(بمناسبة أربعينية الراحل رشيد نزهري أبعث إليه بهذه القصيدة التي كان معجبا بها أشد الإعجاب)
جبل يرمي عروقا تمتص الدمعة من
أسفار زينب و من أوراق شاعر أقسم أن يسأل:
مراكش
يا أيتها المدينة
ولدت في أي صحرا؟
ولدت في أي ليل؟
ولدت في أي حضن فيه شاخ ماؤك عيناك هل نامت نطفة الموت على حصير المرسطان الذي ختم اعترافاتك الأولى وصاحب شهوتك يا أيتها المدينة طهري أسوار التاج من ملح بول الراقصين على جثت السعد المعتقل في ذاكرة الذهب الذي أفقدته الملوحة المناعة يا أيتها المدينة وغطي قصيدتي بأهذاب دفأها فجر ما في سوالف المدينة من حروف الجمال وزينب تزيل عن جبينك الحشمة التي ورطك فيها الكبرياء السابق لأحمر الشفاه المطر من روح مزابل الغرب الذي أشرق غروبه متكئا على عكازة كسرها الشرق وصدر صقيعه وما صدئت راياته في عصر ينتعل مشية الحرية نحو حريتها الممتنعة غزالة تعبت من تعب مدينة أقسمت في أذني وفي ساحة جامع العشاق أن تشهد
مراكش يا أيتها المدينة
أجيبي اشتعال
لم؟ لم تركتني وحدي
ينهشني برد شوارع تشويني يد الفناء على المجامر لتصعد رائحة الدم شموخا يتلوى على جسد الكتبية مزقه عري الصراخ المستيقظ في الشرخ وشما للعار يحكي عن السبعة يحفر قبرا للحكاية الجديدة والسبعة سكنوا الوشم يحفرون فيه بيان الإدانة وقعه الصالون بعدد شعر المدينة شعرة شعرة
وكل شعرة بيان
وكل بيان إدانة
مراكش أيتها المدينة
عليك سأرمي حفنة حناء
عليك سأرمي حفنة كحل و
حفنة ثمر... عليك
يا... وطني
مراكش أيتها المدينة
سأعصر النهد وأقطر الحليب
على جرحك العالي
مراكش و. كيف لي الذهاب
من شهوة الكلام إلى لذة الوشم؟!
.... ....
مراكش أيتها المدينة
ولسعة شوك الجريد
أدمت طفولة الشعب في القلب
يعانق نخلة الصعود إلى عطر الثمر الخاسر في رحم شطابة تداعب العين رقراقة تعصر رذاذ دمع أحمر التدفق يرتطم بالسور المثقوب بشكيطو أطفال سكنوا وناموا لكنهم لم يعثروا على ما يثقب الهواء أو على
إبرة تخيط الخطوات الأولى إلى مخ النخلة.
مراكش
إليك أيتها المدينة
إليك تجرفنا رياح الشرق ترتطم بصخر الغرب تطير ابشظايا من مملكة الدم الحار غربانا تحط على سطوح قرطبة وتحيط بالغرب المدجج بأحدث الجماجم والعظام جالسا على الأمور
تجرنا المدن
من شرايين جمرتها الحالة المدنية
وتنفرد المدينة بي للتفاوض في من له الحق في التمرد...: مراكش... أم... أنا؟؟
تنفرد المدينة بي
لتقنع العالمين وتجرني مكرها إلى سرير التاريخ المفروش بالجريد المعطر بالشيح.
تنفرد المدينة بي
بعدما انفردت واتكأت على وسادة عظيمة في حجم قبر يوسف أخضر الحديث عن أطباق وموائد ولحم بشر وليال مزقها برد الخريف المتسكع... في مراكش.
تنفرد المدينة بي
بعدما هيأت الصدر لتفسح الشيح وانفلات الجريد نحو العالي تبارك الذي من طغيان عشقه أصوات الرمل المعجون بأصوات الطبول وشحت قلبه بالأزرق واجتاحت صمته ريح القول.
تنفرد المدينة بي
قبل أن تزهق روح المدينة.
تنفرد المدينة بي
في صناديق لاضطجاع الأفاعي والثعابين في علب الليل ترقص لنفخ الغيطة العملات الصعبة في تسابق يغري آخر سائحة تغري آخر الساعة التي أنت فيها.
تنفرد المدينة بي
في قعر المهراز أسحق فيه انتباهي
وأعجنه بزيت الروح حلوى تأكلني المدينة وقنديلا يضيء المكان المتسكع في درب الغبار الخريف القديم.
تنفرد المدينة بي
وتفرش لي حصيرا يذرني طيب عود الحصير بيوسف وعلي جلوسا على صينية المفاوضات بـ"تينمل" وتسكب مراكش الشاي ويشرب المهدي وأكتب التقرير بالعود القماري أغطسه في حبر الورد وماء الزهر بعود الريحان يحكي عن العدنان المفقود في سجن تحريه الآلهة تقرأ عليه سورة العهد الطويل يا نجمة المدن الرجم للشياطين.
تنفرد المدينة بي
وزينب كحلت العين بغبار ذات مساء في ذات تاريخ لتغريني بفراستها في رقصة هوارة أهدتني حبقا وغنبازا مطويا تحت الخمار تطل علي من تحته ومن فوقه تسقي اليابس وتحرق الأخضر.
تنفرد المدينة بي
ومراكش كسرت عماريتها عروسا قفزت من تل ناقة عرجاء ضيعت نجمة السبل الرملية بين اتجاهين لله وللريح ترعى في كتب الشوق إلى عين زينب.