عائلة ورفاق وأصدقاء.. كلمات للعظة والعبر في الذكرى الأربعينية لرحيل الفقيد رشيد نزهري
الكاتب :
"الغد 24"
ستبقى في قلوبنا
عزيزة عصام
وداعا يا رفيق عمري. يا من بقي وفيا لمبادئه ولم يتخلَّ عنها ولو مرة واحدة. يا من عاش برأس مرفوع وكافح وناضل حتى آخر رمق في حياته. حتى في خضم الألم والاحتضار كان يفكر في الآخرين.. إلى اللقاء في عالم أفضل...
عليك سلام الله يا أخي الرشيد وعلى والدتنا الحاجة خدوج
عبد الغني نزهري
في يوم لم أترقبه فاجأني النعي الٱليم في أخي وعزيزي وقرة عيني المرحوم رشيد نزهري، فويل للزمن الذي فجع الأحباب والأصدقاء والرفاق بهذا المصاب، وهذا الخطب الجسيم الذي فتت الٱكباد وأذاب الأجساد ورزأ الخلان بهذه الأشجان،فٱمطري يا عين بدل الدموع دماء، إذ كان المرحوم من أجلّ الناس اعتبارا وأعظمهم أدبا وعلما وأكرمهم خلقا وحلما وأحسنهم لطفا وظرفا.
عليك سلام الله يا أخي الرشيد وعلى والدتنا الحاجة خدوج التي تحل ذكرى ٱربعينيتها في هذا اليوم الجمعة، وسلام الله على أبينا الحاج حمان وحياكم في كل روح وريحان، الأمر لله وصبرا على ما شاءه فهو العزيز الحكيم، أسأله سبحانه وتعالى أن يمطر على جسدك طيب الرحمة والغفران ويسكنك فسيح جنانه ويفيض عليك سجال رحمته ورضوانه ويلهم قلوب عاءلته الصغيرة والكبيرة ولرفاقه وأصدقائه جميل الصبر والسلوان.
باسمي أنا الأخ الأكبر والابن البكر للمرحومين الحاج حمان نزهري والحاجة خدوج بوزيان ونيابة عن أفراد عائلة المرحوم رشيد نزهري أقدم تحية الشكر لكل من واسانا وشاطرنا الحزن ونطلب من الله أن يكون وسيلة لاكتساب الأجر في الأخرى. والله سبحانه وتعالى ولي الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.
رسالة إلى فقيد الأسرة والوطن أخي رشيد نزهري بمناسبة أربعينيته
حكيم نزهري
... سلام عليك أيها الشقيق الرفيق والصديق الحميم، فمذ فارقتني فرقت بين أنسي ونفسي، بين روحي وجسمي، ولا عجب من صورتك التي لاتفارق عيني ولا عجب إذا كنت أغدو وأروح فالطير يمشي من الألم وهو مذبوح، إني أشكو من ألم الوحشة غراما لا يشعر به إلا من ذاق حلو أنسك وعرف مقدار نفسك وشاهد جمال لطفك ورأى كمال أدبك وظرفك...
شخصك كان نورا لعيني، حديثك كان سرورا لفؤادي، صفاتك ترويحا لروحي وكرم خلقك تفريجا لنفسي، إنك ماثل في قلبي دائما نصب عيني، لن أنساك ما حييت،جسمي معي غير أن روحي عندك، فالجسم في غربة والروح في قبرك، آه لو استطعت أن أجعل تلك الحفرة قلبي يحضنك...
لقد عشت نقيا وذهبت نقيا، لقد أدهشني أنهم غسلوك بالرغم من كورونا، وما غسلوك إلا بوابل دمعي الهتون، وكفنوك وما كفنوك إلا بلفائف قلبي المحزون، وشيعوك وما شيعوك إلا ببقية عقلي المتصدع القريب من الجنون، ثم أودعوك تحت أطباق الثرى، وكان أحرى أن يضعوك بين حنايا أضالعي...
إلى الله مآبك يا من علمتني وحبّبت لي حب الوطن، إلى الله مآبك أيها الزهر الذي قطفه الموت وترك استنشاقي للحياة دون رائحة، برد الله ثراك أخي، وأكرم مثواك، وأعدك في هذا اليوم أن تكون ذكراك تستحق التكريم بما يليق بك بحضور رفاقك وأصدقائك وأحبتك وأسرتك، وأعدك لإخراج سيرتك التي خططها بقلمك إلى الوجود، ولنطلب الله تعالى أن يزيح هذا الوباء على البشرية جمعاء، وأن يفيض على الفقيد سحائب الرحمة والرضوان.
وداعا أيها الطيب لن أنسى دعواتك لي ودعمك المتكرر
بهية بنخار
المحامي بهيئة مراكش د.رشيد نزهري هو جار حي زاوية الحضر الولاَّدَة وصديق العائلة (حتى من قبل أن أفتح عيني)، حيث تقاسم مع أخوالي وأبي وأمي وكل جيل رفاق الأمس، التاريخ المشترك والهم المشترك والنضال المشترك والحلم المشترك بمغرب مشرق بعيش كريم موسوم بالعدالة الاجتماعية وبالكرامة، بوطن الحرية وبوطن يتسع للجميع وبوطن كبرنا على فكرته وعلى فخر الانتماء إليه والإخلاص له ولأبنائه...
تربينا على قيم النضال التي لقنها لنا هذا الجيل من المناضلين الذين نحترمهم جداً ونحزن كثيراً لفراقهم ولخسارتهم.. فالوطن يحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى للمواطنين الشرفاء والمخلصين، همهم الوحيد أن يكون مغربنا بألف خير، لا يعرفون للوصولية طريقا ويتسمون بالثقافة والنزاهة ورجاحة العقل والحكمة والاستقامة ونكران الذات...
اليوم واحد من هؤلاء، المناضل الفذ والمثقف والإنسان الإنساني والخلوق يترجل عن صهوة الحياة بعد إصابته بالفيروس اللعين.. لروحه الطيبة ألف سلام... وخالص العزاء لزوجته وفلذات كبده وأسرته الكبيرة وكل أصدقائه ومحبيه ومعارفه... ألهمنا الله جميعا الصبر ورزقه جنان الخلد..
وداعا أيها الطيب، لن أنسى رسائلك لي في أكثر من محطة، لن أنسى دعواتك لي ودعمك المتكرر...
واجب الذاكرة.. إزاء رشيد النزهري والآخرين
محمد الخدادي
رشيد النزهري، الإنسان الناعم في العلاقات الإنسانية، والصلب في المواقف المبدئية.
في آخر حديث بيني وبينه على الفايسبوك قبل حوالي شهر، ذكّرته بحمامة السجن المركزي في القنيطرة، فابتهج لذلك كثيرا... كما كان دائما في الحياة مبتهجا... (يا لغدر ووجع هذه الـ"كان"!)
في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وقعت في ساحة السجن المركزي بالقنيطرة حمامة جريحة بلون يميل إلى الحمرة، اعتنى بها إلى أن تعافت، وبعد ذلك جلبت له العائلة شريكا لها، فتوالدا، وسار في السجن سرب من الحمام.
حكم عليه بعشرين سنة سجنا، أكمل دراسته في السجن وأُطلق سراحه في صيف 1984، فانتسب إلى المحاماة في هيئة مراكش.
وجه آخر يرحل من مجموعة محاكمة الدارالبيضاء في يناير 1977، للمعتقلين السياسيين من اليسار السبعيني، صاحب تجربة الحلم والأمل. ولو أن عبد القادر الشاوي، واحد من صنّاعها، سماها "تجربة الحلم والغبار".
خلال الاعتقال السري والسجن:
عبد اللطيف زروال: توفي في نونبر 1974 تحت التعذيب في درب مولاي الشريف، بعدما نُقل إلى مستشفى ابن سينا بالرباط تحت اسم مزيف. ومازال مصيره مجهولا.
سعيدة المنبهي: توفيت بسبب الإهمال في دجنبر 1977، في اليوم 36 من إضراب للمجموعة عن الطعام دام 45 يوما.
رحال جبيهة: توفي في أكتوبر 1979 بسكتة قلبية، خلال محاولة فرار أثناء فترة علاج في مستشفى ابن سينا بالرباط.
بعد الإفراج بعفو أو بانتهاء مدة الحكم:
محمد مداد (حادثة سير).
عبد السلام لمودن (حادثة سير في ظروف مشبوهة).
مصطفى وهّام
محمد منفق
محمد نجيب اللبناني
إبراهيم امنّاي
عبد الفتاح فاكهاني
عبد العالي اليزمي
حسن البو
ميلود الشديني
مصطفى الخطابي
الغازي كَرطاط
أبرهام السرفاتي
إدريس بنزكري
فريد الحداد
عبد العزيز مريد
محمد موفق
العربي العلمي
أحمد الفصاص
محمد معروف
عزيز الوديع
حميد الدكالي
محمد بنعميّر المساري
رشيد نزهري
حمامة الرفاق
عبد الجليل الأزدي
"اليوم بكت الحمامة".. بهذه العبارة الافتتاحية يستهل الرفيق عبد اللطيف ازريكم تدوينته في تأبين رفيقنا جميعا: الأستاذ رشيد نزهري المعتقل السياسي السابق والمحامي بهيئة مراكش.
وقد يعتقد بعض من يقرأ هذه الجملة الافتتاحية أن هذا المنشور التأبيني الذي سطرته يد المناضل والكاتب والناشط الجمعوي عبد اللطيف ازريكم يَستثمر لحسابه الخاص البيت الشعري القديم، أي بيت أبي العلاء المعري:
أبكت تلكم الحمامة أم غنت☆☆على فرع غصنها المياد
فالكثير من الناس لا يعرف حمامتكم، لا يعرف حمامة رفاق السرفاتي، وحبذا صديقنا عبد اللطيف ازريكم لو استعدتم في هذا السياق الفاجع والمفجع حكاية حمامتكم كما سبق أن أوردتموها ضمن كتابكم...
فهي حكاية مناسبة تماما للسياق الذي نحن فيه، أي سياق فقدان واحد من خيرة مناضلي أبناء الشعب المغربي: رشيد نزهري؛ وتلك الحكاية، الحكاية مع الحمامة، تكشف في جانب منها نوعية الرجال الذين زج بهم في السجون زمن الجمر والرصاص والغبار...
تحية عالية للرفيق عبد اللطيف ازريكم، وشكرا على تضامنك معنا في لحظات الحزن والأسى التي نتقاسمها مع عائلة نزهري ومع أسرته الكبيرة: هيئة المحامين بمراكش
هو أنت حبلك للنجاة ووجعك الذي يحميك من طغيان عاصفة الضياع
عبد اللطيف ازريكم
استجابة لطلب د.عبد الجليل الازدي.. أقتطف هذا النص من كتابي (رقة الصخر).. لنستنشق معا عطر نبل رفيقنا وفقيدنا رشيد نزهري:
... كنا ننتظم في حلقات.. نعد طعام الفطور والغداء بالتناوب.. أعد خالد غداءنا فالتحقنا بالممر أمام زنزانته لنتغدى.. تدرج الحاجة حولنا في هدوء.. تلتقط ما شاءت من طعام. يستلقي خالد في قيلولة لذيذة. يحرك ميكانيكيا أصابع قدميه. تلاحظ الحاجة هذه الحركة العفوية فتستثار!
تنفش ريشها عارضة عقد ألوان ذهبية وزمردية لا تظهر إلا في استعراض مقصود لإبراز مفاتنها.. ترقص جناحيها تم تلقي بجسدها دفعة واحدة فوق قدم خالد.. تريد ملاعبته. نضحك كثيرا فأتهور -كالعادة- وأوّجه لخالد ملاحظة متخابثة. ينتفض كالملسوع، يغادرنا غاضبا ويغلق عليه باب الزنزانة. جرحتُ كبرياءَه دون قصد! دخلت عليه معتذرا ومؤكدا أنني ما قصدت إلا ممازحته.. فوجدته باكيا! عانقته وطلبت غفرانه.. سامحني.. ولكنه ما نسي أبدا...
مرت السنون واستعدنا "حريتنا" وفرّقت بيننا السبل.. وصار لكل منا شغل وبيت وأطفال وأصدقاء جدد ومشاكل من أجناس أخرى.. وفي لقاء حميمي، سيخاطبني وفي عينيه لمحة لوم خفيفة:
"لقد ظلمتني يا صديقي حينذاك! وصعب علي هضم إشارتك المتخابثة.. خصوصا وقد كنا سريعي العطب!...".
كنا وما زلنا.. فمعذرة أيها الرفيق.
كثيرا ما ننفعل لأتفه الأسباب.. تصارعنا، تشابكنا أحيانا، تنابزنا وتبادلنا أذقع الشتاىًم . كنا نحيل الحبة قبة فسيحة الأرجاء عالية الأبراج! كانت حساسيتنا فوق الإفراط.. وتخطى استنفارنا حدود المبالغة.. كنا لا نستقر على جنب.. أحيانا براميل بارود قرب نار مستعرة.. أحيانا جداول لطف رقراقة وأنهار محبة منسابة! نبكي ونحزن في الخفاء، نغني، نرقص ونتقافز كالنسانيس.. ننفجر حيوية ونشاطا ثم ننقلب إلى ركام ورماد هامد لننهض شعلة جامحة. تخاصم رفيقك لتعانقه بعد حين ثم تخاصمه وتعانقه من جديد! تستنفر غضبك إن مسه الهواء! هو حبلك للنجاة وأنت أداة تفريغ ووسيلة تسكين ألم يترصده بإصرار! هو وجعك الذي يحميك من طغيان عاصفة الضياع! هو أنت.. تكره نفسك فيه.. تحبها فيه.. وتعلم أنك من غير نفسك (هو) هباء.. تذروك ريح البطش وترقص فوق أشلاء بقاياك!...
(ص42/43)
هو الطيبوبة متجلية هو اللطف مجسدا هو الإنسانية متدفقة
راهنت على قدرتك على المقاومة، على التحمل، على الصبر.
راهنت على إرادة الحياة التي سكنتك دائما، على تشبتك الدائم بالأمل، لكنني خسرت الرهان.
رشيد نزهري هو الطيبوبة متجلية، هو اللطف مجسدا، هو الإنسانية متدفقة، هو الصدق متجليا، هو كل هذا وغيره من الصفات الحسنة، التي قلما تجتمع في شخص. اسالوا عنه من عايشوه في المعتقل والسجن لأكثر من عقد من الزمن، ومن كسبوا صداقته ورفقته خارج الأسوار. فيه كثير من الصدق والبراءة الذي جعله يحظى بحب وتقدير الجميع، ممن اتفقوا أو اختلفوا معه.
تحضرني ضحكتك الآن وتشعرني بالفقد، بالعبث حتى.
وداعا رفيقي، صديقي عزيزي، لن أشاغبك بعد الآن ولن أحكي لك نكتا جديدة.
تعازي القلبية لأسرتك التي فقدت فيك الأب والإنسان، وأتمنى أن يخرج كل أفرادها من هذه المحنة سالمين.
الفيروس اللعين يختطف منا أعز الناس، فلننتبه ولننبه، الإصابة به ليست بعيدة.
نزهري لم يمت.. فقط ضرب لنا موعدا وغاب
صلاح الوديع
لا أحب النعي ولا التعازي. أتجاهلها. أُجفل وأتصرف كأنني لم أسمع ولم أقرأ ولم أرَ. كأنني أشفق على كبدي من الصدمات...لكنني لم أتمالك نفسي اليوم.
هذا الجميل. الودود. الخدوم. الدمث الخلق. الصادق. المتواضع. المبتسم على الدوام. صاحب النكتة الثاقبة. المحب. عاشق الحياة. المعتز بكرامته كانسياب النسيم. المحصن ضد الأحقاد. الصامد في وجه العسف. اللطيف عند الاختلاف. صديق الحمام، أكثر الكائنات شاعرية...
هو ذاك. لكل من عرفه فأحبه بلا حدود. هو ذاك لكل من جاوره في السجون أو في العمل السياسي أو في الحياة.
رشيد ذو القلب الطافح بالود.
رشيد نزهري الذي مضى إلى حيث الأبدية.
رشيد نزهري الذي استأثر به الوباء اللعين، الذي يضرب خبط عشواء. لا نعرف على من الدور غدا.
لا. لم يمت رشيد. هو فقط ضرب لنا موعدا وغاب.
وترك إرث المحبة فينا جدولا رقراقا لا ينضب.
إلى اللقاء صديقي الرائع.
لا أقول: كم أحببناك...
إلى أن نلتقي أقول لك مرات ومرات: كم أحبك. كم نحبك...
مضيت بعيدا يا جميل الروح والقلب يا رفيقي
حسن شيكار
انتظرت حتى تهدأ عواصف الحزن وتحط رحالها مواكب الدموع
فالكلمات لا تجد معناها سوى في وضوح القلب
بعيدا عن غبار رثاء ليل منفعل بالصعقة
فالموت يا صاحبي سفرٌ يعيدنا لنقطة البداية
يعيدنا لرحم الأرض التي منها نولد وإليها نعود
لننام ونستريح من عبث حياة لا جدوى منها
سوى مضاجعة الحلم وابتكار فعل الجنون
لنتمرد على زيفها
فالحقيقة هي أنت يا رشيد ونحن الوهم
سأودعك بهذا الهدوء الذي عهدته فيك
وأنت في أقصى حزن البلاد
تحمل جرحك صامتا
كصوفي عانق حكمة الآلهة
ركب المستحيل في زمن الممكنات الخائنات
كنت الأصيل الواقف رغم الانكسار
لن أبكيك رغم قسوة الرحيل وسطوة الموت عليك في غفلة منا
سأحتفظ بضحكتك المعتقة
سأغنيك على مقام الحنين
لأنك راسخ كحجر النهر الذي لا يخون أبدا
إن تبخرّت مياه النسيان
لن أودعك
لأنني قادم إليك
حاملاً إليك قيثارتي وأشعاري
لن أترك لهم مني أي شيء منك
سوى أسئلة غامضة
كتلك التي تركتها لنا ومضيت بعيدا يا جميل الروح والقلب يا رفيقي..
برفقة رشيد في أول ليلة يمضيها خارج أسوار السجن المركزي
محمد الهجابي
في بدايات الثمانينيات، كنت ضمن الوفد الذي استقبل فقيدنا جميعا المناضل المقتدر والرجل الطيب والمحامي المائز رشيد نزهري عند البوابة البرانية للسجن المركزي بالقنيطرة بعدما قضى أزيد من عقد من السنين داخل عنابره برسم انتمائه السياسي إلى منظمة 23 مارس المغربية.
وفي المساء من اليوم نفسه، انتقلنا برفيقنا أنا والصديق أحمد شوقي بنيوب إلى شقة صغيرة بزنقة وادي سبو بمركب سكني رقم 30 بحي أكدال بالرباط، وهي الليلة الأولى التي سيمضيها رفيقنا رشيد خارج أسوار السجن.
أذكر أننا في الليلة المشهودة تلك لم نتحادث عن طبيعة السجن وأهواله بقدر ما وسعنا الكلام في ما تبدل من أحوال مدينة الرباط وما لم يمسسه الزمن بتغيير.
كان الفقيد يصغي باهتمام. لم تمكنه الظلمة النازلة يومها من إدراك حقيقة اللحظة التي كانت تمر منها دخيلته في كامل حيزاتها وقد ترك، بعد حين، الأسوار خلفه هناك بالقنيطرة. أذكر أسئلته عن هذا المكان أو ذاك.
في تلك الليلة لم ننم مبكراً. كان رشيد يتجه، من وقت إلى آخر، نحو البالكون ليرفع عينيه إلى السماء المرقشة بنجوم. ماذا كان رشيد يشاهد؟ وهل كان يتوسل في ذلك بعينه البرانية أم بعينه الجوانية؟ وهل نام رشيد تلك الليلة؟ أقصد هل أثقل النوم جفنيه فنام؟
أبكر رشيد إلى البالكون في اليوم التالي. شاهدته من خلل زجاج البالكون يدفع بنصف جسده الهزيل والناخص إلى الأمام يروز المكان ناقلاً بصره بين حدي زنقة وادي سبو وبين البيوتات في الضفة الأخرى. ترى ماذا كان يدور في بال الرجل؟ وحينما زايلنا الشقة إلى شارع فرنسا لكي نأخذ وجبة فطور بمقهى قريب من محطة القطار المدينة، ولربما كانت مقهى السفراء، جرى أن خالف الفقيد الصعود إلى حافلة الأطوبيس، إذ بادر إلى الصعود من الباب الخلف – وفق ما جرت به العادة في السبعينيات – بينما بات الصعود من الباب الأمام مثلما أفتت به أحوال الثمانينيات! وكانت تلك أولى الطرائف التي وقفنا عليها أنا وشوقي بنيوب ونحن نفسر للفقيد الأحوال الطارئة في عهده الجديد ذاك؟ كان مقر جريدة أنوال، قبالة مقهى الباهية بشارع محمد الخامس، هو المحطة التالية حيث احتشد الرفاق لكي يبصموا على تلك اللحظة التاريخية بما تمثله من رمزية في تاريخ المنظمة واليسار المغربي بعامة.
للفقيد مكانة خاصة في دخيلتي شخصياً؛ وهي المكانة عينها التي يحتلها في نفس كل من صاحبه وجايله وخادنه ورافقه وتعرف إليه. وها إن “كورونا” تغدر بنا فتسلبه منا على حين غرة. كورونا لم تختطف منا رفيقاً عزيزاً فقط وإنما، إلى ذلك، سلبت منا، للأسف، ذاكرة هي جزء من ذاكرتنا الجماعية والمشتركة.
باعتقاله والزج به في السجن في السبعينيات يكون رشيد نزهري قد منح قسطاً وافراً من شبابه من أجل الوطن والخبز والديمقراطية؛ الوطن بما يعنيه من وحدة ترابية، والخبز بما يدل عليه من حقوق شعبية اجتماعية واقتصادية، والديمقراطية بما تحيل عليه من مواطنة ومؤسسات وسياسة. وبامتهانه لمهنة المحاماة يكون رشيد قد كرس وقتاً من كهولته للدفاع عن القانون ودولة القانون.
كان الرجل مكافحاً وصبوراً. لم تكن الابتسامة تفارق محياه. أنت ترى رشيد فترى الابتسامة تسبقه إليك مدفوعة بذراعين ممدودين على وسعهما. كان رجلاً حيياً وحبوباً يجد سبيله بسهولة نحو القلوب والأفئدة والمهج. منذ ولج الفضاء الأزرق لم يترك الفقيد فرصة لكي يمد اليد بالمصافحة والتهنئة والترحيب والمؤازرة والمواساة والتشجيع. وتلكم من شمائله وخصاله الحميدة الضاربة. كم سنفتقدك أيها العزيز ! لم نكن ننتظر هذا الخبر الفاجع والصادم. حقاً لم نكن ننتظره.
لم تكن ابتسامة تفارقه.. رغم ما عاناه من اختطاف واعتقال
عبد الغني القباج
أمام هول الفاجعة، لم أصدق رحيل الصديق والرفيق رشيد نزهري
إنسان طيب.. كلما التقيته في الشارع يعانقني بابتسامة لا تفارقه.. رغم ما عاناه من اختطاف واعتقال..
جمعتنا علاقة نضالية في قواعد منظمة 23 مارس سنة 1972.. في الرباط مع مجموعة من المناضلين الطلبة المراكشيين إبراهيم بنسعيد، والراحل عبد الله لمرابط، وأحمد راكز...
وافتقدته في بداية 1975 بعد أن تم اختطافه من طرف البوليس السري.. هو وعدة رفاق ورفيقات.. في مركز الاعتقال السري درب م.الشريف.. مع أنبل وأصدق المناضلين والمناضلات.. في منتصف السبعينيات..
بعد مراحل السجن التي طالت أغلب مناضلي ومناضلات تنظيمات الماركسية اللنينية (23 مارس، إلى الأمام، لتخدم الشعب...)...
بعد مراحل الاختطاف والاعتقال.. جمعتنا مدينة مراكش.. ومنذ سنوات التسعينيات تجمعنا الصدفة في فضاء/حانة محمود.. مع بعض الرفاق والأصدقاء أو في مقهى نيكوسيان.. أو في شارع محمد V...
كانت ملامحه تعلوها الدهشة والابتسامة.. كلما تحاورنا..
لم أر قط الرفيق نزهري يوما غاضبا أو تتملكه النرفزة..
لروحك رفيقي وصديقي السلام ولأسرته الصبر...
أمثال الرفيق رشيد كانوا حكماء لكي يمنعوا انتصار الجلاد
الحبيب التيتي
وداعا رشيد وداعا رفيقي نزهري
اليوم نودع الرفيق رشيد نزهري. اليوم تبكيه معارفه ويغتم لفراقه كل من تعرف عن قرب أو بعد على هذا الرجل الخلوق.
بالأمس كنا في نفس الخندق نحمل على أكتافنا سلاحنا الوحيد المتبقي لنا وهو أرواحنا لنقاتل جيوش نظام الحسن الثاني التي انفردت بنا في زنازن السجون والمعتقلات.
كنا رفاقا نناقش الكلمة ونعيد مناقشتها لكي نتفق على وضعها في مكانها الذي نريد ليصدر بيان مشترك للمعتقلين السياسيين يعلن عن إضراب عن الطعام أو يعلن عن توقيفه.
نظمنا الصمود أمام الجلاد وانتصرنا في جمع شمل مجموعتنا التي تم تشتيتها على عدة سجون.
نجحنا في خوض المعركة السياسية رغم اختلافاتنا السياسية.
كان النظام يراهن على نفخ الاختلافات لتنشب الحرب الأهلية لكن أمثال الرفيق رشيد كانوا حكماء لكي يمنعوا انتصار الجلاد.
دعوني أذكره بهذه الإيجابية لأن لها في أخلاقه ما يسمح بذكرها.
عزاؤنا واحد في فقدان رشيد نزهري في هذا اليوم الأغبر.
شهداء هذا الوطن الأبرار الذين لا يموتون
محمد أبوفكر
الأحد 27 أيلول (شتنبر) 2020 في الذكرى الأربعين لفجيعتنا فيك. أنت مازلت عشقا مزمنا تسكن فينا، أنت معنا هنا والآن. في ذكراك الأربعينية أخاطب أسرتك الكبيرة والصغيرة: عبد الغني، وسعيدة، وزهيرة، ونور الدين، وعبد الحكيم، ويوسف، وزوجتك عزيزة، وابنك أنيس وابنتك ريم.
في الذكرى الأربعين لفقدان الأخ والزوج والأب رشيد نزهري، تحسون وأحس ونحس بما خلفه هذا المصاب الجلل في نفوسنا من حزن وغم ولوعة، اختُطف في غفلة منا، ولم نتمكن كلنا من تشييعه إلى مثواه.
لوعتكم وحزنكم مضاعف بفقدان الركيزة الوالدة الفاضلة، ولم تستوف أربعين يوما حتى التحق بها ابنها البار وكأنهما عقدا موعدا سريا من مواعيد أيام نضاله لم يعرفه إلا هما...
حررت أمس مسودة هذه الكلمات التي رفضت كلماتها مطاوعتي، حسمت في اختيار العنوان، الكراسة التي كتبت عليها النص تركتها في الطبقة السفلى، مددت يدي إلى كتاب يعلو خمسة، فوق طاولة صغيرة بجانب السرير لأسند به الورقة، وقلم رصاص وورقة، أتعرفون ما اسم الكتاب.!؟
العشق المزمن (ديوان شعر لحكيمة الشاوي)، أدرت دفته وورقتين أخريين قرأت الأسطر الأولى في الإهداء، وبدون تردد اخترت وكتبت: إلى من سواني.. فألهمني العشق.. حتى الانتصار. وعلمني كيف أناضل.. وبإصرار.. إلى أبي المقاوم.. إلى شهداء هذا الوطن الأبرار الذين لا يموتون أبدا ويظلون يسكنون قلوب من يعشقون وفي كل المعارك يحضرون لكي يشهدوا...
ملأت آخر بياض في الورقة، حملت وريقاتي الصغيرة ونزلت لأرقن هذه الكلمات. لعائلته الكبيرة والصغيرة، ولرفيقاته ورفاقه وأصدقائه ومجايليه، ولزملائه في المهنة، ذكراه الأربعينية، سيقيمها محبوه بكل ما نحمله له من حب واحترام وتقدير، نم مطمئنا يا ذا القلب الكبير، كبر حبك لهذا الوطن...
رفيقك: محمد أبوفكر
مراكش المقبلات من الورد
حسن شيخاني
(بمناسبة أربعينية الراحل رشيد نزهري أبعث إليه بهذه القصيدة التي كان معجبا بها أشد الإعجاب)
جبل يرمي عروقا تمتص الدمعة من
أسفار زينب ومن أوراق شاعر أقسم أن يسأل:
مراكش
يا أيتها المدينة
ولدت في أي صحرا؟
ولدت في أي ليل؟
ولدت في أي حضن فيه شاخ ماؤك عيناك هل نامت نطفة الموت على حصير المرسطان الذي ختم اعترافاتك الأولى وصاحب شهوتك يا أيتها المدينة طهري أسوار التاج من ملح بول الراقصين على جثت السعد المعتقل في ذاكرة الذهب الذي أفقدته الملوحة المناعة يا أيتها المدينة وغطي قصيدتي بأهذاب دفأها فجر ما في سوالف المدينة من حروف الجمال وزينب تزيل عن جبينك الحشمة التي ورطك فيها الكبرياء السابق لأحمر الشفاه المطر من روح مزابل الغرب الذي أشرق غروبه متكئا على عكازة كسرها الشرق وصدر صقيعه وما صدئت راياته في عصر ينتعل مشية الحرية نحو حريتها الممتنعة غزالة تعبت من تعب مدينة أقسمت في أذني وفي ساحة جامع العشاق أن تشهد
مراكش يا أيتها المدينة
أجيبي اشتعال
لم؟ لم تركتني وحدي
ينهشني برد شوارع تشويني يد الفناء على المجامر لتصعد رائحة الدم شموخا يتلوى على جسد الكتبية مزقه عري الصراخ المستيقظ في الشرخ وشما للعار يحكي عن السبعة يحفر قبرا للحكاية الجديدة والسبعة سكنوا الوشم يحفرون فيه بيان الإدانة وقعه الصالون بعدد شعر المدينة شعرة شعرة
وكل شعرة بيان
وكل بيان إدانة
مراكش أيتها المدينة
عليك سأرمي حفنة حناء
عليك سأرمي حفنة كحل و
حفنة ثمر... عليك
يا... وطني
مراكش أيتها المدينة
سأعصر النهد وأقطر الحليب
على جرحك العالي
مراكش و. كيف لي الذهاب
من شهوة الكلام إلى لذة الوشم؟!
.... ....
مراكش أيتها المدينة
ولسعة شوك الجريد
أدمت طفولة الشعب في القلب
يعانق نخلة الصعود إلى عطر الثمر الخاسر في رحم شطابة تداعب العين رقراقة تعصر رذاذ دمع أحمر التدفق يرتطم بالسور المثقوب بشكيطو أطفال سكنوا وناموا لكنهم لم يعثروا على ما يثقب الهواء أو على
إبرة تخيط الخطوات الأولى إلى مخ النخلة.
مراكش
إليك أيتها المدينة
إليك تجرفنا رياح الشرق ترتطم بصخر الغرب تطير ابشظايا من مملكة الدم الحار غربانا تحط على سطوح قرطبة وتحيط بالغرب المدجج بأحدث الجماجم والعظام جالسا على الأمور
تجرنا المدن
من شرايين جمرتها الحالة المدنية
وتنفرد المدينة بي للتفاوض في من له الحق في التمرد...: مراكش... أم... أنا؟؟
تنفرد المدينة بي
لتقنع العالمين وتجرني مكرها إلى سرير التاريخ المفروش بالجريد المعطر بالشيح.
تنفرد المدينة بي
بعدما انفردت واتكأت على وسادة عظيمة في حجم قبر يوسف أخضر الحديث عن أطباق وموائد ولحم بشر وليال مزقها برد الخريف المتسكع... في مراكش.
تنفرد المدينة بي
بعدما هيأت الصدر لتفسح الشيح وانفلات الجريد نحو العالي تبارك الذي من طغيان عشقه أصوات الرمل المعجون بأصوات الطبول وشحت قلبه بالأزرق واجتاحت صمته ريح القول.
تنفرد المدينة بي
قبل أن تزهق روح المدينة.
تنفرد المدينة بي
في صناديق لاضطجاع الأفاعي والثعابين في علب الليل ترقص لنفخ الغيطة العملات الصعبة في تسابق يغري آخر سائحة تغري آخر الساعة التي أنت فيها.
تنفرد المدينة بي
في قعر المهراز أسحق فيه انتباهي
وأعجنه بزيت الروح حلوى تأكلني المدينة وقنديلا يضيء المكان المتسكع في درب الغبار الخريف القديم.
تنفرد المدينة بي
وتفرش لي حصيرا يذرني طيب عود الحصير بيوسف وعلي جلوسا على صينية المفاوضات بـ"تينمل"* وتسكب مراكش الشاي ويشرب المهدي وأكتب التقرير بالعود القماري أغطسه في حبر الورد وماء الزهر بعود الريحان يحكي عن العدنان المفقود في سجن تحريه الآلهة تقرأ عليه سورة العهد الطويل يا نجمة المدن الرجم للشياطين.
تنفرد المدينة بي
وزينب كحلت العين بغبار ذات مساء في ذات تاريخ لتغريني بفراستها في رقصة هوارة* أهدتني حبقا وغنبازا مطويا تحت الخمار تطل علي من تحته ومن فوقه تسقي اليابس وتحرق الأخضر.
تنفرد المدينة بي
ومراكش كسرت عماريتها عروسا قفزت من تل ناقة عرجاء ضيعت نجمة السبل الرملية بين اتجاهين لله وللريح ترعى في كتب الشوق إلى عين زينب.
تنفرد المدينة بي
تغسلني مراكش بخمرة الزنبوع
تصفع.. بقبلة جمر... خذ المساء
وتغني للأسرار دهشة اسم تعرى:
لؤلؤة من تراب
وزهرة في دولة الرمل
وتغني للقول حكاية الدة للأطفال
هي حكاية
هي أسوار للمهمشين من الماء
هي خزان للمكدس من الغضب في قعر المهراز
هي كوثر في صلاة
هي
كالوثر في الحنجرة.
.... ....
في مراكش /يناير 1990
المناضلون الصادقون أمثالك لا يموتون
إبراهيم أعراب
السي رشيد نزهري.. رحمه الله.. كان أول لقاء لي به في الرباط سنة 1974.. كان حينها في حالة هروب واختفاء من مطاردة دوزيام بيرو الخاص الذي كان يشرف عليه الجلاد الخُلطي، والذي أذاقنا أصناف التعذيب بكوميسارية بلاص بيتري في الرباط.. كان زبانية الخلطي حينها تتابع وتبحث عن أعضاء التنظيمين السريين 23 مارس وإلى الأمام، ومن ضمنهم الرفيق نزهري.. واستقبلناه في بيتنا الكائن قرب ثانوية المالقي ما بين العكاري وديور الجامع..
كانت الاعتقالات على أشدها وكنا ونحن نتلقى أخبار الاعتقالات من هنا وهناك.. نترقب بين الفينة والأخرى هجوما بوليسيا.. وفعلا حصل ذلك واعتقلنا، وكان معنا الرفيق المرحوم رشيد نزهري.. ولم يفلت منا إلا رفيق واحد.. لم يبت تلك الليلة في المنزل.. هل هي صدفة أم حاسته السادسة أخبرته.. لا داعي لذكر اسمه...
المهم.. قبل أن يتم اعتقالنا، قضى معنا المرحوم فترة كانت مناسبة لتعميق التعارف بيننا.. ثم فرق بيننا الاعتقال، كل والوجهة التي اقتيد إليها ولم نلتق لاحقا إلا في مراكش في كوميسارية جامع الفنا، حيث حينها تم تجميع عدد كبير من المناضلين المعتقلين.. لتبدأ عملية التحقيق وإعداد الملفات.. أو بالأصح طبخها.. لتحويل مناضلين شباب إلى انقلابيين يهددون أمن البلاد ويريدون إسقاط النظام... بينما الأعداء والانقلابيون الحقيقيون كانوا يتحينون الفرصة.. أقصد أوفقير والدليمي ومن معهما ممن كانوا يتآمرون سرا على البلاد والنظام الملكي وقدموا خيرة شباب المغرب من طلبة جامعيين وأطر قربانا لإظهار أنهم حماة الأمن والاستقرار والملكية.. وانكشفت المؤامرة لاحقا، وكانت سنوات الرصاص عنوان المرحلة.. وجاءت مرحلة الإنصاف والمصالحة.. لكن حقائق ما جرى ومصير بعض الضحايا والمختفين وتوصيات هيئة الإنصاف، كل هذا مازال قائما..
والرفيق النزهري ومعه مناضلو اليسار السبعيني عاشوا التجربة، منهم من رحل عنا ومنهم من مازال صامدا أو صامتا، ومنهم من أرهقه المرض وأخذت منه سنون الاعتقال الشيء الكثير من صحته..
تحية تقدير وإكبار للجميع، ورحم الله صديقنا رشيد نزهري، كان بشوشا حتى في لحظات الشدة والأزمة. وكان حلمه أو بالأحرى حلمنا جميعا أكبر من كل شدة ومن كل أزمة، حلم بمغرب أفضل وأجمل لكل أبنائه. وأظنه حتى في حال مرضه كان كذلك.. فماذا يسعني أن أقول في ذكرى أربعينيته.. ليس لي إلا أن أستعير ذلك التعبير الجميل الدي نستعمله غالبا حين يتعلق الأمر بمناضل ودعنا ورحل فأقول، من غير استئذان ترجلت ورحلت، فلروحك السلام.. والمناضلون الصادقون أمثالك لا يموتون...
أول كاتب عام لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي بمراكش المدينة
عزيز السيدي
لروحه السكينة والسلام والرحمة والمغفرة. ساقتصر على ذكر بعض ما جمعني بالفقيد الرفيق رشيد نزهري.. أولا هو ابن حينا وجارنا القريب... كان أول لقاء مباشر به بعد خروجه من السجن بعفو ملكي بعد محنة الاعتقال.. السياسي. وأتذكر أنه في الأيام الموالية لذاك، وبدعوة من أسرتي الخوان والوالدة.. تناول مأدبة غداء بمنزلنا رفقة ثلاثة معتقلين سابقين، ربما كان منهم صلاح الوديع، ووو، وأخي رشيد يذكرني، والمرة الثانية بعد أن نظمت لجنة منطقة مراكش لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي لقاء جماهيريا لاستقبال كل رفاق جهة مراكش... بعد المشاركة في الحملة الانتخابية سنة 1984... وامتدت العلاقة الإنسانية والرفاقية مع رشيد نزهري إلى أن تم تأسيس فرع مراكش المدينة لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وتم اختياره كاتبا عاما، وكنت إلى جانبه النائب الأول...
بعد ذلك، كانت لقاءات كثيرة سياسية وثقافة وترفيهية... وأتذكر أننا كأسر سافرنا بشكل مشترك لقضاء عطلة الصيف بمدينة أكادير، كان أنيس ابنه مازال صغيرا ربما 5 سنوات، وكانت ابتني في سنتها الثانية من ولادتها، ومن حسن حظنا كنا نجد المرحوم السي عبد العزيز طليمات مع أبنائه وزوجته الرفيقة سعيدة الوادي...
قضينا معه أياما جميلة وممتعة، وكنا نجتمع كأسر ونقضي أوقاتا جميلة ومتنوعة بين الشاطئ وفضاءات المدينة الجميلة...
رحم الله رشيد نزهري، وذكراه ستبقى حية في داواخلنا.. الصبر والسلوان لعائلته ورفاقه وأسرته الصغيرة...