عرفان.. في تكريم الحاج بوشعيب فقار.. يد بيضاء لقيدوم عمال الدارالبيضاء
الكاتب :
"الغد 24"
مراد بورجى
عندما حضرتُ، يوم أمس الخميس 30 يونيو 2022، فعاليات اليوم التكريمي، الذي خصصته جمعية فنون وثقافات للمحافظ السابق لمسجد الحسن الثاني العامل الحاج بوشعيب فقار، غمرني إحساس باذخ بهذا الاحتفاء الجميل، إحساس بالاعتزاز بهذه اللحظة البيضاوية والوطنية في نفس الآن، التي كان لجمعية فنون وثقافات ولرئيسها صديقنا الدكتور زهير قمري فضيلة خلقها من أجل الشخصية المكرّمة، ومن أجلنا جميعا، ومن أجل عموم الدارالبيضاء...
هذا التكريم المستحق للحاج بوشعيب فقار يتعلّق بإنسان ومواطن ومسؤول استثنائي، له بصمات موشومة في تاريخ هذه المدينة المعطاء، حتى أضحى يوصف، بإجماع المسؤولين والفاعلين المدنيين، بـ"قيدوم" و"فقيه" عمال الدارالبيضاء على جميع المستويات، وهذا ما يمكن أن يلمسه القاصي والداني مما تركه من أيادي بيضاء في مختلف المناصب التي تقلدها، والمسؤوليات الجسيمة التي تحمّلها، والتي ستبقى تخلّد اسمه في هذه المدينة العملاقة، حتى بات يلقبه البيضاويون، كذلك، بـ"والي الظل"...
فالحاج بوشعيب فقار، كما هو معلوم، التحق بالوظيفة العمومية منذ سنة 1965، وعمل قائدا بمقاطعة بوسمارة في الدارالبيضاء، ثم باشا مدينة سيدي سليمان، ثم عمل كاتبا عاما لعمالة عين السبع، وكاتبا عاما لولاية الدارالبيضاء الكبرى، وعامل عمالة مولاي رشيد، ثم عاملا لعمالة الحي الحسني...، إلى غير ذلك من المناصب التي تدرّج فيها، والتي أبان فيها جميعها عن حس عالٍ من الكفاءة والمسؤولية، التي مارسها كابنٍ وفيٍّ لهذا الشعب...
الجميل، هنا، هو أن هذا الرجل الطيب هو ابن الحي المحمدي، الذي كان يعتبر أحد أفقر أحياء الدارالبيضاء وأكثرها شعبية، استقر به والده في أربعينيات القرن الماضي فارًا من اعتداء أحد رجال السلطة بـ"أولاد عبو" ناحية مدينة سطات.
ولذلك، فإن الحاج بوشعيب فقار، الذي نشأ وتربّى بروح الحي المحمدي، ظل حريصا، وهو يتدرُّج من قائد لباشا لكاتب عام ثم لدرجة عامل، على ممارسة المسؤولية بحب وعطاء، وبتواصل وتفاعل وانفتاح، وبحوار وإقناع، وخلال كل ذلك ظل يُردد لمقرّبيه من رجال السلطة، خصوصا مأموريه، أن والده كان ضحية تسلط، ولا يريد أن يكون أي والد ولا أي ابن ضحية تسلط، فكان يُوصي بحسن معاملة المواطنين واحترامهم، والإنصات إلى نبضاتهم، والقرب من قضاياهم، وهو الأمر الذي دفع، أمس، العديد من قدامى الحي المحمدي لحضور هذا التكريم، والعديد من الفاعلين والمسؤولين، الذين شكّل حضورهم لحظة وفاء للحاج بوشعيب فقار، ولحظة اعتراف بمسار هذا الرجل الخلوق.
لقد كان لحضوري لهذا الحدث النبيل أثر قوي في نفسي، وفي نفوس كل الحاضرين، في هذه المناسبة، وفي غيرها من المناسبات، التي عوّدنا عليها صديقنا الدكتور زهير قمري ومعه أعضاء جمعيته حُماة التراث الفني والثقافي، الذي يزخر به الحي المحمدي، الذي عشت به طفولتي وترعرعت لصيقا بفنانين كبار مرّوا من هنا ومرّروا خطابات عميقة، بكل جرأة، لمن يهمه الأمر، يطلبون منه إلجام المعتدين والمتسلطين بقولهم الخالد: "يا جمّال رد جمالك علينا".
فِرق موسيقية ومسرحية عديدة تأسست في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، على رأسها ناس الغيوان ولمشاهب، تمثيلا لا حصرا، فرق لعبت دورًا رائدا في تأطير عدة أجيال في ربوع هذه المملكة السعيدة، ودفعتهم للجد والكد لتغيير واقع الفقر المرير، الذي لم يختاروه، وبعد نجاحهم بذلوا قصارى جهودهم لإنتاج جيل من أبناء المقهورين خِرّيِجي أكبر الجامعات الدولية التي كانت حكرًا على أثرياء المغرب...
ولذلك، نهنئ صديقنا زهير قمري وكل نشطاء جمعية فنون وثقافات على هذا التكريم، الذي يعيد الروح لكل أبناء الحي المحمدي، ويقدم نموذجا للمسؤول المنتج الوفي الأبي، الذي تحركه الروح الوطنية، وروح التضحية، وروح العطاء التي تركت للدارالبيضاء تاريخا حافلا بأياديه البيضاء...