مصطفى سلمة سيدي مولود: هكذا سرقت البوليساريو قرار الصحراويين وعطّلت تقرير مصيرهم
الكاتب :
"الغد 24"
مصطفى سلمة ولد سيدي مولود
في الذكرى الستين لصدور القرار الأممي 1514 (د-15) المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1960، الخاص بحق الشعوب في تقرير المصير، الذي باتت تستند عليه أطروحة البوليساريو بشكل كامل بعد فشل مشروعها التحريري المبني على الكفاح المسلح،
وبعد مرور 46 عاما على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الذي صدر في 16 أكتوبر 1975، وأقر بحق سكان إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب في تقرير المصير. وهو أهم مرجع تتحجّج به جبهة البوليساريو في دفوعاتها المطالبة بتقرير المصير،
رغم أن القرار 1514 الأممي يوازن:
- بين حق الشعوب في تقرير المصير:
2/ لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها...
- وبين حق الدول في المحافظة على وحدتها:
6/ كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لبلد ما تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه...
ومحكمة العدل الدولية طُرح عليها سؤالان:
- هل كانت الصحراء في الحقبة الاستعمارية أرضا بلا سيد؟
- هل كانت لها روابط قانونية مع المغرب وموريتانيا؟
وبالعودة إلى قرار المحكمة الجوابي حول السؤالين، نجد أن جميع الأطراف متفقون على جواب السؤال الأول، ويختلفون في تأويل جواب السؤال الثاني.
الجواب على السؤال الأول: غداة استعمارها من طرف إسبانيا (والذي حددته المحكمة اعتبارا من سنة 1884)، لم تكن الصحراء الغربية أرضا بلا سيد (TERRA NULIUS) لأنها كانت مأهولة بسكان على الرغم من بداوتهم كانوا منظمين سياسيا واجتماعيا في قبائل وتحت سلطة شيوخ أكفاء بتمثيلهم. وإسبانيا نفسها لما أقامت (حمايتها) تذرّعت باتفاقات مبرمة مع الشيوخ المحليين.
وما دامت جبهة البوليساريو تعتبر رأي محكمة العدل الدولية مرجعها الأساسي في تبني قضية الدفاع عن تقرير المصير، والمحكمة أقرت أن سكان الإقليم كانوا منظمين سياسيا واجتماعيا في قبائل تحت سلطة شيوخ أكفاء بتمثيلهم،،،
فما الذي جاء بجبهة البوليساريو التي لم تكن صاحبة الدعوى المرفوعة أمام المحكمة ولا ممثلة في المرافعات؟
ولماذا غُيّب شيوخ القبائل الذين اعترفت لهم المحكمة بأنهم ممثلون أكفاء. وفوق ذلك هم منتخبون بشكل ديمقراطي من قبائلهم منذ سنة فقط في سابقة لم يشهدها تاريخ البادية التي يتوارث فيها منصب زعامة القبيلة؟
كان سكان الإقليم سيحسمون أمرهم ويقررون مصيرهم عن طريق ممثليهم الذين يشكلون برلمان الإقليم (الجماعة)، المكوّن من شيوخ القبائل المنتخبين حديثا، لولا أن الجزائر التي لا تربط سكان الإقليم بها أية روابط، خشيت أن يحسم الأمر لصالح المغرب، بعد أن أقر البند الثالث من اتفاقية مدريد 14 نوفمبر 1975، التي تخلت بموجبها إسبانيا عن ادارة الاقليم، بأن: "يحترم رأي سكان الصحراء المعبر عنه من خلال الجماعة"، التي بايع رئيسها المرحوم خطري ولد الجماني يوم 3 نوفمبر 1975، المرحوم الملك الحسن الثاني في أكادير، أيامَ كان يشرف على التحضيرات النهائية للمسيرة الخضراء.
فأوعزت الجزائر لقيادة البوليساريو بأن يسحبوا أكبر عدد من شيوخ القبائل من داخل الإقليم بأسرع وقت ممكن حتى لا يجددوا بيعتهم لسلطان المغرب كما فعل رئيسهم.
قامت البوليساريو باستدعاء شيوخ الجماعة إلى لقاء تشاوري قيل لهم في البداية إنه في "كلتة زمور"، ولما حضروا إلى "الكلتة"، قيل لهم إن مقر الاجتماع تحول إلى "تفاريتي"، ثم "اجديرية" ثم "المحبس"، وأخيرا وجدوا أنفسهم في "الرابوني" فوق التراب الجزائري، وقد قطعت الحرب طريق الرجعة عليهم وأصبحوا رهائن في حمادة تيندوف، حيث أُجبروا على توقيع ما تسميه البوليساريو اليوم زورا: "وثيقة الكلتة التاريخية"، التي تذل الشيوخ وتناقض كليا رأي محكمة العدل الدولية بأنهم ممثلون أكفاء لقبائلهم المشكلة لسكان الإقليم:
نص ما تسميه البوليساريو وثيقة الكلتة
نحن أعضاء الجمعية العامة (الجماعة) المجتمعين في القلتة يوم 1975/11/28 نؤكد من جديد الإجماع على ما يلي:
1 - أن الطريق الوحيد لاستشارة الشعب الصحراوي هو تمكينه من تقرير مصيره بنفسه، والحصول على استقلاله من غير أي تدخل أجنبي مهما كان نوعه، وبالتالي فإن الجمعية التي لم تنتخب ديمقراطيا من قبل الشعب الصحراوي لا تستطيع أن تقرر مصيره.
2 - ولكي لا يستطيع الاستعمار الإسباني استعمال هذه المؤسسة المزيفة، وعلى إثر المناورات التي يقوم بها أعداء الشعب الصحراوي، فإن الجمعية العامة وبإجماع أعضائها الحاضرين تقرر حل نفسها نهائيا.
3 - أن السلطة الشرعية والوحيدة للشعب الصحراوي هي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بعد الاطلاع على ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق التابعة لهذه المنظمة.
4 - في إطار حل يقوم على أساس الوحدة الوطنية، وخارج أي تدخل أجنبي، أسس مجلس وطني صحراوي مؤقت.
5 - نحن موقعي مدينة القلتة، نؤكد من جديد تأييدنا غير المشروط للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي".
هذه الوثيقة المهينة، التي أُجبر شيوخ القبائل الصحراوية بعد أن أصبحوا محتجزين فوق التراب الجزائري على توقيعها، لا تذلهم وتذل قبائلهم التي انتخبتهم فحسب، بل تناقض نفسها حينما تقر في البند (2) أن جماعة شيوخ القبائل المنتخبين هي مؤسسة مزيفة، وفي البند (3) يقولون إن جبهة البوليساريو التي لم ينتخبها احد الموجودة خارج الإقليم هي السلطة الشرعية الوحيدة للصحراويين، وأن شيوخ القبائل يبايعونها (بند 5) باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي.
لم تكتفِ جبهة البوليساريو بالقضاء على مؤسسة الشيوخ، وإنما عمدت إلى تحطيم رمزيتهم بإخضاعهم لفترات تدريب مهينة وحاطة بالكرامة في مدرسة 12 أكتوبر. أجبروا فيها على حلق لحاهم، وكانوا يتعرضون للسب والشتم صباح مساء، قبل أن يوزعوا على مقرات البوليساريو حرسا لبوابات القيادة الجديدة، التي أصبحت هي الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين، ضدا على رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري الذي تتحجج به البوليساريو في دفوعاتها المطالبة بتقرير المصير الذي عطّلته منذ اليوم الأول...