الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

التدخين.. مول البلية القاتلة لا يشيخ ولا يسرق اللصوص بيته ولا تعضّه الكلاب

 
محمد الخدادي
 
 
للتبغ ثلاث "مزايا"، فالمدمن على تدخينه لا يشيخ، ولا يسرق اللصوص بيته، ولا تعضه الكلاب.
 
هذا ما قاله نص في كتاب لبناني للقراءة (كانت تسمى "التلاوة") كان معتمدا في أقسام الابتدائي بالمغرب في الستينيات من القرن الماضي، ولو أنه لم ينافس سلسلة "اقرأ" المغربية، للراحل أحمد بوكماخ.
 
إن المدخن، بالمنطق التربوي للنص، يموت في منتصف العمر، في أحسن الأحوال، فلا تدركه الشيخوخة. ولما كان التدخين ملازما للكثير من الأمراض الصدرية والتنفسية (أو هي ملازمة له)، فإن المدخن دائم السعال، ليل نهار، حتى إذا همَّ اللصوص في الليل بالاقتراب من بيته سمعوا سعاله وأدركوا أنه مستيقظ. أما الكلاب، فلن تتجرأ على الاقتراب من المدخن، وهو مضطر لأن يتسلح بعصا يتوكأ عليها بسبب وهن الجسد بفعل أمراض التدخين.
 
يوم عالمي من دون تدخين
أعلنت وزارة الصحة عن حملة وطنية، ابتدأت من اليوم الاثنين 31 ماي 2021، الذي يصادف اليوم العالمي للامتناع عن التدخين (31 ماي)، وتنتهي يوم 30 يونيو 2021، بهدف توعية السكان بمخاطر التدخين ومزايا الإقلاع عنه، خاصة خلال تفشي وباء كوفيد-19.
وكشف المسح الوطني حول عوامل الاختطار للأمراض غير السارية (2018) أن نسبة المدخنين بالمغرب تبلغ 13,4 في المائة من البالغين بما في ذلك 26,9 في المائة من الرجال و0,4 في المائة من النساء، وتصل نسبة انتشار التدخين بين المتمدرسين المتراوحة أعمارهم بين 13 و15 سنة إلى 6 في المائة (2016)، فيما يتعرض حوالي 35,6 في المائة من السكان للتدخين غير المباشر في الأماكن العامة والمهنية.
وعلى الصعيد العالمي، يتسبب استهلاك التبغ في وفاة ما يقرب من 8 ملايين شخص سنويا، منهم نحو 1.2 مليون شخص معرضون للتدخين اللاإرادي...
 
مازالت البرامج التعليمية تولي أهمية لأضرار التدخين، إلا أن خطاب التحسيس لا يمر، ولا يؤدي وظيفة التوعية. كما تعجز حملات التحسيس للجمعيات المدنية والصحية، عبر وسائل الإعلام والأنشطة الميدانية، عن الحد من تزايد عدد المدخنين، ما دامت تجارة السجائر في ازدهار متزايد، حتى إن الشركة الإسبانية للتبغ "ألطاديس"، وريثة "الريجي" المغربية، أصبحت مدينة بأرباحها فقط لرئات المدخنين المغاربة، الذين أنقذوها من خسائر جسيمة، بسبب تراجع نشاطها في إسبانيا، فحافظت على مستوى أدائها الجيد بفضل مبيعاتها في المغرب، إذ زاد توزيعها من السجائر بنسبة 3.7 في المائة، بينما تراجعت نسبة التوزيع في إسبانيا.
 
تعني هذه المعطيات أن المغاربة أكثر تدخينا من الإسبان، رغم فارق عدد السكان، إذ تضم إسبانيا 47 مليون نسمة، مقابل 33 مليون نسمة في المغرب.
 
يحرق المغاربة أصحاب "البلية" القاتلة حوالي 15 مليار سيجارة في السنة، حسب أرقام كان أُعلن عنها في المناظرة الوطنية لمكافحة التدخين، بمعدل حوالي 450 سيجارة في السنة لكل مغربي، من الرضيع إلى الشيخ.
 
ويدخن الذكور حوالي 16 سيجارة في اليوم، والإناث يستهلكن 8 سجائر في اليوم، وينفقون من أجل ذلك حوالي 15 مليار درهم في السنة.
 
الأرقام ذاتها تفيد أن 18 في المائة من المغاربة هم مدخنون، 31 في المائة منهم رجال و3 في المائة نساء، كما أن 10 في المائة من الأطفال المتمدرسين ما بين 13 و15 سنة يدخنون، حسب إحصائيات تعود إلى سنة 2010، فيما تفيد إحصائيات أخرى أنجزت سنة 2012 أن 8 في المائة من الوفيات العامة بالمغرب ناتجة عن التدخين، وأن 75 في المائة من الوفيات الناتجة عن سرطان الرئة، و10 في المائة من الوفيات الناتجة عن أمراض الجهاز التنفسي، هي بسبب التدخين.
 
بهذه الأرقام يحتل المغرب المرتبة الأولى في منطقة البحر الأبيض المتوسط كأكبر بلد يستهلك التبغ، وصنف في المرتبة الخامسة عالميا (بينما يتقهقر مركزه في التعليم وفي فعالية محاربة الرشوة).
 
وكما هو الشأن في مجالات أخرى، ليس غياب التشريع دائما هو أصل الداء، بقدر ما يتعلق الأمر بالثغرات والملابسات المحيطة بتطبيق القوانين، وبعلاقة المغاربة المتوترة مع القانون بشكل عام، مثل قانون السير المقترن بحرب الطرق، وقانون الضرائب الموعود للتحايل والتهرب، وللمقت في أضعف الأحوال.
 
فقد وقع المغرب على الاتفاقية العالمية لمكافحة التدخين عام 2004، وقبل ذلك صدر أول قانون خاص بالتدخين سنة 1991، يمنع ممارسة هذه "البلية" القاتلة في كل مكان معد للاستعمال الجماعي، وكذا في المؤسسات العامة والمكاتب الإدارية.
 
ودخل قانون 1991 الخاص بالتدخين حيز التنفيذ عام 1996، وخلال أزيد من عقدين، لا يبدو أن مخالفة واحدة سجلت في الموضوع. وفي هذه الحالة يوجد احتمالان، فإما أن المدخنين يتميزون بين المغاربة بروح عالية في احترام القانون، ولا يشعلون السيجارة إلا بعد التأكد من توفر الشروط الضرورية لسلامة غيرهم من سموم ممارستهم! أو أن منع التدخين في الأماكن المحظورة كان مجرد نزوة عابرة لإرضاء الضمير.
 
بعض عناصر الجواب قد توجد في هذا المشهد: في مكتب للشرطة يجلس الراقن خلف الحاسوب، الذي عوّض الآلة الكاتبة العتيقة، وتطرد المرأة الجالسة على الطرف الآخر من الطاولة سحب دخان سيجارته بكم جلبابها عن أنف رضيعها، وهي تغالب السعال لتدلي بالبيانات المطلوبة في قضيتها.
 
في اليوم العالمي لمكافحة التدخين (31 ماي)، يتجدد التحدي أمام أصحابه: السيجارة أم الحياة؟