للتواصل معنا
البريد الإلكتروني: [[email protected]]
حوار مع مهاجر سري.. ميكانيكي ذكي وصاحب خِبرة وكذلك صاحب مِحنة
مصطفى لمودن
خلال وقت وجيز قارب 10 دقائق عرفت معلومات قيّمة من مهاجر من جنوب الصحراء الإفريقية.
أوقفت جالوقتي (يقصد بها عربة ذات محرك) عند ميكانيكي لتبديل زيت المحرك، فجاء شاب ذو بشرة سوداء، قصير القامة نسبيا، يقارب سنه الثلاثين، يحمل مكنسة لها عصا وإناء على شكل شبكة تستعمل في المطبخ لجمع التبرعات، يطلب المساعدة من المارة والمتوقفين..
نُصادف مثل هؤلاء الأشخاص كثيرا في الشارع، وقلّما نُجري معهم حوارا، هناك مَن يجود عليهم بشيء من المال أو الأكل أو الملابس.. وجلهم لا يتقنون الكلام بالدارجة أو العربية.. أحيانا يعتمدون على جُمل قصيرة يرددونها للضرورة التواصلية.
صاحبنا هذا تحدث إلينا، أو تحدثنا معه، أنا وصاحب المحل ومساعدوه..
اُجْمِلُ جلّ أجوبته في ما يلي، بعدما وضعت أسئلة عليه..
قال إنه من الكاميرون!
ولمّا أثار أمامه الميكانيكي خبر إجراء منتخب بلادهم في كرة القدم في الغد مقابلة في إطار كأس إفريقيا للأمم، ردّ بأنه غير مهتم. وهو يتحدث بفرنسية طليقة، يشوبها فقط شيء مِن تحوير في النّطق.
قال إنه قطع المسافة بين الكاميرون والمغرب خلال شهر ونصف، مشيا على الأقدام، وأصر على انه لم يركب أية وسيلة نقل، وكان يجمع الليل بالنهار مع عدد من المهاجرين..
الفظيع في الأمر، عندما قال إنهم كانوا 25 عند الانطلاقة، مات منهم 15 في الطريق، ووصل فقط 10.
فظاعة أولى: قطع المسافة بين الكاميرون والمغرب خلال شهر ونصف، مشيا على الأقدام، وكان يواصل الليل بالنهار مع عدد من المهاجرين.. الفظيع في الأمر، عندما قال إنهم كانوا 25 عند الانطلاقة، مات منهم 15 في الطريق، ووصل فقط 10!
سألته مرة أخرى عن هذه الفظاعة وكيف يتقبلون موت رفاقهم.
أجاب أنه عندما يموت شخص، يحفرون ويدفنونه، ويتصلون بأسرته لتقيم المأتم. وينتهي الأمر!
وذكر أنه أدى أكثر من مليون لمن ساعدوه على الهجرة، وقد عبر الصحاري مرورا بإفريقيا الوسطى إلى الجزائر، حتى وصل إلى مدينة وجدة في المغرب.
سألته عن كيفية عبور الحدود بين الدول، فأشار بأصبعه إلى رأسه، يعني بذلك الذكاء، وفرَك أصبعين من يده، ويعني بذلك المال..
سألته أين ينام وماذا يفعل مع البرد.
قال إنه ينام على الأرض، لم يعد يهاب الموت.
الغريب أنه متمكّن من ميكانيك السيارات، وشرع يُرشد ويساعد المستخدميْن المكلفين بجالوقتي. وفعلا بدا واضحا أنه متمكن، لكنه لم يتمّم العمل.. طلبت من صاحب الورشة أن يشغّله. قال هذا الاخير، إنه (الإفريقي) لا يريد أن يعمل، بل همُّهُ هو الانتقال إلى أوروبا.
كنت أترجم له ردود صاحب الورشة..
بدوره، وضّح بعض الأمور؛ قال إنه لا يعرف ما سيحدث له بالضبط، إما أن يبقى في المغرب أو يهاجر إذا سنحت الفرصة.
وأضاف أنه شرع يُعد الأوراق في المغرب.
قلت له إن لِبلدكم ثروات هائلة، النفط، المعادن، الغابة.. فكيف تترك كل ذلك..؟
كان جوابه بليغا؛ قال هناك فساد ولصوص، وسألني بدوره قائلا: ترى أن المغرب غني بثرواته، ولكن هناك مَن يهاجر إلى إسبانيا، واذا لم يعجبه الحال، ينتقل إلى دول أخرى..
قلت له، هل تجد مشكلة ما مع الأمن.
قال لا، في المدن الصغرى لا شيء من ذلك، فقط في الشمال كطنجة حيث تلك المنطقة معبر للهجرة السرية.
فظاعة ثانية: سألته عن عدم عمله؟ قال بحسرة إنه عمل لمدة 6 أشهر في محل للميكانيك في القنيطرة، لكن صاحب الورشة يعطيه 5 دراهم في اليوم! ويوما فكّك محرك سيارة، وأعاد تركيبه، وعوض أن يتسلم 1000 درهم، اُعطيَ المسكين 200!
الفظاعة الثانية التي تتطلب منا كمواطنين ومسؤولين وقفة إنسانية، عندما سألته عن عدم عمله؟ أجاب بحسرة قائلا إنه عمل لمدة ستة أشهر في محل للميكانيك في القنيطرة، لكن صاحب الورشة يعطيه خمسة دراهم في اليوم! وأضاف أنه فكك محرك سيارة، وأعاد تركيبه، وعوض أن يتسلم ألف درهم، اُعطيَ - المسكين - 200 درهم.. ورد سبب ذلك إلى أنه لا يتوفر على الأوراق..
قبل أن يتسلم مساعدة بسيطة ويرحل مُتمّما جولته، طلب منه أحد مساعدي الميكانيكي أن يَنضمّ إليهم يوم الجمعة لتناول الكسكس.. أعجبه الحال، ظهر ذلك على وجهه، لكنه اعتذر، وأرجع ذلك إلى بقائه في المدينة يومين فقط.
ختاما، لابد مِن تذكير المغاربة أن إخوانهم المهاجرين في مختلف بقاع العالم يصل عددهم إلى خمسة ملايين، ولا أظن أن أحدا منهم اضطر للعمل خلال يوم كامل مقابل نصف أورو.
وكل إنسان، كيف ما كان أصله ومعتقده، يُعامل في الغرب باحترام على العموم، بفعل أعراف مجتمعية استأنست بالهجرة على مدى قرنين، وبفعل قوة القانون رغم بعض الهفوات هنا وهناك.
إن هؤلاء الذين نسميهم "أفارقة" ينتمون لنفس القارة التي تجمعنا، وقد عرف المغرب بدوره الهجرة إليه خلال قرون، وبالتالي وجب حُسن التعامل مع هؤلاء الناس. صحيح أن هناك مجهودا اُنجز، ولكن الوضعية تتفاقم بفعل كثرة المهاجرين، وتوزيعهم على مختلف مناطق المغرب وليس المدن الكبرى فقط.
هناك من الأفارقة الذين ينجزون بعض الأعمال التطوعية الهامشية كتنظيف الأزقة وانتظار إكراميات من طرف السكان. ولكن هناك كذلك من حصلوا على فرص عمل، وهناك من يمارسون تجارة مختلفة بعائد بسيط.
إن موقع المغرب جعله عبر الزمن محط هجرات مختلفة، بل إن جزءا مهما من الشعب تشكل عبر الهجرة من الشرق أو من إفريقيا أو من الأندلس. وبالتالي وجب سَنّ سياسة مستبصرة لمعالجة هذه الظاهرة الإنسانية.
إن الرجل الذي تحدثت إليه ليس عاديا، بل إنه مثقف، وذكي، وصاحب خِبرة في الميكانيك. لكنه كذلك صاحب مِحنة.
