الدكتور الفقيد سعيد ناقوس.. هذا الطبيب من زمن غير زمن الجشع والاغتناء من معاناة وآلام الناس
الكاتب :
"الغد 24"
عبد الكريم التابي
هنا بن جرير..
على مقربة من حمام المرحوم الحاج العربي، الذي لم يتبق منه سوى بضعة أحجار مستوية على الأرض، وفي زقاق تنبعث منه رائحة زيوت المحركات، وفحيح "شاليموات" التلحيم، وجلبة المارة، خاصة يوم انعقاد السوق الأسبوعي، هناك نبتت، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، عيادة متواضعة في شكلها الخارجي والداخلي لطبيب شاب تميل بشرته إلى السمرة، ويبدو من خلال أسنانه المطلية بترسبات الفوسفاط، أنه واحد ممن خرج من صلب ذلك التراب الذي لا نصيب لساكنيه منه، سوى الغبار وتشقق جدران البيوت في ابن جرير ونواحيها وفي اليوسفية ونواحيها، ومنها "المزيندة" التي قضى بها طفولته...
ذلك الشاب الخافت الصوت، هو الدكتور سعيد ناقوس الذي بكاه بحرقة كثير من سكان ابن جرير الذين أجمعوا على أنه طبيب الفقراء بامتياز في زمن لم يعد قطاع واسع من الطب الخاص يرى في المريض إلا فريسة للنهش والابتزاز في العيادات والمصحات الخاصة.
ما كان للفقيد سعيد ناقوس أن يحوز كل ذلك التقدير والرثاء والبكاء، لو لم يكن المعزون والراثون يعلمون أن الرجل كان، قيد حياته وعمله، يخفف كثيرا من الآلام ومعاناة العوز وقلة ذات اليد، تارة بفحص بعض المرضى المعوزين بالمجان، وتارة بأخذ ما يقل عن التسعيرة بكثير، وتارة بمنح الدواء لمن لا يجد إليه سبيلا. ولا نغالي إذا ما قلنا إن الفقيد جسّد كثيرا من معاني نبل الطبيب وشرف البذلة البيضاء وقسم إيبوقراط.
له التقدير والاحترام حيا، وله ضعفهما وهو تحت الثرى تنهال عليه دعوات الناس كمطر مدرار.