الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة لدى وصوله إلى مقر الحوار الليبي في بوزنيقة

الحوار الليبي في بوزنيقة.. كواليس وصور وإخوان وسلفيون وخلافات وتفاهمات وصراعات

 
جلال مدني
 
انتهت، مساء أمس الأحد، الجولة الأولى من الحوار الليبي الليبي، الذي انطلق، بعد ظهر أمس، في مدينة بوزنيقة، وتواصل الحوار في جولة ثانية، منذ صباح اليوم الاثنين، على أمل أن يشكل أساسا لاتفاق ينهي الصراع في ليبيا.
 
المغرب وتسوية النزاعات
 
فيما أبدت عدة أطراف قريبة، بهذا الشكل أو ذاك، من الأزمة الليبية، تشاؤما من نتائج الحوار الليبي، أعربت الأطراف المعنية، والعديد من الدول على أملها الكبير في أن يتمكن المغرب من الوصول بالحوار إلى نتائج متقدمة لفائدة جميع الأطراف لاعتبارين أساسيين:
الأول أن المغرب يتمتع بتجربة في تسوية النزاعات، ويعتمد دبلوماسية هادئة في معالجة الأزمات، بعيدا عن المهاترات السياسية...
الثاني أن المغرب لا يحمل مقترحا محددا قد يجعل منه جزءا من الأزمة، وطرفا خارجيا متدخلا في أزمة داخلية، وإنما يحاول أن يقرب الشقة بين الطرفين الأساسيين في الأزمة الليبية، ومساعدتهما على الوصل إلى اتفاقات من شأنها أن تعطي دفعة لعملية السلام في ليبيا، التي يعتبر المغرب أن استقرارها هو من استقرار دول المنطقة.
 
بوريطة.. ديبلوماسي محنك
 
من العوامل المساعدة على الدفع بالحوار الليبي الليبي للوصول إلى نتائج مثمرة، وجود راع ووسيط بشخصية ناصر بوريطة، الذي يتمتع بروح وخصال "الوسيط"، بكل ما تتطلب من إجادة الاستماع والتكلم في الوقت المناسب وفعالية في الإقناع وحل المنازعات، ولعل أبرز نموذج عن هذه الشخصية المثيرة والمقبولة عند كل الأطراف ندرجه في واقعتين:
الأولى، عندما دب خلاف حول وجود سفيرين لليبيا، مما دعا إلى تأخير المحادثات، وبسرعة وبإقناع وجد بوريطة تخريجة كانت مقبولة من الطرفين سنعود إليها...
الثانية، عندما تناول الكلمة في افتتاح الحوار الليبي، كان لافتا أن بوريطة نعت مكوني الحوار، وهما المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي، باعتبارهما مؤسستين شرعيتين، وهذه إشارة ذكية جدا، أولا تعطي الثقة والمصداقية للطرفين، وثانيا أن الحوار يجري بين طرفين متكافئين، مما يحول دون أن يعطي أي طرف لنفسه فوق ما يعطي للآخر، فيرفض ما يطرحه من أفكار وحلول...
مشكلة بروتوكولية أخرت انطلاق الحوار إلى ما بعد الظهر
قبل انطلاق جلسات الحوار، اندلعت مشكلة سفيري ليبيا في المغرب، وهما عبد المجيد سيف النصر، كممثل عن الحكومة الليبية "المؤقتة"، وأبو بكر الطويل، عن حكومة الوفاق، وبعد مفاوضات سريعة، تدخل فيها بوريطة بفعالية، تم حل الأزمة بتخريجة ديبلوماسية من خلال تصنيف عبد المجيد سيف النصر على أساس أنه عضو الوفد المفاوض، وليس سفيرا بالمغرب، ومن ثم انطلقت فاعليات جلسة الحوار...
 
المشاركون في الحوار
 
شارك في الحوار 4 أعضاء من المجلس الأعلى للدولة، و9 نواب من مجلس طبرق. لكن، بعد الحوار، انضافت أسماء أخرى وسُحبت أسماء، ومن المشاركين في وفد مجلس النواب هناك يوسف العقوري، وعادل محفوظ، وعصام الجهاني، ومصباح دومة، وإدريس عمران. ومن المشاركين في وفد مجلس الدولة، هناك فوزي العقاب، رئيس وفد المجلس في لجنة الحوار، وعلى السويح ممثل عن حزب التحالف، وعبد السلام الصفراني ممثل عن حزب العدالة والبناء، وإضافة إلى عضوين مستقلين هما محمد ناجم وسليمان أماما...
 
ردود فعل مرحبة من كلا الطرفين
 
قال يوسف عقوري، رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب الليبي: "سنبدل قصارى جهدنا لتجاوز الماضي، والتوجه لرأب الصدع والسير نحو بناء الدولة الليبية القادرة على إنهاء معاناة الليبيين وتحقيق الاستقرار والتطلع لبناء المستقبل الزاهر".
من جانبه، قال عبد السلام الصفراني، رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا: "إننا نتطلع في لقائنا هذا إلى العمل على كسر حالة الجمود واستئناف العملية السياسية وعقد لقاءات بناءة مع شركائنا في مجلس النواب من أجل الوصول إلى حل توافقي سياسي وسلمي. ففي ظل الانقسام السياسي والمؤسساتي، يتوجب على مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة تحمل مسؤوليتهما في الإسراع في إيجاد حل لهذه الأزمة وحفظ البلاد من التقسيم والحفاظ على المسار الديمقراطي وتجنيب بلادنا من سوء حرب جديدة لا سمح الله".
 
جولة حاسمة بجدول أعمال سيادي
 
الجولة الثانية من الحوار الليبي في بوزنيقة ستكون حاسمة، وستبحث سبل توحيد مؤسسات الدولة والتوافق على توزيع المواقع السيادية التالية:
محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام، وغيرها من المناصب الأخرى الأمنية والعسكرية، إضافة إلى منصبَيْ رئاسة الأركان العامة للجيش وجهاز الاستخبارات العامة...
 
الإخوان المسلمون وتركيا والسلفيون وحوار الصخيرات
 
كان طرفا النزاع الليبي وقعا في 17 ديسمبر سنة 2015، اتفاقا سياسيا بمنتج الصخيرات المغربي، وهو الاتفاق الذي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، إضافة إلى التمديد لمجلس النواب وإنشاء مجلس أعلى للدولة.
لكن حكومة الوفاق الوطني، التي تولت السلطة في مارس 2016 عجزت، منذ ذلك الوقت، عن كبح انفلات سلاح الميليشيات ومعالجة الأزمات القائمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجاء هذا الانفلات عندما تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على حكومة السراج، بفعل الميليشيات المسلحة، المنضوية تحت ما كان يعرف بـ"قوات فجر ليبيا"، التي كانت تتلقى السلاح من تركيا، والمدد البشري من مرتزقة استقدمتهم تركيا من سوريا، إلى درجة أن السراج بات عمليا بلا أي صلاحيات، إذ تحوّل إلى موظف رهينة لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان...
وعجزت حكومة السراج طيلة السنوات الماضية في تثبيت سلطتها إزاء هيمنة الإخوان وتغوّل الميليشيات المتطرفة، ما دفع الجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر لإطلاق عملية عسكرية لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات الإرهابية، لكن الإشكالية الكبرى كانت في حفتر ذاته، باعتباره إرهابيا، وقائدا لجماعات إسلاموية جهادية سلفية، لا تختلف في شيء عن تنظيمي القاعدة وداعش...
ومع اقتراب قوات الجيش الوطني الليبي من طرابلس، بدأت الميليشيات الإخوانية تتلقى دعما تركيا بالسلاح ودعما قطريا بالمال، ونزلت تركيا بثقلها العسكري في دعم الميليشيات الإخوانية لحكومة الوفاق، بإرسال شحنات أسلحة ثقيلة، بينها طائرات مسيرة، إضافة إلى آلاف المرتزقة من الجماعات السورية المتطرفة الموالية لأنقرة، وباتت حكومة السراج مجردة من سلطة القرار، ولا تملك مفتاح حل الأزمة، بل تتلقى الأوامر من تركيا، التي تتعامل معها بمنطق الوصاية، لأن ميليشيات الإخوان هي التي أنقذت الحكومة من السقوط، ما دعا السراج، مباشرة مع انطلاق جلسات الحوار الليبي في بوزنيقة، إلى أن يطير على عجل ليتلقى التعليمات من أردوغان...
والنتيجة، دخول ليبيا في صراعات دموية، وانتشر السلاح وانتشرت الميليشيات وانتشر الإسلاميون المجرمون، الإخوان من جهة، والسلفيون من جهة ثانية، فيما الشعب الليبي هو الضحية، وهو من يؤدي ثمن الإجرام الإسلامي، الإخواني والسلفي الجهادي...
 
بوريطة مرة أخرى ونقط على الحروف
 
لتجسير حوار بوزنيقة، كان لابد لناصر بوريطة من أن يضع النقط على الحروف:
1- أول نقطة كانت هي التأكيد أن الحوار هو السبيل الأجدى والأجدر لحل الأزمة الليبية.
2- تجديد التأكيد أن الحوار هو السبيل لبناء الثقة وإنضاج الأفكار والخروج بتفاهمات.
3- التأكيد أن المغرب ليست لديه أي أجندة خاصة، وليست له لا مصلحة ولا مبادرة ولا مقترحا بخصوص ليبيا.
4- التأكيد أن المغرب يراهن على التفاهم والتوافق وأنه لا مكان لأي فعل مفروض، وأنه لا مقترحات سليمة خارج التوافق عليها بين جميع الأطراف في ليبيا، وفق دينامية إيجابية...
5- الاستفادة من دروس التطورات، التي وقعت على الأرض، والتي خلفت ومازال تخلف ضحايا ودمارا، نتيجة التدخلات الدولية والميليشيات المسلحة...
6- التأكيد على أولوية الأولويات: تثبيت وقف إطلاق النار وفتح مفاوضات لحل الخلافات بين الفرقاء الليبيين...
 
خلاصة الخلاصات
 
وأخيرا، يحذو كل المغاربة، معذرة الأغلبية الساحقة من المغاربة باستثناء شرذمة الإخوان المسلمين، أن يتوصل طرفا الحوار الليبي الليبي إلى تفاهمات توقف إراقة الدماء وتضع حدا للصراعات التي حوّلت الأشقاء إلى أعداء والبداية بالالتزام الجماعي بوقف إطلاق النار وبإخراج كل القوات الأجنبية...
إن الشعب الليبي بحاجة لسماع أخبار جيدة، بحاجة إلى السلام، وإلى الأمن والاطمئنان...