الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

ماذا تريد "حماس" الحزب وماذا يريد هنية في المغرب؟

 
يونس وانعيمي
 
لا أظن أن السيد إسماعيل هنية دخل المغرب بدون علم المغاربة والقصر.. وإلا فهي الكارثة بعينها.
كما لا أظن أن العثماني له كل هذه الجرأة المميتة ليستدعي حركة مقاومة "محظورة" (في نظر حلفائنا الكبار) وموالية مباشرة لإيران بدون علم وموافقة وتأشير القصر.. والا فعلى الأجهزة تشميع هذا الحزب حالا..
أظن ببساطة أن المغرب بدأ، كما مصر، في تنفيذ أجندة إقليمية تدبرها إسرائيل وأمريكا من أجل فتح قنوات اتصال مع حماس لتطويعها وإخراجها من العسكرة إلى السياسة.. لكن من دون توريط الأنظمة، بل فقط التعويل على إنجاز ذلك بنظام مناولة ممنوح للأحزاب الإسلامية، إن هي أرادت البقاء...
لا أرى أن العثماني يتناقض مع ما وقّعه في وثيقة التطبيع المغربي-الإسرائيلي كما يحلو للبعض التلويح بذلك، وليس العثماني لا أخرقا ولا قادرا على ليِّ ذراع الدولة بهذه الرقصة المميتة قبيل الانتخابات..
بالعكس، فالعثماني وحزبه هما، اليوم، في صلب تنفيذ نفس الأوامر بنفس الغايات..
يبدو اللقاء من الصورة، في طريقة إخراجه وتوضيبه التواصلي رسميا: صورة الملك، ملصق فيه راية المغرب وفلسطين، جلوس منتظم رسمي بمنصة، صحافة وتغطيات... إنها زيارة رسمية قام بها هنية للمغرب، لكن من دون أن يكون استقباله يستجيب للأعراف الديبلوماسية، لأن المغرب لا يعترف بحماس كممثل شرعي حصري لفلسطين، ولكنه، يضع حماس هنا في موقعها الطبيعي كحزب سياسي لا غير (حتى ولو كان مسلحا من طرف إيران).. وبالتالي فالحزب لا يستقبله إلا حزب محايث له.
نعم، فإن حركة حماس هي أيضا حزب يمارس السياسة ويباشر موازنة المصالح.. التقط إشارات فتح الحوار كمدخل لإسقاط الحصار عليه.. فبدأ الجولة الأولى في مصر (مع الجيش المصري)، وها هو يزور المغرب... ولأنه حزب، فلن يلتقي إلا مع حزب، وذلك باحترام بارع لمبدأ توازي الأشكال الدبلوماسية وذلك تفاديا لكل التأويلات المفضية إلى سوء فهم لزيارة شديدة الحساسية.
المعضلة البسيطة في المغرب، هي أن القصر كلف العدالة والتنمية بأن يأكل هذا الثوم كله من بدايته لنهايته.. في الشهد الأول، يوقع العثماني التطبيع مع كوشنر، وفي المشهد الثاني يلتقي بحماس.. هو إذن دور مختار له ولإسلاميي العدالة والتنمية بعناية، يتكلف فيه الحزب الإسلامي المغربي بجمع وتدبير التناقضات الأولى لملف التطبيع، لأنه ملف فيه تناقض وحساسية الصورة والرمز بشكل كبير.. ويعلم البيجيدي، المسكين، أن كل صورة يأخذها في هذا الملف، هي ورقة ضغط، موضوعة على رقبته. هي صورة تشبه صور استدراج الإخوانيين الفلسطينيين مع مومسات إسرائيل.
قلتها سابقا، فلكي تستمر حركة إخوانية إسلامية في بلد عربي طبّع علاقاته مع إسرائيل، عليها أن تقدم صكوك الطاعة بهذا الشكل. ويبقى مخرج كل ذلك وراء الستار.
لنختم مع السيد هنية.. ماذا يريد؟
يريد أولا أن يجدد أدوار حزبه السياسية من حركة مسلحة إلى حركة مفاوضة، وفي ذلك أرباح كثيرة، شريطة أن يقتلع بنفسه كل جيوبه الراديكالية الداخلية (قادة ستتم تصفيتهم وآخرون سيتم القضاء على طهرانيتهم السياسية بفضائح).. هو ثانيا مبعوث "رسمي" لإيران، التي اخذت ضمانات تمتيعها بوضعها الإقليمي (ولم لا أن تحتل مكانا يشبه مكان السعودية) شريطة أن تقوم بتحوير تطرفها الخلقي وتطويع مواليها الذين سلحتهم في كل مكان (لبنان، العراق، فلسطين، اليمن...).
تطبيع المغرب مع إسرائيل جعله في قلب أحداث الشرق الأوسط وبالتالي حل عقدة قديمة لديه باعتباره كان ينظر إليه دوما كتلك المملكة الأفريقية البعيدة.
 
باحث مغربي