مكتب الماء يريد أن يقول لكل هؤلاء المحتجين إنهم على خطأ
في محاولة لإخماد الاحتجاج.. هل أفلح مكتب الماء في إقناع سكان اليوسفية بعدم تلوث مياه الشرب؟
الكاتب :
"الغد 24"
نورالدين الطويليع
بعد موجة الغضب التي عمت مدينة اليوسفية جراء تزويدها بمياه نهر أم الربيع التي تعالج بمحطة التصفية "سبت المعاريف"، عِوَضَ مياه بحيرة الخوالقة الباطنية، وبعد شكاوى المواطنين من وجود لون وطعم لهذا الماء، ومن إصابتهم بأمراض على مستوى الجهاز الهضمي، بعد كل هذا، انتهج المكتب الوطني للماء الصالح للشرب استراتيجية حجاجية تأسست على إصدار بلاغ إلى الرأي العام، وتنظيم لقاء تواصلي ضم مجموعة من الأطراف، والاستعانة بمندوبية وزارة الصحة باليوسفية التي أصدرت بلاغا أكدت فيه على أن المياه المثيرة للجدل نقية وغير ملوثة.
بالنسبة للبلاغ لوحظ أنه عمومي وفضفاض، تحدث عن كل شيء، ولم يتحدث عن أي شيء في الوقت نفسه، وعوض أن يطفئ لهيب الاحتجاجات ساهم في إذكائها بنزعته التبريرية وأسلوبه الغامض وعدم دقته، لذلك خرج مئات اليوسفيين للاحتجاج على المكتب، ورفعوا شعارات منددة بما اعتبروه جريمة نكراء في حقهم، كما أنشأوا مجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي لتبادل وجهات النظر وتدارس الخيارات الاحتجاجية الممكنة ضد مكتب الماء.
ولم يأت اللقاء التواصلي، بدوره، بأي جديد، بل إنه عمّق الإحساس لدى المواطن اليوسفي بالخيبة في ظل تمسك مسؤولي المكتب بفكرة نقاء الماء، دون أن يواكبوا كلامهم بحجج إقناعية دامغة من شأنها أن تطمئنه وتخلصه من هواجسه وتخوفاته، وهو الذي يعلم أن المياه التي جلبت إليه تتغذى من الفضلات المنزلية والمخلفات الصناعية وجيف البهائم، وتتحول قناتها في فصل الصيف إلى مسبح للأطفال على امتداد مئات الكيلومترات.
ولم يفلح بلاغ مندوبية وزارة الصحة باليوسفية في زحزحة صخرة الريبة ودفعها بعيدا عن نفوس المواطنين، بل ساهم في زيادة منسوب الثقة لديهم أن هذا الماء ملوث، لأنه تحدث عن بضعة عناصر فقط، رغم أن معايير جودة الماء تتجاوز الستين، هذه المقاربة الاختزالية بعثت رسالة إلى المواطن اليوسفي مفادها أن المسكوت عنه في هذا الموضوع أكثر من المتحدث فيه، وأن الاستعانة بوزارة الصحة كانت غايتها ذر الرماد في العيون، ولذلك باءت المحاولة بالفشل الذريع، ولم تفلح في تحقيق الهدف الإقناعي، الذي يصبو إليه مكتب الماء، بل إن المحاولة جاءت بنتائج عكسية، بعد أن عمد نشطاء الفايسبوك إلى استدعاء باقي المعايير، ومساءلة مندوبية وزارة الصحة عن سبب السكوت عنها.
نستطيع، في ظل وضعية هذه سماتها، أن نخلص، بكل اطمئنان، إلى فشل مكتب الماء في استراتيجيته الحجاجية الثلاثية، وإلى وقوعه في المغالطة وتحصيل الحاصل، بما يذكرنا بقول الشاعر:
أقام يُجْهِدُ أياما قريحته....وشبه الماء بعد الجهد بالماء