إلى مسؤولي مكتب الماء باليوسفية: ماؤكم عذب زلال وأفواهنا مرة مريرة
الكاتب :
"الغد 24"
نور الدين الطويليع
أنا المواطن اليوسفي العنيد أشهد أخيرا أن ماءكم عذب زلال، وأنه أعذب من مياه الدنيا كلها، تذوقته، بعدما تركت عنادي خلفي، فشعرت بالانتعاش، وأحسست بطاقة استثنائية، فاغترفت منه وعببت حتى ارتويت، وما ارتويت، لأن البطن امتلأ، واللسان لم يكف عن طلب المزيد، وأيقنت حينها أن المشكل لم يكن في مائكم، وإنما في حاسة ذوقنا، بما عبر عنه الشاعر "أبو الطيب المتنبي":
ومن يَكُ ذا فم مر مريض // يجد مرا به الماء الزلالا
لقد أتعبتم أنفسكم كثيرا حينما لجأتم إلى وزارة الصحة لتصدر صك النقاء في حق مائكم المقدس الطاهر الذي لا يكفر به إلا جاحد، ولا يشكك في صفائه ونقائه إلا متحامل، كان عليكم أن تلجأوا، عوض ذلك، إلى أخذ عينات منا وعرضها على المختبرات العلمية، وتأكدوا أنكم ستكتشفون، حينها، أن الخلل فينا، وفي ألسنتنا، وفي أمعائنا التي لم تتعود على مائكم الزلال، ولم تستقبله بما يليق به من التبجيل والتعظيم، فكافأتها الطبيعة بالإسهال والمغص جزاء وفاقا لجحودها الراسخ.
خلصتمونا من مياه بحيرة الخوالقة الآسنة، وتركتموها وقفا على أشجار الزيتون والرمان والبرتقال، نكاية فيها، لتتلظى بعذاب مائها الملوث، ولأنكم تخافون علينا، وتحرصون على صحتنا أكثر منا أوقفتم زحف هذه المياه علينا، واستبدلتموها بمياه نهر أم الربيع بطعمها الذي لا يقاوم، وبمذاقها الذي تتفوق فيه على كل مياه الدنيا، ولو امتلكنا شيئا من الإنصاف لسارعنا إلى تأدية ثمنه باللتر، ولأضفنا إلى التسعيرة إتاوة قارة اعترافا بالجميل.
الآن عرفنا أنكم فعلتم خيرا وأنتم تجلبون إلينا مياها منسمة بنكهة البول والبراز، ظننا بكم ظن السوء في البداية، لكننا اكتشفنا أن قصدكم نبيل، وأن هدفكم مد أواصر القربى بيننا وبين إخواننا من سكان المدن التي ترمي فضلاتها في النهر، فعلتم ما يسميه المغاربة "تشاريك الطعام". ها قد صار بيننا وبينهم قاسم مشترك، وها قد نبت لحمنا من برازهم، عفوا من طعامهم، فشكرا لكم على هذا الجميل الذي ينم عن روح أصيلة تسكنكم، وعن حرص مثالي على جمع المغاربة على مائدة مائية بنكهة برازية.