر العلمي الذي قاد حرب الرمال، لكن للحسن الثاني رأي آخر، ذلك أنه قال في إحدى حواراته بهذا الخصوص، "إن صاحب الاقتراح لم يكن هو أوفقير، وإنما كان الجنرال الكتاني رحمه الله".
لقد أصبح التدخل العسكري يفرض نفسه على الملك الراحل الحسن الثاني، خاصة بعدما نشبت عدة تطورات ببعض المناطق المغربية الشرقية التي تعرضت للهجوم الجزائري.
في 8 أكتوبر سنة 1963، هجمت تجريدة عسكرية جزائرية بقيادة الضابط كطاف بشكل مفاجئ على مركز "حاسي البيضا" قرب منطقة محاميد الغزلان، وقبلها باغت الجنود الجزائريين سرية للقوات المساعدة المغربية بمنطقة "بونو" التي تبعد عن محاميد الغزلان بـ 45 كيلومترا، حيث قام جنود من المشاة الجزائريين معززين بمدفعية ثقيلة بإعدام أفراد السرية المغربية بعد تكبيلهم بالأسلاك وإضرام النار في جثتهم، ثم تلاها الهجوم مرة أخرى على مركزي "حاسي البيضا" و"تينجوب" الخاضعتين للنفوذ المغربي.
وفي الوقت الذي كان فيه الملك الحسن الثاني والمغاربة ينتظرون تفسيراً جزائريا حول هذا العدوان، صرح الرئيس الجزائري بن بلة بأن ثمة مواجهات اندلعت بمنطقة بشار بين الجيش الوطني الشعبي وبعض العناصر الخارجة عن القانون، آنذاك سارعت السلطات المغربية إلى تكذيب هذا التصريح، موضحة أن مركز "حاسي البيضا" القريب من جنوب محاميد الغزلان تعرض لهجوم مفاجئ من قبل الجيش الجزائري، الذي توغل داخل التراب المغربي مخلفا حرق الواحات وقتلى في صفوف المغاربة.
لم تقف استفزازات الجزائر عند هذا الحد، بل نظمت مرة أخرى، وتحديدا في 15 و17 أكتوبر 1963 هجوما على منطقة "حاسي البيضا"، لكن الجيش المغربي الذي كان مرابطا هناك، تمكن من صد الهجمات قبل أن يلحق هزيمة بالجيش الجزائري.
لقد كان هذا الرد حسب المعطيات المتوفرة بهذا الشأن كافيا لتعود الجزائر إلى رشدها، ، لكنها لم ترتدع، حيث نفذت هجوما آخر على مركز "إيش" العسكري الواقع على بعد 50 كيلومترا من شمال شرق مدينة فكيك (إقليم وجدة) والذي كانت تحرسه قوات مغربية، حيث كان الجنود الجزائريون مدعومين بأسلحة ثقيلة، ويشكلون قوات نظامية، فضلا عن قيام الطيران الجزائري بالهجوم على منطقة "تيندرارة" بإقليم وجدة وهي منطقة لم تكن موضوع نزاع، آنذاك فهم الحسن الثاني أن مشكل الجزائر لا يتعلق بالحدود، وإنما بأشياء أخرى، ومن ثمة أمر الملك بالرد عسكريا على هجمات الجزائر في واحدة من أكبر الحروب التي دارت رحاها بين المغرب والبلد الجار.
كان بالإمكان السيطرة على وهران وتندوف لكن
قبل المواجهات، كان الحسن الثاني وفق بعض المعطيات المتوفرة لدينا، قد عقد اجتماعا طارئا مع كبار ضباط الجيش والوزراء بمدينة آسفي، ويعتقد أن الملك الراحل آنذاك، غادر الاجتماع مقتنعا بفكرة الرد عسكريا على الجزائر.
في البداية أوكل الملك للجنرال إدريس بن عمر العلمي قيادة الجيش لصد الهجمات المتكررة للجزائر، وحسب أحد الخبراء الاستراتيجيين بالمغرب، ضم الجيش المغربي آنذاك حوالي 100 ألف جندي، وكانت عناصر مهمة منه تنتمي إلى جيش التحرير والجيش الذي خلفته فرنسا قبل مغادرتها المغرب بعد حصوله على الاستقلال، وقد تحدثت بعض المصادر، إلى أن الجنود المغاربة توافدوا إلى المنطقة الشرقية من كل المدن، إذ هناك العناصر الصحراوية الملتحقة لتوها بصفوف القوات المسلحة الملكية، وضمنها مجموعة الملازم "حبوها لحبيب"، المكونة من حوالي 700 جندي ينتمون إلى كبرى القبائل الصحراوية، "الركيبات"، هذا بالإضافة إلى انخراط 200 عنصر في إطار ما سمي بمجموعة "الملازم أبا علي أبا الشيخ"، ومجموعات أخرى يقودها "البلال البطل" المكونة من 200 عنصر، إلى جانب بعض عناصر من أبناء "الركيبات" الفارين من الاضطهاد الجزائري، كل هؤلاء اصطفوا تحت إمرة الجنرال إدريس بن عمر العلمي وقادة آخرين كقائد الفوج الثاني عشر للمشاة النقيب البوزيدي وقائد القطاع العسكري بمنطقة أكادير آنذاك بوكرين.
في الطرف الآخر، تقول بعض المعطيات إن الجيش الجزائري كان يتوفر على قوة هائلة من السلاح الروسي، فضلا عن استعانته بخبراء ومستشارين وعسكريين من سوريا وآخرين وضعهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر رهن إشارة الجيش الجزائري، غير أن القوات المغربية كانت وقتذاك منظمة بشكل جيش من طرف قائد حرب الرمال الجنرال إدريس بن عمر الذي كان دائم الاتصال مع الراحل الحسن الثاني بخصوص الأمور الاستراتيجية التي اختبرت الهجمات البرية كجزء مهم من خطتها، وإن كان البعض يرى بأن الجزائر كانت فاقدة للخبرة وهشة على مستوى التنظيم العسكري لاعتمادها فقط على حر بالعصابات.
خلال عملية الاشتباك الأولى على الميدان، كان الحسن الثاني القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان الحرب العامة لا يفارق جهاز الراديو (جهاز اللاسلكي)، فتارة يصدر أوامره للجنرال إدريس بن عمر العلمي بالتوغل واعتماد السلاح اللازم في التوقيت المناسب، وتارة يستقبل بشكل دقيق تفاصيل العملية البرية التي انطلقت من الشرق المغربي زاحفة داخل التراب الجزائري، وحسب المعطيات المحصل عليها، توغل الجيش المغربي بسرعة متناهية داخل الأراضي الجزائرية ترتب عنه تراجع الجزائريين إلى الوراء، بعدما وقفوا على حقيقة الجيش المغربي المنظم، حيث كان مدعوما بطائرات نفاثة، كان قد حصل عليها مجانيا من العراق، ودبابات ثقيلة بالإضافة إلى العديد من أنواع الأسلحة الحديثة التي تركتها فرنسا للمغرب، فضلا عن وحدات بحرية متقدمة، ناهيك عن الخبرة العسكرية في القيادة والسيطرة، في حين لم يكن الجنود الجزائريين يتقنون سوى حرب العصابات التي اندحرت بسرعة أمام النجاعة الهجومية المغربية بقيادة إدريس بن عمر.
وحسب خبير مغربي استراتيجي، كان بإمكان إدريس بن عمر أن يبسط نفوذ القوات المغربية على كامل التراب الجزائري، إذ لم يعد يفصله عن منطقة تندوف سوى 26 كيلومترا، كما توغل أكثر إلى أن أصبح على مشارف وهران، آنذاك اتصل الجنرال إدريس بن عمر برئيسه الحسن الثاني، يلتمس منه السماح له بالوصول إلى ولاية وهران واسترجاع أجزاء كبيرة من الصحراء الشرقية، غير أن الملك الراحل أمره بالعودة إلى القواعد المغرية، وهو ما قبله الجنرال بن عمر على مضض، ليعود بالقوات المغربية إلى منطلقاتها الأولى.
كيف تنبه الحسن الثاني إلى خدعة الحرب
وصل الجنرال إدريس بن عمر إلى نقطة متقدمة داخل التراب الجزائري بشكل أمن معه الحدود المغربية من تسربات الجزائريين، كما قام بأسر العديد من جنود الطرف الآخر، بعد أن ألحق هزيمة قاسية بالجيش الجزائري، وهو ما يتذكره المغاربة بنوع من النوستالجيا كلما تمادت الجزائر في خلق المشاكل للمغرب حول صحرائه.
لقد كان بالإمكان – يقول الخبير الاستراتيجي عبد الرحمان مكاوي – أن يحقق الجيش المغربي انتصارات عسكرية سهلة، إلا أن الظروف السياسية والحرب الباردة وكذلك الخدعة الجزائرية التي حاولت من خلالها جر المغرب للحرب لتوحيد صفوفها داخليا، هي من نبهت الحسن الثاني إلى خطورة الوضع وعدم الانجرار إلى هذه الخدعة التي كانت تخدم القيادة الجزائرية.
إن قرارا من هذا الحجم يبقى شأن السياسيين، أما العسكريين فلا هَمَّ لهم سوى تحقيق الانتصارات وعدم التراجع أو العودة إلى النقطة الصفر، ولعل ذلك هو ما أغضب الجنرال إدريس بن عمر الذي كان تدمره من قرار الملك الداعي إلى توقيف الحرب يترجم الإحساس العام الذي انتاب العسكريين المغاربة.
فمن جهة اكتسح الجنرال بسرعة خاطفة القوات الجزائرية، خاصة بعدما أبدع العديد من الكمائن للخصوم، كما أنه وفق ما عبر عنه المعتقل السابق بتازمامارت الطيار صالح حشاد، كان خلال قيامه إبان حرب الرمال بجولات استطلاعية فوق التراب الجزائري يلاحظ إمداد الماء عبر الشاحنات في طريقها إلى الجنود الجزائريين، فكان قصف هذه الشاحنات وفق خطة محكمة قد أرغمت العديد من القوات الجزائرية إلى وضع السلاح والاستلام للمغاربة، ناهيك عن خطط وحيل حربية لم يفطن إليها الخصم، ومن جهة ثانية قدم الجنرال إدريس بن عمر للحسن الثاني صيدا ثمينا كشف من خلاله تواطؤ الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر مع القيادة الجزائرية ضد المغرب.. كانت الحرب آنذاك حامية الوطيس، فتلقى الجنرال خبر توقف طائرة هيلكوبتر بنواحي مدينة أرفود على متنها ضباط مصريين، في حين يقول صالح حشاد، إن الجنرال محمد أوفقير المتواجد آنذاك بمراكش، طلب من أحد الطيارين بصيغة الآمر بالتوجه فوراً إلى أرفود وأسر الضباط المصريين، متوعداً إياه في حالة فشله بجز رأسه، وما هي إلى لحظات حتى أحضر الطيار الضباط، وكان عددهم خمسة أسرى بينهم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حيث اغتنم الحسن الثاني فرصة انعقاد القمة العربية بالقاهرة التي وصل إليها دقائق قبل انطلاقها، ذلك أن طائرة مغربية حطت بمطار القاهرة وعلى متنها الضباط المصريين ضمنهم الطيار مبارك، فكان أن أحدث صدمة في نفسية الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي شعر بإحراج شديد.
عندما قدم الجنرال إدريس بن عمر استقالته
كان للحسن الثاني قراءات كثيرة لوقف الحرب "لقد أوقفت المعارك، لأن الحكمة كانت تقتضي ذلك، فلم يكن ثمة مبرر معقول لمواصلة تلك الحرب غير المعقولة"، يقول الحسن الثاني بعد مرور حوالي عقدين على اندلاع حرب الرمال، لكن لماذا أوقف الملك الحرب؟ هذا السؤال لم يردده المغاربة فحسب، بل حتى كبار الضباط الذين أداروا المعارك ضد القوات الجزائرية، في هذا الصدد حضر الراحل عبد الهادي بوطالب الذي شغل عدة مناصب سامية بينها مستشارا للحسن الثاني، لمشهد وصفه بالدرامي خلال تواجده بمراكش ساعة نهاية الحرب، حيث قال "إن الجيش المغربي قبِل على مضض أن يتوقف القتال طبقا لأمر جلالة الملك"، قبل أن يضيف "إنني حضرت مشهداً دراميا عندما جاء إلى مراكش قادما من الجبهة الكولونيل (العقيد) إدريس بن عمر الذي كان على رأس الجيش المغربي واستقبله جلالة الملك بحضور الحاج أحمد بلا فريج وأحمد رضا كديرة ، فخلع الكولونيل "جاكيته" التي كانت تحمل أوسمته العسكرية ووضعها جنب الملك الحسن الثاني في إشارة إلى الاستقالة".
وحسب المتحدث، قال إدريس بن عمر بنبرة حزينة للحسن الثاني "مولاي لا يقبل في المنطق الحربي والتقاليد العسكرية أن يعود جيش منتصر إلى منطلقاته الأولى كجيش منهزم"، ثم طالب الحسن الثاني بأن تبقى وحدات الجيش المغربي حيث كانت إلى حين تسوية مشكلة الحدود، آنذاك صاح الملك في وجه إدريس بن عمر حسب بوطالب، بأن يرتدي "جاكيتته" وأن يمتثل لأمر القائد الأعلى للجيش، فتراجع الضابط العسكري الشهم، ورجع جيش المغرب إلى قواعده.
وحسب الخبير الاستراتيجي عبد الرحمان مكاوي، إن الأمر آنذاك انتقل من أيادي العسكريين إلى أيادي السياسيين برئاسة الحسن الثاني، لأن الوضع كان متشنجا، نظرا لأن الجزائر كانت تعتبر بمثابة قلعة للثوريين وأنها محسوبة على المعسكر الشرقي ومدعومة بالاتحاد السوفياتي ومصر، لهذا كان الملك الحسن الثاني رجلا ذكيا، رغم كونه كان ليبراليا مدعوما من الغرب (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا)، إلا أنه كانت له علاقات مثنية مع الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية، لذلك إن ضغوط هاتين الدولتين هي التي أوقفت الحرب قصد السماح للمفاوضات التي أعلنتها منظمة الوحدة الإفريقية، والتي كان المغرب أحد المؤسسين لها.
لكن ما هي الخلفيات الحقيقة التي أدت إلى نشوب حرب الرمال؟ وكيف انقلبت القيادة الجزائرية على جاره المغرب الذي ساهم بنسبة كبيرة في حصوله على الاستقلال؟ وما هي الخطوات التي لجأ إليها الحسن الثاني حتى لا تقوم هناك حربا مع الجزائر؟
أسباب الحقد الجزائري على المملكة المغربية
منذ استقلال المغرب، ظلت أنظار السلطان محمد الخامس والحركة الوطنية مسلطة على الجزائر، التي كانت آنذاك ما تزال تحت نير الاستعمار الفرنسي.. كان اهتمام المغاربة وقتذاك منصبا على توفير الدعم اللوجيستيكي للجزائريين للانفلات من الكماشة الفرنسية. ففي القاعدة العسكرية بمكناس، كان السلاح الروسي الذي تقتنيه قيادة الثورة الجزائرية يفد إليها باستمرار، كما كان الربابنة الجزائريون يتدربون من خلال الطيران العسكري بالقاعدة المغربية، بل إن المملكة كانت تساهم من ميزانيتها في اقتناء الأسلحة ونقلها إلى البلد الجار، ناهيك عن مساعدة المغرب آنذاك للجزائر على شراء باخرة "الأسطوم"، قبل أن تتحول مدينة وجدة على الحدود الشرقية إلى مأوى للمهاجرين الجزائريين، وفتحها لأبواب مستشفياتها لاستقبال الجرحى ومداواتهم، فضلا عن إيوائها للقيادة الجزائرية التي أطلق عليها مجموعة وجدة، إذ بمجرد دخولها إلى الجزائر اختيرت لتدير شؤون الحكم في الجزائر.
هذا الدعم الذي سهر عليه الملك الراحل محمد الخامس آنذاك، كلف المغرب قطع علاقته مع فرنسا مما تحمل معها أضرارا مادة بالغة الأهمية، تجلت في فقدانه للمعونة الفنية الفرنسية التي كانت البلاد – حسب المستشار الملكي الراحل عبد الهادي بوطالب، في أمس الحاجة إليها لتطوير بنياتها الأساسية.
إن التذكير بهذه المعطيات تبقى ذات مغزى عميق لفهم أسباب اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر، أو لنقل الوقوف على أسباب الحقد الجزائري على المملكة التي ظلت منذ عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر تمد يد العون لها كي تصبح دولة قائمة الذات، قبل أن ترد الجزائر الدين بهجمات شرسة على مواقع مغربية عبر ما سمي آنذاك بـ"استعراض العضلات".
عموما، بعد تتويج الدعم المغربي للبلد الجار بحصوله على الاستقلال في صيف 1962، شهدت الجزائر تناقضات داخلية أفرزت حربا أهلية كادت أن تطيح بالقيادة المركزية في الجزائر العاصمة، حيث حدث انقسام داخل قيادة جبهة التحرير الجزائرية، بالإضافة إلى بروز تكتلات سياسية، دفعت إحداها بقيادة الزعيم آيت أحمد إلى التمرد العسكري بمنطقة القبايل على الحكومة الشرعية، هذا الوضع كان المغرب يراقبه بنوع من التوجس، غير أن الملك الراحل الحسن الثاني، سيتخذ آنذاك موقفا حاسما بمناصرته للحكومة الجزائرية التي يقودها أحمد بن بلة، يقينا منه أن المغرب ينبغي له ألا يخوض في المشاكل الداخلية للجزائر، وأن يقوى روابطه مع الحكم الشرعي ممثلا في الحكومة الجزائرية، فكان أن أرسل أحمد بن بلة دعوة نقلها وزير الخارجية الجزائري إلى الحسن الثاني للقيام بزيارة لبلده، الأمر الذي لم يرفضه الملك، بل إنه ألغى زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية محدداً لها تاريخا آخر، من أجل منح الأسبقية لزيارة الجار الشرقي للمملكة.
فهل كانت هذه الزيارة التاريخية للملك إلى البلد الجار، عاملا في نشوب حرب الرمال التي اندلعت قبل تلبيته لدعوة بن بلة بأشهر معدودة؟
عندما قال بن بلة "المراركة حكرونا"
عندما حلق الملك الراحل الحسن الثاني في اتجاه الجزائر، كان يحمل هما واحدا، وهو مشكلة الحدود المغربية – الجزائرية التي ترتبت عن إلحاق فرنسا لأجزاء من التراب المغربي بالجزائر.
ونظرا للهم الذي كان يحمله الملك الحسن الثاني لمشكل الحدود، تأبط ملفا جيداً حافلا بالحجج التاريخية التي تؤكد مغربية الأراضي التي ضمتها فرنسا للتراب الجزائري، حيث تضمن خرائط ووثائق، ومعاهدات دولية، بل كان الملف الذي حمله الملك لمحاوره أحمد بن بلة يضم اعتراف فرنسا والحكومة الجزائرية المؤقتة بقيادة فرحات عباس بمغربية الأراضي المغتصبة.
قبل ذلك، حرص الحسن الثاني خلال هذه الزيارة على أن يترك انطباعا جيداً لدى القيادة الجزائرية، وأن تحس، بحسب عبد الهادي بوطالب "بدفء حرارة العواطف المخلصة التي يكنها لهم ملك المغرب (...) وأطلق للإعراب عنها بيده السخية المعطاءة، حيث حمل معه متنوع الهدايا، وكان من بينها 23 سيارة مرسديس من النوع الكبير، جاءت من مصانعها بألمانيا إلى المغرب ليلة الزيارة، فوضعها في خدمة الوزراء الجزائريين الثلاثة والعشرين الذين كانوا يشكلون حكومة بن بلة، كما حمل معه أسلحة مغربية آثر بها جيش الجزائر على جيشه" يقول بوطالب.
عند لقاء الحسن الثاني بالرئيس الجزائري أحمد بن بلة، فتح الملك مع محاوره مشكل الحدود المغربية – الجزائرية، فقال هذا الأخير وفق ما جاء على لسان الملك "هناك فعلا مشكل، خصوصا في ما يرجع لتندوف، إن هذا المشكل يشبه هوة سحيقة يستحيل تجاوزها، ولكن سنواصل الحديث في الموضوع، فأجبته (طيب ليكن ذلك)"، لم يكن للملك الذهاب مع بن بلة إلى أبعد من ذلك، فقد كان يرى بأن بن بلة يعيش وضعا سياسيا غير مستقر، "لقد كانت الجزائر ما تزال تغلي، وينبغي ألا ننسى بأن جميع المناطق العسكرية في داخل البلد لم تكن قد أعلنت ولاءها للحكم المركزي (...) أمام مشكلات بهذا الحجم لا ينبغي استعمال رد المخاطب، بل من الأفضل فسح المجال أمامه لكي ينضج قراره "يقول الحسن الثاني.
خلال الاجتماع ذاته، المغلق بين الملك وبن بلة، ثمة رواية أخرى جاءت على لسان وزير الأنباء المغربي آنذاك عبد الهادي بوطالب، ذلك أن الرئيس الجزائري "طلب من الملك أن يؤخر بحث موضوع الحدود إلى حين استكمال الجزائر إقامة المؤسسات الدستورية، وتسلمه مقاليد السلطة بوصفه رئيس الدولة الجزائرية المنتخب، مخاطبا بالأخص الملك بهذه العبارة الحافلة بالدلالات (ثِقوا أن الجزائريين لن يكونوا بطبيعة الحال مجرد وارثين للتركة الاستعمارية في موضوع الحدود المغربية الجزائرية)، وقد اطمأن جلالة الملك لهذا التعهد الصريح، خاصة وأن الرئيس بن بلة، أعلن في خطاب تنصبه أن حكومة تحترم وتضمن جميع ما أبرمته الحكومة المؤقتة الجزائرية من أوفاق".
وعلى الرغم من هذا التعهد، فإن العديد من الوزراء المغاربة – بعدما أطلعهم الملك على ما دار بينه وبين بن بلة – شككوا في نوايا الرئيس الجزائري، بخصوص مشكل الحدود، حيث اعتبروا عملية "التسويف" التي اعتمدها تهربا وتملصا، غير أن الملك الراحل، خاطب هؤلاء بأنه لا يشاطرهم الرأي، وأنه يتصور أن يلجأ بن بلة إلى الأسلوب الملتوي، وأنه يثق في حسن نيته، "إذ لا يعقل أن يكافئ المغرب على سنده الموصول للجزائر بالعمل على إدامة مشكلة الحدود قائمة، وبالأحرى أن يكون همه هو الاحتفاظ بأراض وأقاليم مغربية انتزعت من المغرب لدواع استعمارية يعلمها الرئيس الجزائري حق العلم ولا ينازع فيها" هكذا رد الحسن الثاني، لكن بعد العودة إلى المغرب، سيفاجئ الحسن الثاني بانقلاب في الموقف الجزائري، حيث شنت حكومة بن بلة حملة تشهير وقذف على المملكة، متهمة النظام المغربي بمساندة ثورة القبائل الجزائرية التي كانت تتمرد على الحكم المركزي، وبالسعي إلى زعزعة استقرار الجزائر، حينها أطلق بن بلة عبارته الشهيرة "المراركة حكرونا"، وقد كان ذلك منطلقا رئيسيا إلى اندلاع "حرب الرمال"، فكيف جرى سيناريو اندلاعها؟
هجوم بن بلة على النظام المغربي
لم يستسغ الملك الراحل الحسن الثاني إطلاق القيادة الجزائرية لوابل من التهم على المغرب، فسارع إلى احتواء الأزمة كي لا تتطور إلى الأسوأ، آنذاك كلف سفيره بالجزائر محمد عواد بالقيام باتصالات مع الرئيس الجزائري أحمد بن بلة قصد نفي كل التهم التي أطلقت حول المغرب، والتأكيد على أن المملكة تتطلع إلى عهد من الصفاء مع جارتها الشرقية.. بعد ذلك، اجتمع كل من وزير الخارجية آنذاك أحمد رضا اكديرة مع وزير خارجية الجزائر عبد العزيز بوتفليقة في وجدة، فصدر عنهما بلاغ مشترك يحث على الوفاق بين البلدين دون أن يتطرقا إلى مشكل الحدود الجزائرية – المغربية، لكن لم يمر كثير على هذا اللقاء ليستفيق المغاربة على خبر مهاجمة الجيش الجزائري غدرا لمركزين بـ "حاسي البيضا" و"تينجوب" الواقعتين على الحدود المغربية الجزائرية، واللتين كانتا ساعة الهجوم خاضعتين للنفوذ المغربي ومطوقة بحراسة مغربية، حيث راح ضحية هذا الهجوم العديد من القتلى. ساعتها عقد الملك الراحل الحسن الثاني مؤتمرا صحافيا بمراكش، قال فيه بمرارة "لم يترك المهاجمون الجزائريون للمغاربة الموجودين بالمركزيين المعتدى عليهما أي حظ للخروج منهما قبل قصفهما واحتلالهما، وفعلوا ذلك بدون إشعار مسبق، ولا إلفات لنظر السلطة المغربية إلى أن للجزائر مطلبا ما في الأرض وأن على من فيها أن يغادروها (...) أما هذا الهجوم الغادر لم يكن لدي سوى خيارين، أن يتسم رد فعلي بالقلق والانفعال، أو بالتعقل والاتزان"، وحسب ما ورد في هذا المؤتمر الصحافي، وضع الحسن الثاني رأسه بين يديه متسائلا "من المستفيد من هذه الجريمة؟ هل يعقل أن يعمد الرئيس بن بلة إلى القيام بمبادرة الهجوم على المغرب ويخلق لنفسه مشاكل خطيرة وهو الذي يعاني مشاكل داخلية من كل نوع؟".
بل إن استفزازات الجزائر، تمادت إلى حد التصعيد، حيث قام الجيش الجزائري وفق مصادر رسمية بشن هجوم مباغت على مركز "إيش" العسكري الذي يبعد عن شمال شرق مدينة فكيك بخمسين كيلومترا، والذي كانت تحرسه قوات مغربية تتوفر آنذاك على سلاح خفيف فقط، هذا في الوقت الذي كان منفذي الهجوم الجزائري يتوفرون على أسلحة ثقيلة، وحسب ذات المعطيات، إن الطيران العسكري الجزائري آنذاك شارك في هذا الهجوم على منطقة "تندرارة" التابعة إداريا لإقليم وجدة، لذلك أصبح الجيش الجزائري وفق ما عبر عنه مسؤول مغربي ممن أداروا المفاوضات مع الجزائر، يستعرض عضلاته داخل التراب المغربي، مخترقا بشكل سافر السيادة المغربية.
أمام هذا الوضع لم يجد الحسن الثاني بدا من إرسال برقية إلى بن بلة أعرب فيها عن غضبه ومحتجا فيها على العدوان الجزائري، حيث خاطبه "بوصفكم المسؤول الأول عن مصير الجزائر ومستقبل شعبها، لا يمكنكم أن تقدروا حجم العدوان المرتكب، وأن لا تحسبوا عواقبه"، ونبه الحسن الثاني بن بلة إلى أن الاتجاه الذي تسير فيه الجزائر بارتكابها للعدوان على التراب المغربي لن يساعد على خلق جو ملائم للبحث عن حل لمشاكل البلدين عن طريق التفاوض والحوار المباشر، لذلك – يقول الحسن الثاني في ذات البرقية مخاطبا بن بلة" نناشد مرة أخرى المسؤولين الجزائريين أن يرتفعوا فوق الاعتبارات العاطفية، ويتحكموا في انفعالاتهم، وأن يأخذوا بعين الاعتبار الأجيال الحاضرة والمقبلة محكوم عليها ليس فقط بالارتباط بعلاقات تطبعها السلم، ولكن أيضا بالارتباط بعلاقات التعاون الأخوي لتشييد مستقبلنا المشترك"، قبل أن يختم برقيته بنبرة غاضبة، نقول هذا ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات وجميع الأوضاع بجميع الوسائل الملائمة"، كان الحسن الثاني آنذاك قد اقتنع بأن الحل العسكري قد يكون رادعا لاستفزازات الجزائر، لكن وبالرغم من كل هذه المضايقات، وتجاهل بن بلة مضمون برقية الملك، أصر على أن يسلك القناة الدبلوماسية، كورقة أخيرة، حيث بعث الحسن الثاني وفد مكونا من الحاج أحمد بلا فريج وعبد الهادي بوطالب لفتح حوار مع الرئيس بن بلة، غير أن هذا الأخير كان يعتبر المغرب مسؤولا عن أحداث الحدود. لم يستسلم الملك، فعاد ليرسل هذه المرة مدير ديوانه العسكري الكومندان محمد المذبوح ووزيره في الإعلام عبد الهادي بوطالب لتحسيس بن بلة بخطورة الموقف، وقد قال الحسن الثاني آنذاك "استدعيت وزيري في الإعلام السيد عبد الهادي بوطالب ومدير ديوانه العسكري وقلت لهما: (اذهبا للتحدث باسمي لدى الرئيس بن بلة وأطلعاه على الخريطة، وقولا له إن "حاسي البيضا" و"تينجوب" كانتا دائما ترابين مغربيين لا نزاع عليهما)"، وقد كان المذبوح آنذاك مكلفا بالحديث إلى الرئيس الجزائري عن ظروف الهجوم العدواني على المناطق المغربية والسلاح المستعمل فيه وكذا تجهيزات الفرقة العسكرية الجزائرية المنفذة للهجوم، لكن بن بلة أبدى تجاهلا للوفد المغربي، غير أن القشة التي قصمت ظهر البعير، هو ما نقله عبد الهادي بوطالب إلى الحسن الثاني حول ما جرى بينه وبين المذبوح وبن بلة، يقول بوطالب عن ذلك "لم يقدم الرئيس اعتذاراً عما حصل، ولم يقل كلمة واحدة عن ضحايا العدوان المغاربة، ولم يطلب مني أن أنقل لجلالة الملك أية عبارة للمواساة والعزاء في الضحايا، بل في انفعال مثير قال "إن مشكلة الحدود مشكلة وهمية ويجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها في المستقبل"، وحسب بوطالب إن من الأسباب التي أدت بالرد المغربي على الهجوم العسكري، هو قول بن بلة للوفد المغربي "على النظام الملكي المغربي أن يواجه مشاكله الداخلية، وأن يعلم أن النظام الجزائري حصين ومنيع، ولا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه"، وقد كان هذا الحديث المستفز وحده كافيا لتعطيل لغة الحوار واستبدالها بلغة السلاح.