الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رحيل مفجع.. جائحة كورونا تختطف الكاتب والإعلامي والشاعر المغربي حسن السوسي (+ فيديو)


أحمد نشاطي
 
خبر مفجع هذا الصباح أعلمني به رفيقي عزيز لعوينة، في البداية لم أصدق، بعدها مرت عدة دقائق أحاول قسرا أن أصدق، لا أعلم لماذا أخبار موت أشخاص لهم جزء من كينونتنا دائما تصدمنا، تفاجئنا، تفجعنا ولا نصدقها...
الرفيق حسن السوسي مات،  اقتلعه منا الوباء اللعين، ليلة أمس الأحد، بمستشفى مولاي علي الشريف بالراشدية، متأثرا بمضاعفات إصابته بفيروس كورونا. لن نلتقيه بعد، لن نجلس معه في مقهى إيطاليا قبالة محطة القطار المدينة في الرباط، ولا في مقهى بّول على مقربة من الروبيو... غادرتنا إلى الأبد بسمته الجميلة، نظرته الطيبة الحنونة، حتى وهو في قمة الغضب، وقليلا ما يغضب، يحافظ على دماثة الخلق، منذ عرفناه كان أرْزنَ رفاقنا، كان صوتنا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كان عضو اللجنة التنفيذية لـ"أوطم"، المنبثقة عن المؤتمر السادس عشر، ذاق ألوان التعذيب والتنكيل، اعتقل في دسمبر 1981، وأُطلق سراحه في دسمبر 1982، ليقود كوكبة من الرفيقات والرفاق للتحضير للمؤتمر التأسيسي لحركة الشبيبة الديمقراطية، التي انتخبناه أول كاتب عام لها في 1985... وفي الوقت نفسه، كان من مؤسسي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وكان عضوا في أول لجنة مركزية لها...
مرت على الطلبة الديمقراطيين لحظات عصيبة في الجامعات المغربية، لكن وجود حسن كان صمام أمان في مواجهة زوابع التشرذم، في الجامعة، كما في الشبيبة كما في التنظيم، كان حضوره يوحّدنا، كان الأعرف بلملمة جراحاتنا، كان أكثر واحد يمكن أن تحبه، سواء اتفقتَ أو اختلفتَ معه، لا يمكن إلا أن تحبّه...
تعلمت من رفيقي حسن السوسي الكثير.. على عدة واجهات.. التي كنا اشتغلنا فيها معا.. وتعلمت الكثير منه إعلاميا حتى قبل أن ألتحق بجريدة أنوال، التي كان أحد أعمدتها الأساسية.. إعلاميا، وقبل الالتحاق بأنوال، تعلمت من ثلاثة رفاق الكثير، الرفيق محمد حميمة برادة، والرفيق محمد نجيب كومينة، وسيأتي وقت لاستعراض ما قدمه هاذان الشامخان ليس فقط لجريدة أنوال، وإنما أيضا للإعلام المغربي، كل في مجاله، السياسي الذي يجمع الجميع، والاجتماعي مع برادة، والاقتصاد الاجتماعي والسياسي مع كومينة، والشؤون الوطنية والعربية والدولية مع حسن السوسي، إضافة إلى الرفيق رشيد جبوج، الذي تلزمه وقفة خاصة...
مع حسن، إعلاميا، كان يفتح في وجوهنا آفاقا رحبة حول قضايانا "الأممية والقومية والوطنية"، يفتح أعيننا على مكامن الصراع وأهدافه وخلفياته في النزاعات التي تشتعل في هذه المنطقة أو تلك من العالم، وكان باستمرار يترصد لمناورات الجزائر ومعها البوليساريو، في كل محطة محطة من اشتعال الصراع، كان يفكك حلقته المركزية، ومن خلال معالجاته لمختلف هذه القضايا، كان يحاول أن يقدم لنا رؤية معينة للعالم، رؤية للصراع وللعلاقات، وحتى رؤية للحلم، حلمنا الديمقراطي الشعبي...
الرفيق الفقيد حسن السوسي له طابع صحراوي، في السمات وفي الخلق، هو ابن منطقة أزقور، وهو دوار تابع للجماعة القروية ألْنيف. درس في أزقور مرحلته الابتدائية، إلى خرج منها، عند نيله الشهادة الابتدائية في سنة 1965، حيث سيدرس المرحلة الإعدادية في مدينة أرفود، ثم درس المرحلة الثانوية ما بين مدينتي الرشيدية ومكناس، لينتقل بعد ذلك إلى دراسة الفلسفة في كلية الآداب في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، ونال شهادة الإجازة سنة 1978...
في هذه المرحلة، الثانوية والجامعية، كان الرفيق حسن السوسي التحق بمنظمة 23 مارس، وأصبح من أطرها الشبابية الأساسية في جامعة فاس، التي كانت أحد معاقل هذا التنظيم السري...
اشتغل الرفيق حسن السوسي رسميا في الصحافة، مباشرة بعد خروجه من السجن في 1982، حيث سيلتحق بجريدة أنوال، بعدها التحق بفرنسا، حيث كان مدير مجلة "الشعب العربي" في باريس، قبل أن يلتحق بلندن التي اختارها مقرا لإقامته، حيث كان يشتغل في شبكة الأخبار العربية...
الرفيق حسن السوسي، منذ عرفناه، كان شعلة ذكاء وكتابة متحركة، كان منفتحا على كل جديد، إذ ظل باستمرار يعتبر نفسه تلميذا، وأن هناك دائما ما يجب أن يتعلمه، ودائما هناك ما يستحق أن نتعلمه، وفي هذا السياق، أنشأ السنة الماضية (2019) قناة على يوتوب اسماها "قناتي"، كان يطرح فيها قضايا فكرية وسياسية، قضايا التغيير والديمقراطية والقضية الوطنية...
 
وفي السياق ذاته، قد لا يعرف كثيرون أن الرفيق حسن السوسي شاعر، كان يكتب الشعر باستمرار، منذ مرحلة اعتقاله السياسي، وأصدر، في هذا الصدد، ديوانين، "لحن الحضور" و"روح الياسمين"، يتضمنان الكثير من الملامح عن حياة حسن، المناضل والسياسي والنقابي والمعتقل السياسي والإعلامي...
وبهذه المناسبة، أقدم هنا حلقة خاصة من برنامج "ما يسطرون"، خصصتها قناة الحوار للرفيق حسن السوسي حول الديوانين المذكورين، مداخلة لفيقدنا حسن، تقدم صورة عن شخصيته، وعن مسار حياته...
 
 
أعدت هذا الصباح، للمرة الثانية، مشاهدة هذا الفيديو، وعلى مدى 23 دقيقة، بقيت أحاول أن أقنع نفسي أن تصدق أن حسن مات...
وعلى التو، تذكرت كلمات حسن في نعي رفيقنا عبد الواحد بلكبير...

يومها كتب حسن: "ما كنت لأصدق ما جرى لولا حرقة الدموع التي آلمتني كثيرا، وأنا على متن القطار السريع الرابط بين باريس ولندن عندما وقعت عيني على الخبر المفجع بمواقع التواصل الاجتماعي... لكن سرعان ما تبدد التوجس والشك. سرعان ما استقر اليقين على يقينية الخبر عندما اطلعت على تدوينات عدد من الرفاق التي كانت حصرا في نعي العزيز عبد الواحد بلكبير...
حينها لم أجد ما أمنّي به النفس أو أتوسله لإبعاد النبأ الأليم عن دوائر اليقين التي تستعصي على كل عوامل اختراق الريبة والشك التي تحركت بقوة في نفسي فور وقوع عيني على الخبر، من قوة الدهشة ومن هول الصدمة ربما. لكن، لابد مما ليس منه بد، حتى ولو كان عبء النعي ثقيلًا وثقيلًا جدا، فلا مناص من التحمل، ولا سبيل إلى الهروب من هكذا عبء وهكذا ثقل. لقد رحل عبد الواحد وليس رحيله أي رحيل...
هناك عدد كبير من الأعزاء، أصدقاءً وإخوةً ورفاقًا، رحلوا وهم يرحلون بوتيرة متسارعة مع تقدم عمري وأعمارهم أو بطريقة لا يعرف أسرارها العشوائية غير الموت ربما، لكنه مع ذلك رحيل يبدو من منطق الأشياء. رتابة الحياة الدنيا: ميلاد وفرحته ومرض وآلامه ورحيل ونصيبه المؤكد من الأحزان ومن الدموع. ولكن ذلك يظل ضمن منطق الأشياء. فمن سيدفن من؟ ومتى؟ هذا سؤال متواتر بين الإنسان ونفسه وبينه وبين أحبائه. يقال جهارًا مرات قليلة ربما، لكنه سؤال وجودي عميق ملازم للنفس لا يكاد يغيب عنها حقا إلا في ما ندر من الأحوال"...

ولحسن، لعبد الواحد، للحسين، لعبد السلام، لكل الذين رحلوا، لكل واحدة وواحد منهم نقول مع حسن:
كنت معنا دومًا، وستظل معنا دائمًا.
لن نتركك تغادر، فأنت في بؤرة وجودنا...

أنت باق هنا
أنت في بؤرة وجودنا
جميعًا
في قلب كل رفيق
في قلب كل صديق
وفي قلب كل حبيب

أنت باق هنا
كبيرًا
كما كنت كبيرًا
شهما كما كنت
مخلصًا كما كنت
ولم تبرح
أنت هنا
أنت هنا

كل التعازي والمواساة لأسرة الرفيق الفقيد حسن السوسي، ولأسرته الكبيرة، لكافة رفاقه وأصدقائه، وعزاؤنا واحد...