الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
حفيظ العلمي وتابعه رياض مزور

الوزير مزور يناهض الملك ويهاجم الصين ويدعو للعودة إلى العهد الاستعماري البائد

 
لم يكد المغرب يتخلّص من الوزير السابق حفيظ العلمي، الذي كانت ممارساته الفاسدة تتجه إلى إفقار الاقتصاد الوطني، وجعله تابعا ينتظر "الصّدَقَات" على أعتاب الاقتصادات الأوروبية، والفرنكفونية بشكل خاص، حتى جاء خلفه، أو مرؤوسه، الوزير ريّاض مزور، ليكمل مناورات العلمي، بالتخفّي وراء شعار فضفاض حول "السيادة الصناعية الوطنية"، في وقت يعلم الجميع أن الحقيقة هي أنهما معا يريدان أن يعود المغرب إلى رهن أغلب مؤسساته الصناعية للشركات الأوروبية، والفرنسية بشكل خاص...
 
وهذا ما كان يفعله حفيظ العلمي، الذي لن يطول كثيرا حتى تنكشف انتهازيته وممارساته المريبة من أجل مضاعفة تربّحاته الشخصية، حتى ولو أدى ذلك إلى تخريب تنوّع شراكات الصناعة الوطنية، المتنامية بفعل الأوامر الملكية، فلم يكن صدفة أن الملك محمد السادس كان يضطر، مرارا وتكرارا، إلى التشديد على ضرورة تنويع الشركاء الاقتصاديين، حتى لا يبقى رهينة للأوروبيين...، لأن حفيظ العلمي، الابن الوفي للنزعة الاستعمارية الفرنسية، كانت كل مخططاته تهرول نحو أوروبا، ولم يكن يحدّ منها إلا الملك، الذي أشرف بنفسه على محاولة ترسيخ خاصية تنوع الشركاء، فالملك هو الذي فتح بنفسه الطريق مع الصين لبناء شراكة استراتيجية بمنطق "رابح رابح"، أما الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فحفيظ العلمي، ومعه اليوم رياض مزور، هما أجبن من أن يحاولا، مجرد محاولة المس بمصالحها...
 
كان الوزير السابق حفيظ العلمي يلهث ويهرول، هنا وهناك، وكأنه مدافع قوي عن الصناعة الوطنية، فيما الواقع بخلاف ذلك، كل ما كان يهمّه هو مصالحه الشخصية، ولعل أبلغ نموذج على ذلك صفقة تفويت شركته للتأمين، إذ دبّر، هو وزميله في الحزب وفي الحكومة آنذاك، وزير المالية الأسبق، محمد بوسعيد، الذي طرده الملك شرّ طردة، عملية مشبوهة للاحتيال على الدولة، من خلال استعمال قانون المالية لسنة 2018، الذي مرّرا فيه مادةً تعفي الشركات ذات النفع الاقتصادي من أداء ضريبة 4 في المائة من أرباح الصفقات، التي تبرمها، لخزينة الدولة، وبناء على هذه المادة، باع شركته "سهام للتأمين" إلى مجموعة "سانلام" الجنوب إفريقية، في صفقة تجاوزت المليار دولار، وصلت حصة العلمي فيها 452 مليون دولار، ليستفيد من الإعفاء عن أداء حوالي 40 مليار سنتيم، التي لهفها، لهفًا ولهطةً، من خزينة الدولة... فكيف لصاحب مثل هذه السلوكات المريبة أن يخدم نمو وإقلاع الاقتصاد الوطني؟!
 
يجب الاعتراف أن الوزير السابق حفيظ العلمي كان ممثّلا ناجحا، فقد استطاع أن يستدرّ عطف شرذمة من المستفيدين، الذين ربطهم بمصالحه، فذرفوا الدمع مدرارا عند مغادرته الوزارة، وأثّروا بذلك في شرائح مهمة من المغاربة، الذين تعاطفوا معه، بسبب مسرحية تلك "المغادرة الباكية" التضليلية، والحقيقة أن بكاء أولئك لم يكن على حفيظ العلمي، وإنما على مصالحهم، التي أصبحت مهددة بوزير بديل كان موظفا مثلهم، لا يعرفون هل سيحافظ على مصالحهم أم سيركلهم ويُنشئ محلّهم شرذمة أخرى من المستفيدين المتنفّعين...
 
بيد أن الوزير الحالي، المصبوغ باللون الاستقلالي، رياض مزور، بخلاف سلفه الذي كان استقدمه ليكون مدير ديوانه، ممثّل فاشل، إذ ليس له ذكاء حفيظ العلمي في صبغ مصالحه بطابع وطني، رغم أن مزّور قام بمحاولة تقليد بليدة لصبغ أهدافه التبعية الفرنكفونية بشعار "السيادة الصناعية الوطنية"، قبل أن يعمد، بشكل غير مفهوم، إلى شن تهجّم بليد على واحد من أكبر وأوفى شركاء المغرب الاستراتيجيين: الصين!
 
يوم الخميس 24 فبراير 2022، كان وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، ضيفا على الجمعية المغربية لمهندسي الفنون والمهن، بمناسبة انعقاد ندوتها السنوية الأولى من سلسلة "Think 2 impact"، حين فاجأ العديد من الحاضرين، ومعهم الرأي العام، بهجوم غير مفهوم ولا مبرر على الصين، الأمر الذي دعا عددا من المشاركين إلى الرد عليه، بطريقة غير مباشرة، بالتأكيد على أهمية تنويع الشركاء الاقتصاديين، مثلما فعل رئيس المعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي والرئيس التنفيذي لمجموعة Guepard، عبد المالك العلوي، الذي تحدّث عن مزايا وجود شبكة متينة من الاتصالات، داعيا المقاولين إلى الحفاظ على علاقاتهم مع شركائهم، الذي قال عنهم، في إشارة لا تخلو من دلالات، إنهم "غدا هم الذين سوف يملأون دفاتر الطلبيات"، مسجّلا أن "شبكة الاتصالات هي قوة لا نستثمرها كما ينبغي في المغرب"، ومنبّها إلى أن الأمر يتعلق بميزة مهمة تخوّل الوصول إلى أكبر عدد من الزبناء، وبالتالي تحقيق نمو سريع...
 
فماذا قال الوزير رياض مزّور؟
 
وزير الصناعة والتجارة، وهنا كانت المفاجأة الغريبة، استهدف الصين بشكل خاص، إذ دعا إلى "توخي اليقظة في اختيار الشركاء الاقتصاديين والتجاريين"، وتابع قوله "يرى الصينيون المغرب كبوابة إلى السوق الأوروبية والسوق الأمريكية"، وأن هذا يتطلّب أن "نكون يقظين للغاية"!
 
هذا الحذر والتحذير، لا يوجّهه الوزير مزّور إلا نحو الصين، فيما يرتمي بـ"حوايجو"، كما يقول المغاربة، و"يرمي كل بيضه"، كما يقول العرب، في "سلّة" الأوروبيين وحدهم، يقول مزّور: "الأوروبيون هم عملاؤنا، وإذا أفقرنا ريادتهم، فإننا أيضًا نفقرهم، وسيشترون منا أقل وأقل. وإذا شعروا بالهجوم من قبل قوة تَحُول دون الوصول إلى سوقها، فسوف يشرعون في إغلاق الأبواب في وجهنا نحن أيضا"...
 
الوزير رياض مزّور، الذي وضع نفسه بوقا للطابور الخامس للهيمنة الأوروبية، الذي لا يكفّ عن التناور لدفع المغرب إلى الانغلاق على الشركاء الآسيويين، يقول بصيغة ملتوية إن التحدي أمام المغرب "يكمن في محاولة ضمان السيادة الصناعية، من خلال مضاعفة الشركاء ومحاولة ترسيخ نظام بيئي يجعل من الممكن تقديم حلول مختلفة، ولكن في نفس الوقت لوضع نفسه كعضو في المجتمع الأوروبي الأفريقي، الذي يجب أن يكون في تنمية مشتركة، دون أن يكون بالضرورة حصان طروادة للقوى الأخرى، التي ستؤدي إلى إفقار هذه المنطقة، التي هي أساس سوقنا الطبيعي"، وهذه فضيحة كبرى للوزير مزور، الذي يزوّر اللون الاستقلالي، عن سابق تصميم وترصّد، حين يجنح إلى الخروج عن المواقف الاستقلالية الوطنية من أجل خدمة التوجّهات الفرنكفونية التبعيوية لرئيسه السابق حفيظ العلمي، فضلا عن مناهضة الأوامر الملكية، بالدعوة إلى إبعاد الصين وإغراق المغرب في "المستنقع" الأوروبي، لتبقى بلادنا رهينة وتابعة، تستعملها بعض الدول الأوروبية، التي لم تكن تكفّ عن ليّ أيدينا، ومناهضة مصالحنا، والتعدّي على وحدتنا الترابية، وهي التي أفقرت بلادنا على مدى عقود من الزمن...
 
الوزير مزور "المتحوّر"، الذي فاجأ متتبّعي سلسلة "Think 2 impact" بسذاجته وجهله، حين قال إن موضوع الندوة "السيادة الصناعية والاقتصادية: تحديات ومؤهلات وآفاق"، ينسجم "تماما مع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس المرتبطة بتعزيز السيادة الصناعية للمملكة، إلى جانب السيادة الغذائية، والسيادة الصحية"، دون أن يعلم الدور الجوهري، الذي تلعبه الصين في تحقيق السيادة الصحية للمغرب، وبفضلها وبشراكة معها، جرى إطلاق وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد-19 ولقاحات أخرى في المغرب، في حفل كبير ترأسه الجالس على العرش، يوم الاثنين 5 يوليوز 2022، في القصر الملكي بفاس.
 
وإذا كان رياض مزور، الذي كان آنذاك موظفا في مكتب حفيظ العلمي، يجهل أبعاد هذا المشروع المستقبلي، فسنتطوّع لإحاطته علما أنه مشروع مهيكل، يندرج في إطار إرادة الملك لتمكين المملكة من التوفر على قدرات صناعية وبيوتكنولوجية شاملة ومندمجة لتصنيع اللقاحات في المغرب.
 
كما نُعلم الوزير مزور، الذي يخدم توجّهات مناهضة لإرادة الملك، أن هذا المشروع يرمي إلى إنتاج اللقاح المضاد لكوفيد ولقاحات أخرى رئيسية بالمملكة لتعزيز اكتفائها الذاتي، بما يجعل من المغرب منصة رائدة للبيوتكنولوجيا على الصعيد القاري والعالمي في مجال صناعة "التعبئة والتغليف".
 
كما يهدف هذا المشروع، الذي سيعبئ استثمارا إجماليا قدره 500 مليون دولار، إلى إطلاق قدرة أولية على المدى القريب لإنتاج 5 ملايين جرعة من اللقاح المضاد لكوفيد-19 شهريا، قبل مضاعفة هذه القدرة تدريجيا على المدى المتوسط.
 
ونزيد الوزير مزور علما أن هذه الشراكة المتميزة بين المغرب، التي تأتي امتدادا للمباحثات الهاتفية بين الملك محمد السادس والرئيس شي جين بينغ، الهاتفية يوم 31 غشت 2020، تخدم السيادة الصحية للمملكة، وتكرّس الإشعاع الدولي للمغرب، وتعزز مكانته كمصدر للأمن الصحي في محيطه الإقليمي والقاري...
 
وفوق هذا وذاك، إذا كانت ذاكرة الوزير مزور "المتحور" مثقوبة، فيمكن أن ننعشها بالحدث الكبير ليوم الأربعاء 5 يناير 2022، ممَثَّلا في توقيع كل من وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ونائب رئيس اللجنة الوطنية الصينية للإصلاح والتنمية، نينغ جي تشه، على اتفاقية خطة تنفيذ الحزام والطريق المشتركة بين المغرب والصين.
 
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز الوصول إلى التمويل الصيني، الذي توفره مبادرة الحزام والطريق، لإنجاز مشاريع واسعة النطاق في المغرب، ولتسهيل المبادلات التجارية، وإحداث شركات مختلطة في مختلف المجالات، من الحظائر الصناعية إلى الطاقات، بما في ذلك الطاقات المتجددة، مع تعزيز فرص التعاون بين البلدين في مجالات التعليم والتكنولوجيا والزراعة والصناعة والطاقة والابتكار، فضلا عن تعزيز التعاون الثقافي...
 
إن مبادرة الحزام والطريق، الحاملة لروح السلام والتعاون والانفتاح والاندماج والتعلم والمنفعة المشتركة، تسمح للمغرب والصين بتدشين عهد جديد من التعاون، وفق ما ذكر، عن حق، نينغ جي تشه، الذي أبرز، عقب التوقيع على الاتفاقية مع ناصر بوريطة، أن "الرئيس شي جين بينغ والملك محمد السادس رفعا العلاقات الدبلوماسية الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، في ماي 2016، خلال الزيارة الملكية إلى بيكين، موضحا أن المغرب والصين وقّعا مذكرة تفاهم حول مبادرة الحزام والطريق، في نوفمبر 2017، وبذلك أصبحت المملكة أول بلد مغاربي ينضم إلى هذه المبادرة".
 
وفي كلمة بليغة غنية بالدلالات، شدد نينغ جي تشه على أن التواصل بين الشعبين الصيني والمغربي صار وثيقا أكثر فأكثر، وقال إنه "منذ بداية تفشي جائحة كوفيد-19، أصبح شعبَا بلدينا أكثر دعما وتضامنا مع بعضها البعض"، مؤكدا أن الرئيس شي جين بينغ والملك محمد السادس يوليان أهمية كبرى للشراكة الثنائية الاستراتيجية...
 
هذا ما يسعى الجالس على العرش، منذ عدة سنوات، إلى تحقيقه للمغرب مع الصين، ليأتي، اليوم، وزير "متحوّر" بلون حزب الاستقلال، ليحاول تخريب البناء الملكي، بالدعوة إلى التبعية الاقتصادية لأوروبا، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء حين كانت الدول الأوروبية النافذة تمارس على المغرب شتى الضغوطات السياسية، التي كانت تصل إلى المس بالمصالح المغربية، وبالوحدة الترابية...
 
إن ما يقوم به الوزير مزور، اليوم، لا يختلف عن لعب دور الطابور الخامس لإجهاض المبادرات الملكية، وتعطيل مشاريع الشراكة المغربية الصينية، مثلما فعل حفيظ العلمي مع المشروع الضخم "مدينة محمد السادس طنجة تيك"، التي تنكشف، يوما عن يوم، المسؤولية العملية والسياسية عن العراقيل المنصوبة أمامه من قبل الطابور الخامس، الذي يحنّ إلى العهد الاستعماري البائد...