الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

إدريس بنزكري.. غياب ببصمة الحضور

"رجل المواقف الشجاعة والخيارات الصعبة".
 
بهذا التوصيف يمكن استحضار ذاكرة إدريس بنزكري في الذكرى 11 لرحيله.
 
بين زمن الميلاد في قرية آيت واحي، قرب مدينة تيفلت، يوم 20 ماي 1950، ولحظة الانطفاء في الرباط، يوم 20 ماي 2007، مسافة 57 عاما. حياة قصيرة في الزمان ومكثّفة بالفواجع والانكسارات الذاتية، مع إنجازات، يختلف بشأنها التقييم والتقدير.
 
يحتفظ الذين عايشوه عن قرب بصورة "المناضل الشجاع" في مختلف مراحل نشاطه، و"الإنسان الطيب" في سلوكه وعلاقاته الإنسانية.
كان الطفل الأمازيغي في حاجة إلى جرعة كبيرة من الشجاعة، هو المولود في أسرة فقيرة، وفي بداية مرحلة جديدة من تاريخ المغرب الحديث، ليكون في مقدمة جيل الاستقلال، الذي سكنته جرثومة الأحلام الكبرى، وحمل جمرة التغيير بقدر كبير من الرومانسية السياسية والطهرانية الأخلاقية والاستقامة الفكرية.
 
سكنته جرثومة الأحلام الكبرى وحمل جمرة التغيير بقدر كبير من الرومانسية السياسية والطهرانية الأخلاقية والاستقامة الفكرية
كانت الشجاعة مطلوبة كي يلتحق ابن الأسرة القروية الفقيرة بالمدرسة، السبيل الوحيد للخلاص وللترقية الاجتماعية في مطلع الاستقلال. ومطلوبة ثانيا كي لا تزيح الأحلام الذاتية من طريق الطالب الشاب هموم البلاد، فكان الطريق سالكا إلى المزاوجة بين دراسة الأدب الفرنسي، المحمّل في تلك المرحلة بكل نظريات الرفض والتغيير، والنشاط السياسي المحفوف بكل المخاطر.
 
في أوج "سنوات الرصاص"، اختار بنزكري أقصى اليسار، في مخاض الخلافات العنيفة حول طريقة بناء الدولة الحديثة وتدبير الشأن العام، فكانت المساهمة في تأسيس منظمة "إلى الأمام" السرية، في بداية رحلة طويلة من النضال السياسي والسجن، انتهت عام 1992، ليبدأ الرجل مسارا جديدا، بقناعات دافع عنها بشجاعة أمام منتقديه، غير آبه بالانتقادات الجارحة أحيانا، مفضلا أن "يحترق شخصيا، إذا كان ذلك ثمنا لتحريك المغرب في اتجاه صحيح وجميل"، كما قال في حوار صحفي. وحول اعتقاله الطويل قال "نشعر دائما أن الجرح لم يندمل، لكنه ليس شيئا يفسدنا من الداخل... أقول نحن وليس أنا، لأن كثرين واجهوا المصير نفسه" خلال سنوات الرصاص.
 
نشط في "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان"، وترأس "المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف" عند تأسيسه سنة 1999، وعلى رأس "هيأة الإنصاف والمصالحة" زار المعتقل السري السابق بالدارالبيضاء، درب مولاي الشريف، السيء الذكر، ولا شك أنه استرجع حينها مشهدا متميزا كان هو "بطله" عند مروره من هناك بين 1974 و1975.
 
كان حارس يعذب بسادية معتقلا يافعا على مقربة من بنزكري فقام ونزع العصابة عن عينيه وصرخ بالجلاد "اطلق منَو ألبرهوش، أو نهرس لك وجهك". ذهل الجلاد واستنجد بالمسؤول الأكبر عن المعتقل، فكان حظ بنزكري حصة رهيبة من التعذيب، لم يُسمع له خلالها أنين.
 
عن مرحلة السجن المركزي بالقنيطرة يذكر المرافقون العابرون من هناك بنزكري المُقتِّر في الأكل مثل زاهد، المختصر في الكلام، إلا عند النقاشات الساخنة، دون أن تهتز نبرة الصوت الهادئ. وأيضا بنزكري "الهرَاس" خلال مقابلات كرة القدم فوق أرضية إسمنتية، و"الرفيق الأستاذ" لطلبة شعبة الأدب الفرنسي.
 
رحل الإنسان، وتبقى الأسئلة مُشْرعة ومشروعة حول منجز المناضل السياسي والحقوقي.
========
كاتب صحافي