الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

احتفالية من زمن مضى.. سونا وبّا الشيخ وبوجلود بالدارجة وبيلماون بودمان بالأمازيغية

 
محمد الخدادي
 
 
"سونا" هو حفل تنكري (كرنفال)، كان ينظم يوم ثاني عيد الأضحى في قبائل مقدمة الريف، وخاصة في قبيلة البرانس، شمال مدينة تازة.
 
يتميز بحمل تمثال لجمل، جسمه مصنوع من أكياس القنب وأطراف جلابيب صوف قديمة محشوة بالتبن، ورأس من جمجمة بغل أو حمار.
 
يتكون الموكب من شخوص هزلية، منها بّا الشيخ وزوجته، يفترض أنه متقدم في السن، إذ يلبس قناعا بلحية بيضاء من قطعة هيدورة، وهو الشخصية الرئيسية بين باقي الشخوص التي تحتكم إليه خلال مسار الموكب، والمهرج وبورماد واليهودي... ولكل واحد لباس خاص به.
 
يحمل الجملَ شخصان من الخلف والأمام، لا تظهر إلا سيقانهما، فيبدوان كقوائم الجمل، ويتحكمان بحبال في حركات عنقه ورأسه. وعند المرور بالمنازل، يعملان، بواسطة فكي "الجمل"، على التقاط قطع من أضحية العيد، التي تكون معلقة على حبال لتجف.
 
كانت "سونا" تنجز يوم ثاني عيد الأضحى، ينظمها وينشطها عادة أفراد فرقة الغيوان (الفرايجية) ومحبو هذا الفن، ويتبع موكبها حشد كبير من الأطفال والمراهقين والشاب، يتبادلون "القرنابي" مع أبطال وشخصيات التظاهرة، مع الحرص على عدم الاقتراب كثيرا من بورماد، صاحب المزود المليء بالرماد، لتفادي حفنة منه، يقذفها على وجه الضحية في غفلة منه.
 
أما الخطأ الأكبر، فهو الوقوع في يد السائرين قرب الجمل، إذ يمسكون بالضحية ويُركبونه على سنامه، وعند الاقتراب من مزبلة، يعطون إشارة إلى حامليْه، فيسقطانه فيها.
 
عند بداية حلول الظلام، يتفرق الجمع، ويُحتفظ بالجمل وبقية الأدوات لدى أحد المنظمين للسنة المقبلة، ثم يُنظم عشاء جماعي بما تجمّع من عطاءات لحم العيد وقطع سكر خلال جولة "سونا" على البيوت.
 
ظلت احتفالية "سونا" تنظم على نطاق واسع إلى حدود منتصف ستينيات القرن العشرين. وشكلت الهجرة إلى أوروبا والانخراط في الجندية أحد أسباب انقراض هذه التظاهرة الاحتفالية بالمنطقة.
 
عموما، عُرفت هذه الاحتفالية كتراث ثقافي في مجمل مناطق المغرب، باسم سونا وبّا الشيخ وبوجلود في المناطق الناطقة بالدارجة، وباسم بيلماون بودمان (جلود الأضاحي) في سوس، بالأمازيغية. وكلها ترتبط بجلود أضحية العيد. واستمر الاحتفال بها منتظما في بعض المناطق، وجرى إحياؤها في مناطق أخرى خلال العقود الأخيرة.
 
سونا وعرفة وعاشوراء... هي طقوس احتفالية قديمة لدى الأمازيغ، كانت سابقة على دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا (مثل حكَوزا وسنينة)، إما وثنية أو ارتبطت بالديانتين اليهودية والمسيحية، ثم وقع تكييفها لاحقا مع المناسبات الدينية في عهد الإسلام.
 
يشكل إدماج شخصية اليهودي في حفل سونا مؤشرا على وجود قديم لليهود في بلاد البرانس، وهم إما سكان أصليون، ظلوا على الديانة اليهودية بعد انتشار المسيحية ثم الإسلام، أو من يهود الأندلس، الفارين من الاضطهاد الديني في القرن 16، وصلوا إلى المنطقة، وهي قريبة من مراكز استقبال اليهود آنذاك (فاس، وازان، الشاون).
 
أما استعمال رمز الجمل في سونا، وهو حيوان غريب عن المنطقة، فقد يكون إحالة كاريكاتورية على التوتر والصدام القديم بين السكان الأصليين والقبائل العربية الوافدة من المشرق، التي أدخلت هذا الحيوان إلى شمال إفريقيا.