الحسن الثاني الفنان.. عندما أوقف أم كلثوم وهي تؤدي أغنية "فكروني" لتذكيرها بأبيات القصيدة التي نسيتها

 

 

يُجمع كثير من الدارسين لفكر الملك الراحل الحسن الثاني، أن هذا الملك الذي حكم المغرب قرابة أربعة عقود، ومسك زمامه بقبضة حديدية، كان خطيبا مفوها، متمكنا من اللغة، بارعا في فنون القول وزخرف الحديث و"طرز الكلام"، كما كان موظِفا بارعا لتراكمه الثقافي في خطبه واستجواباته الصحفية.. إذ لا يمكن أن يخاطب شعبه دون أن يستند في حديثه على بيت شعري أو مثل شعبي، ناهيك عن نهله بشراهة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال كبار الفقهاء والعلماء والفلاسفة.. كل ذلك كان ينطلق منسابا، كشلال جارف، على لسانه الذي ألف ارتجال الخطب بتلقائية وعفوية نادرتين. وتعكس هذا التفرد في غنى الإنتاج الشفهي للملك، إطلاعه الواسع على العلوم والتراث الأدبي والفقهي والفلسفي.. وهو ما جعله مميزا بين حكام عصره.

 

كما كان الملك الحسن الثاني وفق مصادرنا، يحفظ كثيرا من القصائد الشعرية لكبار الشعراء القدامى والمعاصرين، وكان يستظهرها عن ظهر قلب في جلساته الخاصة مع مؤنسيه.. حتى أنه كان يفاجئ بعض عمالقة الفن المشرقي بدرايته العميقة بأسرار الشعر، ومضاهاتهم في مجال تخصصهم، ذلك أنه كان يفاجئ بعض الفنانين الكبار ببعض القصائد الشعرية أو يتدخل في الوقت المناسب، وهم يؤدون الأغاني في حضرته، لتصحيح ما غاب عنهم في الأبيات التي يحفظونها، وقد حصل ذلك ذات مرة مع كوكب الشرق أم كلثوم، حيث غنت في حضرته أغنية "يا رسول الله خذ بيدي" لتنتقل إلى أغنية "فكروني" الشهيرة، وحسب الفنان الراحل صالح الشرقي الذي تميز بعزفه على آلة "القانون" كان الحسن الثاني يتدخل ليذكر أم كلثوم ببعض الأبيات التي نسيتها من القصيدة، وكان يحفظها عن ظهر قلب، مما جعلها مندهشة أمام ملك مثقف ومولوع بالشعر. لقد كان الحسن الثاني يقدر الشعر والشعراء، ويتذوق الكلمة بحس رفيع.

 

ذات مرة، نادى الملك الراحل على الشاعر الغنائي الكبير فتح الله المغاري، وقال له "إنك كاتب جيد للكلمات، فلماذا لا تتعامل مع الملحنين والمطربين، عوض أن تقوم بالتلحين والغناء لنفسك فقط؟. إن هذا التعاون الفني سيعطي كلماتك وقعا أكثر قوة في أذن المستمع".. وبالفعل كانت نصيحة الحسن الثاني في محلها، إذ بمجرد انفتاح الشاعر فتح الله المغاري على ملحنين ومغنين آخرين، حتى أصبحت لكلماته وقع وتأثير في الأغنية المغربية.