الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

العمل عن بعد.. وماذا بعد؟

 
د. جمال المحافظ
 
يندرج العمل عن بعد باعتباره أحد العناصر المرتبطة بمفهوم الإدارة الحديثة، ضمن تطوير وتنويع أساليب العمل؛ عبر إنجاز المهام خارج مقرات العمل الرسمية التابعة للإدارة، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، بما يضمن استمرار المهام وتقديم الخدمات، في مختلف الظروف، ومنها جائحة كورونا، التى اكتشفت أول حالة إصابة بفيروسها بالمغرب في ثاني مارس 2020.
 
ومن أجل ضمان استمرارية المرفق العمومي في أداء وظائفه من جهة، والبحث عن السبل الكفيلة بالحد من التداعيات السلبية للجائحة من جهة ثانية، تعددت المبادرات المتخذة، وفي مقدمتها محاولة التأطير القانوني والتنظيمي للعمل عن بعد التي تصدرها مشروع مرسوم أعدته وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، حول العمل عن بعد بإدارات الدولة، يوجد حاليا في مرحلة المصادقة والذي يهدف بالخصوص إلى "تحقيق التوازن بين حاجيات الإدارة، من جهة، المتمثلة أساسا في ضرورة استمرارية الخدمات بالنجاعة والفعالية اللازمتين، وبين الظروف الخاصة للموظفين من جهة ثانية، بما يوفره من مرونة في ساعات العمل مع الحفاظ على المعدل اليومي لساعات العمل الرسمية".
 
توفير بيئة عمل مناسبة للارتقاء بمستوى الإدارة
 
وهكذا يساهم اعتماد إمكانية العمل عن بعد، في توفير بيئة عمل مناسبة للموظفين، من شأنها الرفع من نجاعة الإدارة وتحسين مردودية الموظف، من أجل تقديم خدمات ذات جودة للمرتفقين مع المساهمة في تطوير أساليب العمل بالمرافق العمومية وتشجيع رقمنة المساطر وأدوات الاشتغال بها.
 
وبغض النظر عما تضمنه مشروع المرسوم من تفاصيل، فإن تقييم العمل عن بعد كمنهجية للاشتغال بالإدارات وكتجربة ومردودية، يطرح نفسه بإلحاح في المرحلة الراهنة، تقييم لا يمكن أن يكون ناجعا الا وفق مقاربة تشاركية لكافة القطاعات المتدخلة حكومية وغير حكومة وفق مقاربة تدرج كافة الابعاد الإدارية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والتواصلية والإعلامية.
 
وعلى الرغم من المجهودات المبذولة للقضاء على الجائحة، يبدو أن المعطيات الراهنة لوضعية الوباء، تبين أن الطريق مازال طويلا، وهو ما يقتضى تثمين المكتسبات التي راكمتها الإدارة المغربية العمومية والخاصة، من أجل التلاؤم مع هذا الوضع الجديد، منها مضاعفة الجهود لتطوير الآليات القمينة بالارتقاء بمستوى الأداء المهني، للاستجابة لحاجيات المرتفقين، واحترام التدابير الاحترازية والوقائية، خاصة في ظل الإعلان عن الموجة الثالثة، التي تعرفها بعض البلدان والاستعدادات الجارية لمواجهة تداعيات الفيروس ونسخه المتحولة.
 
كورونا تطرح مجددا مكانة الإدارة الالكترونية في نسقنا الإداري
 
كان قد شرع في تطبيق العمل عن بعد بإدارات الدولة في 15 أبريل 2020 بعدما تقرر إعادة تنظيم العمل بالإدارات، وذلك بهدف تطوير وتنويع الوسائل المتاحة، بما يضمن استمرارية المرافق العمومية مع ضمان سلامة الموظفين والمرتفقين، وذلك في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، نتيجة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لانتشار فيروس كورونا.
 
بيد أن الواقع الجديد الذي أفرزته جائحة كوفيد 19 المستجد، والأولويات التي فرضتها، أعادت طرح، مكانة ومركزية قضية الإدارة الإلكترونية في نسقنا الإداري، ارتباطا مع التطور التكنولوجي والتقنيات الرقمية التي ميزت العقد الأخير وجعلت هذه التقنيات والتطبيقات، تغزو كافة الميادين والأنشطة، فضلا عن مساهمتها في تغيير عاداتنا وعلاقاتنا، والتأثير في معرفتنا وفي حياتنا المهنية وطرق ترفيهنا، أضحت تمس الحميمية والهوية الشخصية، وتغيّر من محيط شبكاتنا الاجتماعية كما ذهب إليه كِتاب "الثورة الرقمية، ثورة ثقافية" للباحث الفرنسي ريمى ريفيل.
 
فاعلون يطلقون النقاش حول العمل عن بعد:
من إدارة بدون ورق إلى إدارة بلا مكان وبلا زمان
 
وإذا كان من خصائص الإدارة الإلكترونية، بأنها إدارة بدون ورق وبلا تنظيمات جامدة وإدارة بلا مكان، وبلا زمان، فإنه يلاحظ، خلال الجائحة، تسجيل ضعف في كل من شبكة الاتصال والتغطية ومنسوب الصبيب والربط الإلكتروني، خاصة لدى بعض القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، وذلك على الرغم من المجهودات المبذولة لبعض القطاعات في مجال الرقمنة، وفي البنيات التحتية والتجهيزات المعلوماتية، مع العلم أن الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا الحديثة يتوقف في جانبه الرئيس على ضرورة توفير الموارد البشرية المؤهلة لضمان التعامل الإيجابي لهذه الوسائل التقنية لتكون لها مردودية على الأداء الإداري.
 
ويبدو أن المشاركين في مائدة مستديرة تفاعلية نظمتها الخميس فاتح أبريل الجاري بالرباط لجنة النوع الاجتماعي بالتعاون الوطني، قد فتحت نقاشا علميا متعدد الأبعاد والأوجه حول واقع وآفاق العمل عن بعد خلال فيروس كورونا، وذلك من خلال الإجابة عن تساؤلات حول الإيجابيات والسلبيات التي تطرحها تجربة العمل عن بعد بصفة عامة وعلى الحياة الإدارية بصفة خاصة؟ وما هو دور التشريع في الارتقاء بالعمل عن بعد؟ وكيفية تفعيل التواصل كآلية للتحسيس والتوعية بأهمية العمل عن بعد؟
 
وشددت سامية شكري، مديرة نظم بوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة -قطاع اصلاح الإدارة، على ضرورة التشبع بـ"ثقافة معلوماتية وتوفير الأمن المعلوماتي"، مركزة على المتطلبات التي يقتضيها الارتقاء بمستوى العمل عن بعد، خاصة في ظل التراكم الإيجابي المحقق لحد الآن في الإدارات المغربية، في حين سجل زميلها بالقطاع ذاته، توفيق أزروال، مدير الوظيفة العمومية، أن التشريع ساهم في الارتقاء بالعمل عن بعد، والورش القانوني مرشح للمساهمة بشكل أوسع مستقبلا، متوقفا عند تعريف وأهداف العمل عن بعد، والاشكالات الذاتية والموضوعية والتحديات التي يطرحها هذا العمل.
 
التكنولوجيا، لم تضع حدا لعدم المساواة والإعلام والاتصال آلية أساسية
 
ومن جهته اعتبر الأستاذ الباحث عبد الصمد مطيع، مدير مساعد بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في مداخلته خلال هذه الندوة، التي أشرفتُ على تنشيط فقراتها، أن العمل عن بعد يكتسى صبغة راهنية، في ظل ظروف فيروس كورونا مشددا على ضرورة الاهتمام بالبحث والتكوين في مجال العمل عن بعد وتأسيس وحداث وبرامج للتكوين واستكمال التكوين، مع إيلاء مزيد من الاهتمام بالتواصل باعتباره ألية أساسية، بجعله ينسجم مع التحولات التي تعرفها الإدارة المغربية.
 
أما فاطمة بركان، مديرة المرأة بوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، فركزت مداخلتها حول التدابير المتخذة من أجل تمكين المرأة من الولوج إلى مراكز القرار وفق قواعد الإنصاف والمساواة، معتبرة بالخصوص أن تمكين النساء وتأهيلهن في مجال العمل عن بعد كآلية للتوفيق بين الحياة المهنية والاجتماعية للمرأة، يتطلب توفر حاجيات أولية حددتها في البيئة والمحيط وكيفية استعمال التكنولوجيا وفي مجالات التتبع والتقييم، الأمر الذي يتطلب اعتماد خطة تواصلية مستمرة.
 
انتهى لقاء العمل عن بعد في ظل فيروس كورونا، لتتناسل أسئلة أخرى وتبقى إشكالات جديدة مطروحة يتعين التعامل معها بمقاربات تستحضر التحولات التي فرضتها تداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد، مع العمل على إذكاء تربية وثقافة تواصلية، لأن التكنولوجيات الرقمية، لا تعدو أن تكون إلا انعكاسا للاستعمال الذي يقوم به المرء، وأنها لا يمكن أن تحلل بمعزل عن الفاعلين الذين يمتلكونها، لأن التقنيات الحديثة هاته، لم تضع حدا لعدم المساواة في ما يتعلق باستعمالها، لكنها بالمقابل وسعت بشكل ملموس الإطار الزمني والمكاني، ووفرت ولوجا، غير محدود إلى المعارف.
 
كاتب وإعلامي مغربي