يمكن للتفاوض من اللاموقع أن يكون تفريطا في الوطن

 

 

من يقوم بالتفاوض عادة.. الدولة أو أطراف من المجتمع؟

 

إذا ما ضاع حق لشعب من الشعوب، أو أراد باغ من البغاة هضمه، وكان أصبعه على الزناد، فإن تلك ‏القضية تصبح معركة سياسية وإعلامية، وقد تصل إلى ما هو أكثر تركيزا، إذا ما ضغط الباغي على ‏الزناد. عادة الدولة إذا ما تبنت الدفاع عن قضية ما في وجه البغاة – كما في حالة الصحراء الغربية ‏للمغرب – فإنها هي التي تتولى التفاوض وليس طرفا في المجتمع كيفما كان وضعه السياسي أو ‏الاعتباري. وفي كل جولات التاريخ وحتى ما قبل التاريخ فإن المعركة تتطلب رص الصفوف في وجه ‏الباغي، وكل من يبحث عن التفاوض في مثل ظروف المعركة يتبوأ عمليا موقع بعثرة الصفوف، ولا ‏أريد إطلاق النعوت والأوصاف في الظرف الحالي على من يفضل بعثرة الصفوف والباغي يضع ‏أصبعه على الزناد ويتحرك بتخطيط وسبق إصرار لهضم حقوق المغرب في أراضيه.‏

 

الشهيد المهدي سبق أن دعا إلى جعل الصحراء الشرقية للمغرب جسرا للمشترك المغاربي، وقدم حلا ‏فوريا للاستغلال المشترك لثرواتها بين المغرب والجزائر والبدء تبعا لذلك في تحقيق المغرب الكبير، ‏ونحن نعرف مآل هذا الملف وكيف ضاع أو تم تضييعه ولم تُحقق الشعوب المغاربية لا المغرب الكبير ‏ولا استطاع الشعبان الجزائري والمغربي الاستفادة من خيرات الصحراء الشرقية للمغرب، ولا تزال ‏منطقة عسكرية لحد الآن وتضم بشار قاعدة الولاية العسكرية الثالثة التي يقطن فيها الجزء الأكبر من ‏جنرالات الجزائر لا هم لهم إلا التخطيط العسكري والاستعلامي لإضعاف المغرب.

 

إذا كان المهدي قدم هذا الاقتراح فقد قدمه لأن تلك الأراضي ولو كانت أصلا أراضي مغربية، كانت إذاك ‏في حيازة الجيش الجزائري بعد أن سلمها له الجيش الفرنسي، لكن موضوع الصحراء الغربية للمغرب ‏موضوع مختلف لأن المغرب هو من يوجد على الأراضي الآن. فلماذا يا ترى نضطر لتقديمها عربونا ‏من المغرب من أجل تحقيق المغرب الكبير؟ وهذا الأخير كان مطلبا للشعوب ليتحقق بدون حافز مادي ‏من أي طرف وسبق طرحه باستقلال عن الصحراء الغربية فلماذا نربط الصحراء الآن به؟ أفهم طرح ‏صحراء الدول الخمس المغاربية جسرا للمشترك لكن طرح الصحراء المغربية فقط جسرا لا أرى فيه ‏بصيرة بعيدة ولا بصرا مديدا. لا يمكن محاكاة وتقليد اقتراح الشهيد المهدي بعرض الصحراء المغربية ‏كأنها غنيمة جماعية قابلة للتوزيع والقسمة في إطار التفاوض من أجل المغرب الكبير.‏

 

كثير من الناس من لا حظ لهم في السياسة يجعل هدف المغرب الكبير حلما سرمديا لا أغراض مادية ولا ‏سياسية وراءه من أي طرف من الأطراف المشكلة لدول شمال إفريقيا، والحال أنه مشروع يختزل ‏قضايا اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية سيدوم حولها التفاوض والشد والجذب لسنوات، حتى إذا ‏خلصت النيات لبنائه؛ وسواء أكان بتصور الاتحاد الأوروبي في البداية أو بتصور الاندماج الكلي، فإن ‏اقتسام المؤسسات المالية والقضائية والسياسية والدبلوماسية وغيرها يتم في البداية على أساس عدد ‏السكان وحجم الثروات وقوة المالية والعملة.. فكيف يمكن تصور فقدان المغرب لصحرائه الشرقية لأنه ‏كان يحلم بالمغرب الكبير ثم عليه ثانيا أن يفقد صحراءه الغربية لأن بعض الناس يريدون أن يقدموها ‏عربونا للتفاوض، أي خارج حساب المغرب باعتبارها أرضه في التفاوض على تحقيق المغرب الكبير؟

 

في هذه الظروف الحالية التي تجندت فيه قوى متفقة على مناوءة حقوق المغرب في تحقيق مصيره في ‏استكمال وحدة ترابه، لا طريق أمام الشعب المغربي إلا التشبث بمغربية الصحراء وترك التفاوض ‏للدولة ولا يمكن أن ننوب عنها في هذا الباب، يمكن أن نتشاور معها في الموضوع لكن لا يمكن أن ‏نتولى مهمة ليست من اختصاصنا.

 

وللتوضيح ورفعا لأي التباس فإن الحل الديمقراطي الذي تنادي به بعض القوى الديمقراطية يعني الحل ‏داخل الشعب المغربي، بين أبنائه وبناته، سواء كانوا في المغرب أو خارجه ولا يقصد به الحل بين شعبين، أو بين دول شمال إفريقيا أو بين الدولة المغربية و"الدولة" المقامة في تندوف، ولا بين الشعب المغربي ‏وشعوب شمال إفريقيا، ولا يمكن للشعب المغربي إلا أن يتقدم نحو التفاوض لتحقيق هدف المغرب الكبير بكامل ‏أراضيه سواء منها ما استرجعه أو ما لم يسترجعه لحد الآن والذي على المغرب الكبير أن يسترجعه بعد ‏تحقق الحلم بعد أن يرث ملف سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وباقي كل الجزر.