"كابوس المطبخ المغربي".. من لا قدرة له على تقديم شيء يُعيد معتقلي الريف لأسرهم فليصمت على الأقل
الكاتب :
"الغد 24"
منعم وحتي
خارج مجالات التضارب والصراع السياسي، هناك برنامج للطبخ يستهويني، من خلال حبكةِ تعاطيه، جوانبِه النفسية، انكساراتِ أصحابه وقدرتِهم على النهوض، أخطائِهم وأحلامِهم، نشوةِ حبهم لما يفعلون، حِرَفيتهم الموروثة وقدرتهم على التجدد والتخلص من الشوائب...
البرنامج يحمل عنوان:
Cauchemar en cuisine
ويقدمه الطباخ المعروف فيليب إيتشبست، فكرة البرنامج، أن يقوم فيليب بزيارة مطاعم موروثة، وكان لها صيت، لكنها أصبحت الآن على حافة الإفلاس، بتهور أصحابها في تسييرها أو تدبيرها أو عدم القدرة على المواكبة أو إيجاد الحلول المناسبة لتنظيم إعداد الوجبات أو تدبير الفضاء أو الفشل في تسيير الفريق أو إهمال التجهيزات المطبخية وعدم صيانة ديمومة نظافتها وتجديدها..
تكون الحلول المقترحة أحيانا بإصلاحات طفيفة للمطعم، تهم تغيير بعض الروتوشات وتعديل بعض طرق التعاطي المطبخي والمهني، والأمور تعود لنصابها.. لكن أحيانا يضطر فيليب، بمعية المختصين، بعد تدقيق الحالة، إلى إحداث تغييرات جذرية تهم البنيات الأساسية وتحويل كل شيء، لأن الإصلاح لن يقدم شيئا كثيرا، فتراكم الصدأ والتكلس وتحجر العقليات وإهمال البنيات التجهيزية والبشرية، يتطلب فعلا مطعما جديدا وتسييرا جديدا.. ويكون ذلك أحيانا بسهولة وبإرادة أصحاب المطعم، وأحيانا يتطلب ذلك معارك ضارية وتفاوضات عسيرة للوصول للمبتغى، وتكون الفاتورة مكلفة جدا...
مع تراكم الانهيارات المتتالية، التي تمس مطبخ الدولة، فالمحاكاة مع برنامج فيليب "مطبخ في حالة كابوس"، إن صحت الترجمة، تجد أيضا منطقها في حبكة البرنامج، خصوصا وقد أفلس التعليم والصحة، وتتالت الاعتقالات على الرأي والإضرابات عن الطعام، ما يفرض فعلا تمحيصا دقيقا في سؤال "ما العمل؟"، والمطعم الذي تدبره أيادي المخزن منذ زمن، على شفا حفرة السقوط الكبير، إن لم يكن التدحرج للقاع قد بدأ...
كانت الأمور ستكون أقل قتامة لو تم الإنصات لدعوات الإصلاح منذ زمن، لتدبير التسيير العقلاني والعادل لمقدرات المطبخ، والرفع من قيمة الموارد البشرية وإعلاء نمط عيشها، لكن هناك من أصر على الوصول لحالة التردي هاته، حفاظا على ضرع البقرة الحلوب له ولخاصته.. إن فاتورة الإصلاح ستصبح أكبر الآن.. والتغيير الجذري للتجهيزات ومَنْ يُسَير وللبنية برمتها سيصبح أمرا لا مناص منه.. فماذا سيحدث لو قبلت الدولة دعوات الحوار الأخيرة من طرف معتقلي حراك الريف؟!، كان يمكن أن يقود ذلك فعلا لطي ملف لا تستفيد منه الآن لا الدولة ولا الريف.. إن القرارات في مطبخ الدولة تحتاج فعلا لحكماء يشتمّون طرق الحلول، وليس لمتكلسين ألفوا سياسة العصا والجزرة.. فالوطن يحتاج لكل أبنائه، ومن ليست له القدرة، من الضفتين، على تقديم شيء للملف وعودة الأبناء لحضن أمهاتهم، فليصمت على الأقل.
وقِس على ذلك في بقية القطاعات المنهارة، من تشغيل وسكن وخدمات اجتماعية، وانعدام استراتيجية قابلة لتطوير البلد في الصناعة والفلاحة والصيد والمعادن.. فنحن نحتاج فعلا لأن يتحول المجتمع لقوة تغييرية، بمستوى قدرة فيليب إيتشبست على تملك حلول ديناميكية، ولو وصلت للبتر أحيانا...