الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

دسمبر 1975 - دسمبر 2020.. من أجل قراءة صفحات مأساة المغاربة المطرودين من الجزائر

 
قال التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975 إن هؤلاء المعنيين يقومون، اليوم، بتمرين جيد على مقاومة الضغوط من أجل إعادة امتلاك جزء من تاريخهم دون نوستالجيا ودون حقد أيضا، ومحاولة للفهم، فهم وتحليل مع العودة إلى الماضي، والاستماع للشهادات وتقاطع الأحداث...
وأكد التجمع، في بلاغ مؤثر توصل به موقع "الغد 24"، إن الهدف من هذا التمرين هو "بكلمة واحدة: إعادة تشكيل هذه المرحلة من التاريخ، التي تم نسيانها بسرعة، إنها صفحة من التاريخ تم طيها لكن دون قراءتها"...
ووجه التجمع، بمناسبة هذه الذكرى المؤلمة (8 دسمبر)، نداء إلى "كل الأشخاص الذين تحركهم مبادئ التضامن والاحترام المتبادل وليس الكراهية والحقد كي يلتحقوا بنا من أجل تقاسمها وحملها وإيصالها إلى حد الاعتراف بالخروقات الحاصلة، ولتذكير المسؤولين الجزائريين بثقل مسؤولية شاملة تظل ثقيلةً. وبدون ذلك، نكون مضطرين للتذكير بالأمر في شهر دجنبر من كل سنة"...
وبالنظر للأهمية البالغة لهذا البلاغ اللبليغ والمؤثر، ندرج نصه الكامل في ما يلي:

في الثامن من دجنبر 1975، اتخذت الحكومة الجزائرية قرارا بطرد آلاف المواطنين المغاربة المقيمين بصفة شرعية بالتراب الجزائري.

هؤلاء الأشخاص الذين اندمجوا، منذ عقود بالجزائر، أسسوا أسرا (خاصة جزائرية مغربية) وحملوا السلاح خلال الحرب في مواجهة المحتل الغاشم، لتتم مجازاتهم في النهاية بقرار الطرد التعسفي، وحتى بدون سابق إشعار، نحو المغرب.

وقد أعطي الأمر بتنفيذ هذا القرار المتسرع في يوم عيد الأضحى، العيد الذي تحوّل إلى مأساة إنسانية، بالنسبة للذين شملتهم وكافة أفراد أسرهم عمليات الطرد.

وبحلول الذكرى 45 لهذه "المناسبة" الأليمة، مازال الأفراد الذين طالهم قرار الطرد ومن ذوي حقوقهم، يتساءلون مجددا حول هذه الوقائع.

إنها ذكرى كئيبة كما هو الشأن في كل سنة، لكن وقعها هذه السنة، يكتسي طابعا أكبر بفعل تداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد.

لقد وقع هذا المشهد في الوقت الذي كان فيه المسلمون، عبر العالم، يحتفلون بأحد أهم الأعياد الدينية: عيد الأضحى، حيث اقتيد الآلاف من النساء والرجال والأطفال والمسنين ومن ذوي الإعاقة في اتجاه الحدود المغربية. إنهم أفراد من أصول مغربية، أرغموا على مغادرة الجزائر مطرودين من البلد الذي استقروا به، منذ عقود من الزمن، وغالبيتهم رأوا النور به.
إن المعاناة تصبح كبيرة عندما يكون من يقف وراءها وتسبب فيها، مسؤولون ببلد جار، بلد شقيق. لقد مرت إذن 45 سنة على هذه المأساة.
 
الخروج من صمت مطبق

بسبب مشاعر الخجل/ أو الرغبة في نسيان مآسى هذا الماضي الأليم والأحزان التي تراودهم دوما، حافظ الأشخاص المطرودون من الجزائر على الصمت ورباطة الجأش، جاعلين الألم مضمرا في أعماق نفوسهم، إلى حين دفنه معهم.

لقد ورث الأبناء والأحفاد هذا الموضوع، الذي أصبح في نظرهم عملا مؤسسا لذاكرتهم وماضيهم، واحتفظوا(ن) أيضا بآثار هذا الطرد، ولكن، على عكس آبائهم، حركتهم(ن) إرادة قوية في أن يروا هذه الأحداث معترفا بها، كي يتم رد الاعتبار لهم ولتاريخهم وآلامهم. وانطلاقا من ذلك تاريخ صيانة ذاكرة أعزائهم الراحلين وآلامهم ولو بشكل غيابي.

ومع تجاوز خطاب الضحية، ومع تعبئة روح الانفتاح والتصالح والإنصاف التي تحذوهم بشكل دائم، قرروا أن يحولوا مشاكلهم وآلامهم وصعوباتهم ضمن استراتيجية جماعية، تقوم على ضمان مصلحة أكبر عدد ممكن من الأفراد.

وهو تمرين جيد على مقاومة الضغوط من أجل إعادة امتلاك جزء من تاريخهم دون نوستالجيا ودون حقد أيضا، ومحاولة للفهم، فهم وتحليل مع العودة إلى الماضي، والاستماع للشهادات وتقاطع الأحداث...، وبكلمة واحدة إعادة تشكيل هذه المرحلة من التاريخ التي تم نسيانها بسرعة، إنها صفحة من التاريخ تم طيها لكن دون قراءتها.
 
مبادرة مهداة للذاكرة ولاحترام حق الإنسانية

 لقد قام ذوو الحقوق، الذين عاشوا هذه المأساة الإنسانية، بتحيينها وجعلها ذاكرة حية من خلال تأسيس جمعيات لهذا الغرض، أو عبر القيام بأعمال فردية، ومن خلال شهاداتهم وكتاباتهم ومرافعاتهم المتعددة. و"أحداث" دجنبر 1975 معروفة اليوم بالنسبة للعموم، وبالنسبة للهيئات الدولية، التي اطلعت على الملف، من قبيل مجلس حقوق الإنسان ولجنة حماية العمال المهاجرين، ضرورة أو واجب مواصلة إثارة هذا الملف.

إن هذه الاعترافات المذكورة مهمة، ولكن تبقى غير كافية بشكل كبير، وناقصة وجزئية، خاصة عندما يتم أحيانا حجب الأحداث نفسها وتداعياتها، وإعادة النظر في وجودها.

وأمام هذه التأكيدات لحملات الطرد، فإن الغرض منها ليس التنقيص من جدواها أو نفيها تماما من قبل السلطات الجزائرية في 1975، بل العمل على كشف وإطلاع واحد على الوثائق المجمعة في جنيف، وكلها تشكل أرقاما ذات دلالة.

 لقد تم، ابتداء من دجنبر 1975، توزيع كميات ضخمة من المواد الغذائية والخيام والأغطية في مخيمات بالمغرب في أعقاب عمليات الطرد الجماعية التي كان ضحيتها هؤلاء المغاربة المقيمون بالجزائر.

من الصعب تصور أن آلاف الأطنان من الحليب، ومئات الآلاف من الأغطية يتم توجيهها إلى ثلة من الأشخاص. هذه المعلومات المستقلة في جنيف ليست إلا الجزء المرئي من جبل الجليد، وهي تمثل جزءا من القسم الغارق الذي يلزم تسليط الضوء عليه للرد على الأسئلة التي ظلت معلقة، ويتعلق الأمر إذن بمواصلة العمل على هذه الأحداث "التاريخية" من أجل تسجيلها وفق منظور تاريخي، وإعادة الاعتبار لكرامة آلاف الأشخاص وكذا التحذير كي لا تتكرر فترات مأساوية كهذه (من بين أخرى) في تاريخنا.

وستتيح هذه القراءة أيضا لكافة الأشخاص المطرودين، الذين مازالوا على قيد الحياة، أن يقولوا لأنفسهم وأن يتحدثوا، وأن يتاح لهم التحرر من آلامهم، ليس مجرد تنفيس، ولكن تحويل ذلك كطاقة إيجابية لخدمة الذاكرة وضمان مستقبل أكثر صفاء. وفي هذه الشهادات هناك مجال للاستماع (والإنصات) لأصوات، لم يتم الاستماع إليها بشكل جيد، أو لم يتم الإنصات لها بما فيه من كفاية.

أصوات النساء، إنه من الضروري أن تعطى لهن الكلمة لأنهن عِشن أيضا الآلام وساهمن بشكل يومي في التكفل بعائلاتهن المكلومة. 
وفي ظل هذه الإجراءات الضرورية والحيوية، يتم فهم الأخوة بين الشعوب باعتبارها إحدى الحلقات القوية في هذه السلسلة، لأن مستقبل السلام والعدالة يبنى على أساس التضامن والاحترام المتبادل، وليس على أساس الكراهية والحقد.

وبمناسبة هذه "الذكرى" المؤلمة نوجه نداء إلى كل الأشخاص الذين تحركهم هذه المبادئ كي يلتحقوا بنا من أجل تقاسمها وحملها وإيصالها إلى حد الاعتراف بالخروقات الحاصلة، ولتذكير المسؤولين الجزائريين بثقل مسؤولية شاملة تظل ثقيلةً. وبدون ذلك، نكون مضطرين للتذكير بالأمر في شهر دجنبر من كل سنة. وفي هذا السياق، نشير إلى أن 10 دجنبر هو اليوم العالمي لحقوق الإنسان.