رحيل خالد الجامعي.. وداعا أيها الإعلامي الشامخ النبيل
الكاتب :
"الغد 24"
مراد بورجى
بمزيد من الألم، تلقيت، صباح اليوم الثلاثاء فاتح يونيو 2021، خبر وفاة الإعلامي الكبير خالد الجامعي بمنزل ابنه بالدارالبيضاء، بعد معاناة لعدة سنوات مع مرض السرطان.
وكان الراحل قد نقل إلى مصحة خاصة بعد تدهور حالته الصحية، إلاّ أنه طلب بنفسه أن يُعاد نقله إلى البيت ليقى ربه فيه.
تعرّفت على خالدنا الجامعي منذ أزيد من ربع قرن، واقتربت منه، بالخصوص، في تجربة أسبوعية "لوجورنال" نهاية التسعينيات، إذ كان يجمعنا سهر الليالي في "البوكلاج"، حيث تعرفت على خالد الجامعي الصحافي والصديق والإنسان في نفس الآن.
تعرفت على صحافي مغربي مخضرم يجرّ وراءه تاريخا من العطاء الإعلامي، مثلما تعرّفت على خالد المواطن الإنسان الحالم بالحرية وبمغرب جديد يرفل فيه المغاربة في عيش رغيد... كان زميلنا وأستاذنا وصديقنا خالد نموذجا للإعلامي الشامخ وللإنسان النبيل...
لقد كان الراحل، بالفعل، من جيل الرواد في الصحافة والإعلام، وكان أحيانا ينفلت من القواعد المؤطَّرة، كعضو في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، فيشاغب هنا وهناك، عندما يغلب عليه جانبه النضالي، الذي ظل يمارسه من أجل قضايا الشعب، ومن أجل الحقوق المواطنية، والحريات الديمقراطية، فكان أحيانا يضيق به قميصه الاستقلالي عندما كان رئيسا لتحرير "لوبينيون"، فيضرب الطاولة، ويبصم على خرجات قوية، ما زلنا جميعا نذكرها، ومنها خرجته في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما هاجم "المخزن"، و"أم الوزارات" آنذاك، بوزيرها القوي الراحل إدريس البصري...
لقد ظل خالد الجامعي وفيا لروحه المتمردة وشخصيته المشاغبة، التي كانت تمزج بين سلفية متنوّرة ومجدّدة لعلال الفاسي، وبين الانحياز أحيانا لبعض توجهات الحركة الماركسية اللينينية المغربية، التي كان على صلة ببعض رموزها، من أبراهام السرفاتي إلى عبد اللطيف اللعبي... الشي الذي تسبب في الحقيقة في اعتقاله، الذي لم يكن بسبب نشره لصورة في الجريدة لمولاي رشيد غير مرخص لها بالنشر.
كان خالد الجامعي يحلم بالتغيير، تغيير المغرب وحتى العالم، عندما التحق نهاية الستينيات بديوان وزير الثقافة آنذاك محمد الفاسي، لكن سرعان ما استوعب أنه عاجز، في موقعه، عن "تغيير النظام المخزني"، وأنه إذا لم يتمسك بالحيطة والحذر، فسوف يبلعه "هذا الغول المتربص الخطير" كما كان يقول، فلم يجد بدا من الفرار إلى أحضان جريدة (لوبينيون) للإشراف على صفحتها الثقافية.
وعاش تجربة غنية في جريدة كانت تتقدم مرة وتتقهقر أخرى تبعا لحرارة أو برودة العلاقة الظرفية التي تربط الحزب بالقصر، كان الحزب يضع خطوطه الحمراء للجريدة. يقول الجامعي عن هذه الوضعية "كنا كلما نازعتنا رغبة إلى الانحراف عن تلك الخطوط الكهربائية الحمراء، نعاد بكيفية صارمة إلى الخط المرسوم كما تعاد الأغنام السائبة إلى الحظيرة الآمنة، وغالبا ما كانت تتخذ في حق المتمردين منا عقوبات قاسية رادعة"...
ولذلك، عندما تولى رئاسة تحرير الجريدة كان، باستمرار، يعمل على توسيع هامش حرية التعبير، ينضبط حينا لخطوط حمراء لا أحد، في الحزب أو الجريدة، تصدّر مهمة بلورتها ورسم حدودها، وأحيانا كثيرة كان يكد ويجتهد حتى لا يُعرّض الصحافيون أنفسهم لتعذيب تلك الخطوط الحمراء، التي ظلت عبارة عن رمال متحركة لا تستقر على حال أو قرار...
وخلال كل ذلك، راكم خالد الجامعي تجربة في غاية الأهمية، رغم أنه كان يتعذب أكثر عندما يضيق عليه القميص السياسي، الذي يرتديه، ولم يهنأ له بال إلا بعد أن مزّق القميص، وخرج "يهيم" في أرض الله الواسعة، حيث عاش تجربه مجلة "لوجورنال"، حيث سيزاوج بين الكتابة الصحفية، وبين التحليل السياسي، فقد اختار أن يكون من هو، ويقول ما يريد بالصيغة التي يريد، وفي كل ذلك، سواء اتفقتَ أو اختلفتَ معه، لا يمكن إلا أن تحبه، وأن تعزه وتقدره، فقد بنى بيتا شامخا في مسيرة الإعلام المغربي لا مثيل له يحمل اسم وعنوان "خالد الجامعي"...
وداعا وحبا واحتراما وتقديرا أيها الإعلامي الشامخ الكبير النبيل...