"دولة واحدة ونظامان" نموذج صيني لتصفية المشاكل المتبقية من تاريخ الاستعمار
الكاتب :
د. ناصر بوشيبة
د ناصر بوشيبة
“一国两制”可作为解决摩洛哥殖民主义历史遗留问题的范例
يتشارك كل من المغرب والصين في كون الوحدة الترابية، بالنسبة إليهما معا، هي أمر مقدس لا نقاش فيه، وأن هناك إجماعا عند مختلف فئات المجتمع بضرورة التضحية بالغالي والنفيس من أجل صيانة الحدود والذوذ عن الوطن. كما يتشارك البلدان الماضي الاستعماري، إذ إن كلي البلدين عانيا من استعمار متعدد الجنسيات، وكان هدف الاستعمار هو إضعاف الإمبراطوريتين الشريفة والصينية من أجل الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الامتيازات. ولم تتوقف جهود البلدين الصديقين الى يومنا هذا من أجل استكمال وحدة أراضيهما، وقدمتا حلولا مبتكرة كاقتراح الحكم الذاتي الموسع الذي أصبح الحل الأمثل لقضية الصحراء المغربية، أو نموذج "دولة واحدة ونظامان"، الذي اقترحه الزعيم الصيني الراحل دنغ سياو بينغ وتم تطبيقه فعليا في كل من هونغ كونغ سنة 1997 وماكاو 1999 بعد جلاء المستعمر البريطاني والبرتغالي...
سنحاول من خلال هذا المقالة سبر أغوار هذا النموذج (دولة واحدة ونظامان)، وسيظهر أنه يقاربُ بشكل كبير المنطلقَ والهدفَ، اللذين تأسس عليهما مقترح الحكم الذاتي، باعتبارهما من بين الحلول الفعالة لتصفية بعض المشاكل المتبقية من فترة الاستعمار في بلدنا، وكحل ممكن لاسترجاع مدينتي سبتة ومليلية السليبتين والجزر الملحقة بهما.
في منتصف القرن الثامن عشر، تطورت الرأسمالية في الدول الأوروبية تحت قيادة الإمبراطورية البريطانية، وكانت هذه البلدان حريصة على فتح أسواق جديدة. كانت حكومة تشينغ في الصين في أضعف فتراتها التاريخية، حيث نهشها الفساد والتخلف. ولكن سوقها الذي يبلغ عدد سكانه 400 مليون نسمة، جعل الدول الأوروبية تدخل في منافسة شرسة من أجل الحصول على أكبر قدر من الامتيازات.
في عام 1840، ومن أجل بيع الأفيون بالقوة للشعب الصيني، شنت بريطانيا حربًا على الصين، عُرفت في التاريخ باسم "حرب الأفيون". لم تكن حكومة تشينغ، قادرة على حشد القوات الكافية للقيام بمقاومة فعالة، وأجبرت أخيرًا على التوقيع على معاهدة نانجينغ، وهي أول معاهدة غير متكافئة في تاريخ الصين الحديث. وفقا للمعاهدة، تنازلت الصين بشكل دائم عن جزيرة هونغ كونغ لبريطانيا.
بعد عشرين عامًا، في عام 1860، غزت قوات التحالف البريطانية والفرنسية بكين وأجبرت مرة أخرى حكومة تشينغ على توقيع معاهدة أخرى غير متكافئة، وهي "معاهدة بكين"، التي تنازلت بشكل دائم عن المنطقة الواقعة جنوب شارع باونداري في شبه جزيرة كولون للمستعمرة البريطانية في هونغ كونغ.
وفي عام 1887، وبدعم من المملكة المتحدة، أجبرت البرتغال حكومة تشينغ على توقيع المعاهدات غير المتكافئة "اتفاقية مسودة المؤتمر الصيني البرتغالي"، و"معاهدة التجارة المتناسقة الصينية البرتغالية"، والتي خوّلت للبرتغال احتلال مدينة ماكاو.
في عام 1898، أجبر البريطانيون مرة أخرى حكومة تشينغ على التوقيع على معاهدة "توسيع موقع حدود هونغ كونغ"، واستأجرت بموجبها بقية شبه جزيرة كولون خارج منطقة تسيم شا تسوي و262 جزيرة مجاورة. وقد أطلق البريطانيون على هذه المنطقة اسم "الأراضي الجديدة"، وكانت مدة الإيجار 99 سنة حتى 30 يونيو 1997.
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، احتلت اليابان هونغ كونغ لفترة وجيزة. لكن بعد أن أعلنت اليابان استسلامها غير المشروط في 15 غشت 1945، لم تعد هونغ كونغ إلى الصين كما كان منتظرا بحكم أن الجيش الصيني كان حليفا في الحرب ضد الفاشية، لكنها استمرت تحت الحكم الاستعماري البريطاني.
بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949 تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، كان التركيز في بناء البلاد على تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية وحدة المجموعات العرقية البالغ عددها بالصين 56 إثنية.
ابتداء من الخمسينيات من القرن الماضي، تعززت القوة الوطنية للصين، خاصة بعد حرب مقاومة العدوان الأمريكي ومساعدة كوريا لتثبت للعالم أن الجيش الصيني لديه قوة قتالية قوية. كان بإمكان الصين استخدام القوة لإجلاء كل من المستعمر البريطاني والبرتغالي من هونغ كونغ وماكاو، ولكن كان للزعماء الصينيين خطة أخرى.
في عامي 1997 و1999، استعادت الصين، على التوالي، هونغ كونغ وماكاو، باتباع نهج مبتكر وهو نموذج "دولة واحدة ونظامان". في الواقع، تم تحضير الحل في الخمسينيات من القرن الماضي، ولم تكن العملية دائما سلسة. أكد القادة الوطنيون الصينيون مرارًا على أولوية الحلول السلمية للمشاكل التي خلفها الاستعمار.
في أكتوبر 1956، صرح الرئيس الصيني ماو تسي تونغ أنه "إذا أمكن إعادة التوحيد سلميا، يمكن لتايوان الاستمرار في تنفيذ مبادئ الشعب الثلاثة".
في 25 أكتوبر 1971، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة السادسة والعشرون "القرار 2758”، الذي أعاد جميع الحقوق القانونية لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة وطرد الممثلين غير الشرعيين للكومينتانغ (الحزب الحاكم في تايوان) على الفور. بعد ذلك، دعا الوفد الصيني لدى الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى الاعتراف بهونغ كونغ وماكاو كجزء من الأراضي الصينية، لأن احتلال كل من هونغ كونغ وماكاو عملٌ عدواني من قبل بريطانيا والبرتغال من خلال معاهدات غير مشروعة غير متكافئة خلال الفترة الاستعمارية، وبالتالي ليس من المناسب اعتماد الاستفتاء لتقرير مصير هونغ كونغ وماكاو. أصدرت الجمعية العامة السابعة والعشرون للأمم المتحدة قرارًا يقضي بحذف هونغ كونغ وماكاو من قائمة المستعمرات، مما خلق ظروفًا دولية ملائمة للصين لاستعادة السيادة على هونغ كونغ وماكاو.
المشكل الذي كان على الحكومة الصينية حله هو كيف ستتواصل هونغ كونغ وماكاو بسلاسة مع النظام الاشتراكي ذي الخاصية الصينية، الذي طبقته الصين بعد فترة طويلة من الحكم الرأسمالي الأنجلو-برتغالي، من أجل الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والازدهار.
في 11 يناير 1982، عندما التقى دنغ شياو بينغ، كبير مهندسي الإصلاح والانفتاح في الصين، مع لي ياوزي، رئيس الرابطة الصينية الأمريكية، تحدث عن قضية الهوية الوطنية، وللمرة الأولى طرح بوضوح مفهوم "دولة واحدة ونظامان". منذ ذلك الحين، ألقى دنغ شياو بينغ خطابات مهمة حول نموذج "دولة واحدة ونظامان" لجعلها منهجية ونظرية.
أشار دنغ شياو بينغ إلى أن "نظامنا الاشتراكي هو نظام اشتراكي بخصائص صينية. ومن أهم هذه الخصائص هي معالجة قضايا هونغ كونغ وماكاو وتايوان، أي باعتماد نموذج "دولة واحدة ونظامان" حيث تحافظ هذه الأراضي الصينية على درجة عالية من الاستقلال الذاتي دون أي تغيير في نمط معيشة المواطنين، كما ستستفيد الحكومة المحلية من سياسات تفضيلية مثل الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والثقافية مع البلدان الأخرى.
لذلك، من أجل توفير أساس قانوني لهذا النموذج المبتكر، أقرت الدورة الخامسة للمجلس الوطني الخامس لنواب الشعب الصيني، في ديسمبر 1982، "دستور جمهورية الصين الشعبية" المنقّح، واقترحت أن تنشئ الصين مناطق إدارية خاصة لكل من هونغ كونغ وماكاو وتايوان عند الضرورة.
تم الاعتراف على نطاق واسع بسياسة التسوية السلمية التي تنادي بها الصين على الساحة الدولية، فالحل المبتكر المتمثل في "دولة واحدة ونظامان" الذي اقترحته الصين جعل من المستحيل على بريطانيا والبرتغال تأجيل انسحابهما من هونغ كونغ وماكاو. بعد أن أكمل حاكم هونغ كونغ البريطاني السابق كروفورد موراي ماكليوز المفاوضات الأولية في بكين في عام 1984، وقعت الحكومتان الصينية والبريطانية على "الإعلان المشترك بشأن قضية هونغ كونغ" في قاعة الشعب الكبرى في بكين في 26 سبتمبر 1984، والذي ينص على أن الصين ستتعهد بتطبيق نهج "دولة واحدة ونظامان" على الأقل لمدة خمسين سنة.
في 1 يوليوز 1997، عادت هونغ كونغ، وفي 20 ديسمبر 1999 تبعتها ماكاو بسلاسة.
أصبحت هونغ كونغ الرأسمالية حلقة الوصل للبر الصيني للاتصال بالأسواق الخارجية، كما مكّنت رواد الأعمال والأفراد في هونغ كونغ من الحصول على فوائد ضخمة من السياسات التفضيلية التي حصلوا عليها من الحكومة المركزية في بكين. ونتيجة لذلك، حققت هونغ كونغ تحولًا ناجحًا من التصنيع إلى الخدمات الاقتصادية وأصبحت من أهم مراكز التمويل والعقارات والتجارة الدولية والشحن على المستوى العالمي. يمكن القول إنه بدعم قوي من الحكومة المركزية الصينية، شهدت هونغ كونغ تطوراً وازدهاراً غير مسبوقين بعد عودتها الى حضيرة الصين الشعبية.
شكلت العودة السلسة لهونغ كونغ وماكاو الأمل للعديد من البلدان التي تعاني من مشاكل تاريخية خلفها الاستعمار كالمغرب الذي، بعد أن استرجع أقاليمه الجنوبية وأمَّن حدوده، ما زالت هناك سبتة ومليلية السليبتان، اللتان لا تزال إسبانيا تحتلهما بشكل غير قانوني. وبإمكان نموذجٍ مستلهمٍ مما أبدعه البلدان الصديقان، نموذج "دولة واحدة ونظامان" ونموذج "الحكم الذاتي الموسع"، أن يصبح نهجًا لإيجاد حل لهذه النزاعات الإقليمية، مبنيا على أرضية سلمية حضارية، هي التي ميزت مقاربة البلدين معا في معالجة أراضيهما السليبة.
أستاذ باحث في العلاقات الإفريقية الصينية بجامعة صن يات سين بكوانجو