ومع مبادرات أخرى عرفتها الساحة السياسية والثقافية والحقوقية المغربية، ومنها مبادرة بوزنيقة للديمقراطية والحداثة، ومبادرة "أمل"، ومبادرات أخرى بقيت سجينة اطر ضيقة، رأيت أن أدلي برأي حول إمكانية بلورة مبادرة ديمقراطية حداثية، قادرة فكريا وبرنامجيا وأفقا جماهيريا على الإجابة على متطلبات المرحلة.
في هذا السياق لابد من استعراض المنطلقات الأساسية التالية:
1- إن الوضع العام، الذي يعلمه المهتمون والفاعلون في المشهد السياسي، لا يخدم مصالح الوطن على المدى المتوسط والبعيد، وعلى جميع المستويات.
2- إن الترتيبات العالمية القادمة والمنتظرة تقتضي استعدادا داخليا قادرا على الاستجابة الإيجابية والعقلانية للأوضاع التي ستنتج عن هذه الترتيبات.
3- إن عتاقة وعدم فعالية أدوات الوساطة والتمثيلية داخل النظام السياسي، والمتجاوزة على مستوى البرنامج والتنظيم، تقتضي فتح ديناميات جديدة قادرة على إنتاج وسائط جديدة لمجتمع جديد، دون التضحية بتراكمات الحركة الوطنية الديمقراطية والحداثية والتي لعبت دورا محوريا في التحولات الإيجابية التي عرفها وطننا.
4- إن التحولات الكبرى لا تحتكم لإرادات الأصولية بكل تجلياتها، سواء العرقية أو الدينية أو "العلمانوية"، بل تحتكم بالأساس للواقع، وضمن نسق عقلاني، للقدرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة على المستويات السوسيو-اقتصادية والسياسية.
5- إن أشكال التنظيم والتعبئة تحولت بشكل متسارع، لتتجاوز الأطر التقليدية، نظرا للانتظارات التي تحولت في غفلة من هذه الأخيرة، بل إن الوسائط التي تطورت إلى حدود تهديد وجود وسائل الإعلام التقليدية، وخروج "الخطاب" من "جغرافيته" السابقة، ليصبح مباشرا، و"فجا" و"فوضويا"، تعيد طرح إشكالية "التنظيم" و"التعبئة" بشكل مختلف.
6- إن البدائل "المطبوخة" على عجل، في غياب أوسع لشرائح فاعلة ممكنة، وحاملة محتملة للمشروع الديمقراطي الحداثي، يفقد المشروع قابلية استنباته في تربة الواقع اليومي والحياتي للناس، والتي هي الهدف الحقيقي للنتائج الممكنة من المشروع إياه.
7- إن التنظيمات السياسية الديمقراطية والحداثية المغربية، تعج بالطاقات والأطر والكفاءات، خلافا لما يروج له خصوم وأعداء هذه التنظيمات، غير أن هذه الطاقات مكبلة ومحتجزة بثقافة سياسية فاشلة، وبأطر تنظيمية بائدة، وغير منتجة.
8- إن هجرة / مغادرة الأطر والكفاءات لتنظيمات الصف الديمقراطي الحداثي، لا تحكمها فقط "انتهازية" ممكنة لدى البعض، بل اختناق هذه الكفاءات داخل التجارب التنظيمية السائدة، وقناعتها أن الممارسات الغير ديمقراطية داخل هذه التجارب لا يمكن أن تشكل بديلا لما هو سائد بفعل سيطرة القوى المحافظة.
9- إن تحديث وبناء مشروع ديمقراطي حداثي، مهمة مستعجلة لاستقرار وتقدم وتطور المجتمع المغربي حالا ومستقبلا، وهي مهمة لا يمكن إنجازها من طرف جهة واحدة، بل هي مهمة مركبة ومعقدة، بحكم أنها ليست مهمة خيالية أو فانتازما، بل مهمة لها ارتباط بالواقع باعتباره مجال تحقق المشروع وحقل إمكانية تحقق هذا الأخير.
10- إن استقلال القرار السياسي ببلادنا يطرح نفسه بإلحاح، ولا نعني باستقلالية القرار السياسي، الانفصال عن مصالح الوطن الكبرى، ومؤسساته، بل ممارسة السياسة بقناعة خدمة للشعب وللوطن ولمؤسساته، دون تدخل من جهات تستهدف تأبيد مصالحها الخاصة والفئوية.
لذلك، أعتبر أن المدخل لبناء تجربة حقيقية وتعبر عما يعتمل داخل التيار المغربي الديمقراطي والحداثي، يقتضي فتح نقاش واسع وتدريجيا، وتطويره ليصبح فعلا جماهيريا، مستنبتا على مدار الزمن السياسي وفي كل أرجاء الوطن.