الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

فاطمة حوحو تكتب: محمود درويش كما لا تعرفونه.. بعيدا عن الشعر.. قريبا من القصيدة

 
فاطمة حوحو
 
 
"أنا من هناك ولي ذكريات.. ولدت كما تولد الناس.. لي والدة وبيت كثير النوافذ.. لي إخوة.. أصدقاء.. وسجن بنافذة بارده.. ولي موجة خطفتها النوارس.. لي مشهدي الخاص.. لي عشبة زائده.. ولي قمر في أقاصي الكلام، ورزق الطيور، وزيتونة خالده.. مررت على الأرض قبل مرور السيوف على جسد حوّلوه إلى مائده".
 
هكذا يعرف الشاعر الفلسطيني محمود درويش نفسه، وهكذا عرفه العالم العربي وأحبه المناضلون وصار رمزهم، في الثورة والحب والسياسة، وهو الذي انغمس في عالمها مناضلا وكاتبا وشاعرا مرهف الحس، يبعث الحماسة في الشرايين، رغم الحزن والشدة والأسئلة الكبيرة.
 
ما يزال درويش الراحل منذ 12 عاما حاضرا في الساحة الأدبية، يثير الدهشة ويفتح جرح القضية، كلما قُرئت له قصيدة، أو استشهد أحدهم له بقول، أو حكى أحدهم ذكرى عنه. الشاعر الذي صال وجال في عواصم الدول العربية، سكنها وجرع تجاربها وتنشق فيها هواء حرية فأبدع، كرّمه العالم أجمع بجوائز أدبية وأوسمة، انتصر عليه مرض القلب، الذي لم يستطع مقاومة الموت، فاستسلم لغيبوبته، إثر خضوعه لعملية جراحية في الولايات المتحدة الأميركية في 9 غشت من العام 2008 في مركز تكساس الطبي في هيوستن، ونقل جثمانه إلى رام الله حيث وري الثرى في قصر رام الله الثقافي.
 
شاعر المقاومة والرفض، كان قد غادر العاصمة الأردنية عمان، وهو غير متأكد من عودته سالما إليها، إذ أجرى نوعا من تبرئة الذمة، فأعطى العاملة الفيلبينة حسابها مقدما، كما دفع لحارس العمارة المصري، وقال لهما إنه ربما لن يعود ولم يعد. وهو كان غادر إلى أميركا في 28 يوليوز من ذلك العام مع صديقه أكرم هنية، ولم يعد.
 
درويش الذي كتب نص الاستقلال الفلسطيني في الجزائر سنة 1988، وعارض اتفاق أوسلو، ظل قدوة لأجيال عربية تفتحت على قراءة شعره والاستماع إليه تسجيلا أو أغنيات ملحنة، تبث الحماسة حينا، لكنها مؤلمة تحفر الروح حتى وإن كان الحب يراقصها.
ذكريات الناقد عماد العبد الله مع درويش
 
كُتب الكثير، وقيل الكثير عن محمود درويش، لكننا نحاول في هذا الموضوع الإضاءة على محمود درويش الإنسان في يومياته العادية وعلاقاته بالأصدقاء عبر حوار أجريناه مع الناقد الأدبي والكاتب اللبناني عماد العبد الله، الذي أشرف على إصدار دواوينه الشعرية في السنوات الأخيرة ونسق أعماله الكاملة التي صدرت عن دار رياض نجيب الريس في بيروت.
 
ناشره ومنسق أعماله الشعرية الكاملة الناقد اللبناني عماد العبد الله
يروي بعض ذكرياته وطرائفه وصداقته مع محمود درويش
 
 
يروي العبد الله عن صداقته مع درويش، أنه كان يعرف درويش في البداية من خلال أشعاره، وكونه صحافيا مثله كأي مواطن عربي، كان معجبا بكتابات الشاعر الفلسطيني. فالعبد الله متحدر من بيئة ثقافية عريقة، حيث نشأ وترعرع وسط المجالس الأدبية، في أجواء الشعر والأدب. هو من بلدة الخيام الجنوبية، (الشاعر عصام العبد الله شقيقه، والشاعران محمد العبد الله وحسن العبد الله من أبناء عمومته، وهؤلاء إضافة إلى الشاعرين شوقي بزيع ومحمد علي شمس.. شكلوا مع آخرين ظاهرة "شعراء الجنوب" الذين عرفوا بالتزاماتهم اليسارية واصطفافهم مع القضية الفلسطينية).
 
درويش هو تتويج أو اختصار لكل الشعراء الذين مروا قبله وهو أصغرهم من بدر شاكر السياب وأدونيس ونازك الملائكة وخليل حاوي وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي ونزار قباني
 
ويلفت العبد الله إلى أن درويش كان من البدايات الأولى شاعرا متميزا، ذا قوة حضور وأثر على عدد كبير من الأجيال العربية من المؤيدين والمهتمين بالقضية الفلسطينية، مما ساعد على انتشار أشعاره وأصبح ظاهرة، لكن يبقى أن درويش ذو حس فني عالي وليس مجرد صاحب دعاية إديولوجية، إذ ليس كل شعراء فلسطين في مستواه. محمود خلال وقت قصير استطاع جذب الأنظار إليه، سواء في قصائده الملتصقة بالقضية، أو القصائد ذات العمق الإنساني والوجودي، فهو القبطان، كائن متعدد القراءات، ويبرز ذلك بلجوئه إلى عدة أساليب تعبيرية في قلب القصيدة الواحدة، المسألة هنا ليست فقط في المضمون، بل في قدرة الشاعر على مسك اللعبة الشعرية، فعلى ما أعتقد أن محمود درويش يشبه المتنبي، المتنبي الذي اختصر في شعره كل الشعر الذي سبقه. ودرويش بهذا المعنى هو تتويج أو اختصار لكل الشعراء الذين مروا قبله، وهو أصغرهم، من بدر شاكر السياب وأدونيس ونازك الملائكة وخليل حاوي وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي ونزار قباني. فهؤلاء الرواد الكبار كتبوا قصيدة التفعيلة والشعر الحديث، ومحمود بإبداع منقطع النظير استفاد من أسلافه في الشعر العربي. ولذلك فهو أشبه بالمتنبي الذي استفاد من شعر أبي تمام والبحتري وكل الشعر القديم.
 
لذلك أعتبر أن محمود درويش محطة مهمة لا يمكن قراءتها إلا بالعلاقة مع الشعر العربي وبتجارب الرواد، وحتى شعراء النهضة اللبنانيين، وأنا أعرف أن محمود قرأ الشعر التراثي وله قدرة غير طبيعية ودينامية في كتابة القصيدة الجديدة، لا يوجد شاعر حديث بكل هذه القدرات والطاقة الكبيرة".
 
كان نزقا غير دبلوماسي مشغول بدندنة إيقاع الشعر مأخوذ دائما بالقصيدة يمكن أن يكون مع الناس وهو ليس معهم فروحه وعقله منشغلان على الدوام خارج العلاقة الاجتماعية
 
ويلفت إلى أنه "مثل أي شاعر، كانت الأنا متضخمة لديه، وكان نزقا غير دبلوماسي، وفي جانب من شخصيته لم يكن اجتماعيا، هو أشبه بعاصي الرحباني، أو بالموسيقار سليم سحاب، مشغول بدندنة إيقاع الشعر، مأخوذ دائما بالقصيدة، يمكن أن يكون مع الناس وهو ليس معهم، فروحه وعقله منشغلان على الدوام، خارج العلاقة الاجتماعية".
 
ويرى عماد العبد الله أن "من اعتبر محمود درويش مجرد حاملٍ للقضية الفلسطينة وداعٍ للالتزام بها والتعاطف معها أخطأ، فعلى العكس، كان شاعرنا مثقفا أنيقا يتناقض في سلوكه مع فكرة الضحية الإنسانية، ولا يقبل بها، أو أي فكرة دونية عن الإنسان الفلسطيني كمقتلع من أرضه ووطنه. كان درويش ذا نزوع أرستقراطي، بعيدا عن تمظهرات النزعات اليساروية المدعية. وعلاقاته في الحب والغرام، كانت بعيدة عن الاستيهامات المرتبطة بالإسقاطات الإيديولوجية والسياسية. بل كان الحب لديه اشتهاء وطبيعة غريزية إنسانية".
 
كان محمود واقعيا ذكيا لماحا لا يحب الكذب كان يحب المقاهي والأنوار ولا يشرب إلا النبيذ الأحمر مهما حاولت إقناعه بأهمية مشروب آخر لديه تقاليده الخاصة وصفاته الجميلة يهتم بمظهره وأناقته في اللباس
 
يضيف العبد الله: "كان محمود واقعيا، ذكيا، لماحا، لا يحب الكذب، وناقدا جارحا مثقفا متنوعا ومتعدد المواهب. غير منشغل بالظهور على غير حقيقته، يكره اللجوء كما يفعل البعض إلى استعمال قناع الطهرانية والمثالية، كان يحب المقاهي والأنوار، ولا يشرب إلا النبيذ الأحمر مهما حاولت إقناعه بأهمية مشروب آخر، لديه تقاليده الخاصة وصفاته الجميلة، يهتم بمظهره وأناقته في اللباس ويختار بعناية ماركات أحذيته، كان باختصار أنيقا وملفتا للنظر".
 
ويتابع الناقد اللبناني: "مما أذكره، عندما كنت أعمل مدير تحرير لمجلة "الدوحة"، طلبت من محمود درويش قصيدة للنشر من ديوان له كان تحت الطبع، ومعروف عنه أنه كان توقف من زمان عن نشر قصائده في الصحف والمجلات. واقترحت عليه أن يطلب المبلغ الذي يريده. رد علي درويش، أن لا أحكي معه في المقابل المادي، وطلب مني أن أختار النص الذي شئته من الديوان. لقد أثر في هذا الموقف من صديقي درويش، واعتبرته تكريما لصداقتنا. والواضح أنه لم يكن محبا للمال ولا للسلطة، دليلنا في هذا أيضا رفضه لتولي حقيبة وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية التي اقترحها عليه ياسر عرفات وألح في ذلك، فهو كان يرفض أن يكون جزءا من صورة السلطة. كان معارضا منحازا بصفة دائمة للضحايا وللشهداء والمناضلين. مما يجعل درويش يلتقي بظاهرة الروائي الفرنسي الشهير بلزاك، الذي كان يعيش حياة برجوازية مع الأرستقراطيين والكونتيسات، لكن ظل نبضه ثوريا. كذلك الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ الذي كان أيضا لا يساوم بنصه الإبداعي رغم حياته المرفهة. فنص محفوظ منحاز للفقراء والمساكين والمعذبين في الأرض".
 
في تقديم كَتبه عماد العبد الله لأحد دواوين محمود درويش "أن درويش هو الوريث الوحيد لإيقاع الشعر العربي"، ويوضح عماد ذلك بالقول: "أنه شاعر كبير، شعراء الحداثة اضطهدوا درويش وحاصروه بحجة اعتبارهم قصيدة الحداثة لديهم هي قصيدة البياض والمهموس. وكان محمود يشكو من هذا الاضطهاد، كنت أشرح له فكرة، أن بالقرون الوسطى سيطر العرب على العالم وفرضوا حتى على الشعراء الأوربيين شعر الإيقاع، حيث نجد أن كورناي ولافونتين وغيرهما أنتجا شعرا إيقاعيا مقلدين الشعراء العرب. لكن بعد تراجع العرب عاد الأوربيون إلى القصيدة الصامتة. وبيتهوفن لما أبدع السمفونيات كان أطرش لا يسمع. وكنتيجة غلبة الأوربيين وهيمنتهم هجر العرب إيقاعهم وتركوا الوزن والقوافي. إن موضة شعراء الحداثة هي تقليعة لشعر الخفوت. ومحمود درويش كان خارج هذا الاصطفاف، كتب قصيدة حديثة مليئة بالشعر والموسيقى، بدليل نجاحها وانتشارها لما لحنها وغناها مارسيل خليفة، وصارت أقرب إلى الناس".
 
لم يكن محبا للمال ولا للسلطة رفض تولي وزارة الثقافة رغم إلحاح ياسر عرفات فهو كان يرفض أن يكون جزءا من صورة السلطة كان معارضا منحازا بصفة دائمة للضحايا وللشهداء والمناضلين
 
من باب الطرافة يروي لنا العبد الله، هذه الواقعة:
"ذات يوم كان لدى درويش حفل توقيع لديوان له أصدرته دار رياض نجيب الريس ببيروت، وكنت مدير تحرير للدار، رحت لاستقبال محمود في مطار بيروت ونقله إلى فندق البريستول الذي اعتاد النزول به. أخذنا الحقائب وشربنا قهوة بصالون الفندق، خلال ذلك حدثني درويش لأول مرة عن اكتشاف الطبيب إصابته بالشريان الأبهر. ثم سألني لماذا وجهك شاحب أصفر، أجبته بأني لا أعاني من شيء، لكن درويش ألح علي أن بي مرض ما، أمام إلحاحه جاريته، وقلت: خليها على الله. أنا لا أنام بالليل. سألني ثانية: لكن ما الذي يشغلك بالضبط. أجبته على الفور: تحرير مزارع شبعا (منطقة يجري الخلاف عليها محتلة من قبل إسرائيل وهي في أراض لبنانية إلا أن الخرائط التي تثبت ملكيتها للبنان لا ترفض سوريا تقديمها للأمم المتحدة)، هنا انخرط درويش في ضحك مسترسل وقهقهة عالية".
 
يضيف العبد الله موضحا "كانت لقاءاتي بدرويش دائما مصاحبة بأجواء من المداعبات والمرح اللطيف، كان يسميني ناشره الخاص، وكان ينطقها بالإنجليزية. وكنت عندما أقترح عليه مرات بعض عناوين دواوينه كان يرد مباشرة: تصرف. فهو كان يتصل بي باستمرار من عمان كما يتواصل مع أصدقائه الآخرين في بيروت، التي كان يحبها كثيرا، كونها مدينة تلقائية وله بها صداقات قوية".
 
ويحكي العبد الله لنا حادثة أخرى حصلت مع درويش، فهو اعتاد على استقباله في المطار ونقله إلى فندق "البريستول"، حيث يقيم كالعادة عندما يزور بيروت لتوقيع كتاب أو ليقيم حفلا شعريا، ويقول: "مرة استقبلته في مطار بيروت ليلا، وأخذته إلى "البريستول" كالمعتاد، وتواعدنا على اللقاء في التاسعة صباحا، جئت في الموعد المحدد صباحا فلم أجده، فتشت مرافق الفندق، المطعم والبار، ثم طلبت من إدارة الفندق فتح غرفته فربما يكون وقع له مكروه، ولما لم أجده انتظرته حتى جاء، وكان جوابه أنه تلقى مكالمة من صديقة ألحت على لقائه وكانت سببا في تأخيره كل ذلك الوقت، وكان شديد التأثر والارتباك، عندما أبلغته عن انشغال بالي عليه وخوفي من أن يكون وقع معه حادث سيء أو ملاحقة ما".
 
ويرى العبد الله أنه "بالرغم من احتفاء القاهرة بمحمود احتفاء كبيرا، وكان رجاء النقاش قدمه في محفل حاشد، لكن لبنان وبيروت كانت أقرب إليه من فلسطين، بالسينوغرافيا لو شئنا القول.
 
شعراء الجليل في لبنان وفلسطين، جليل واحد، توفيق زياد وسميح القاسم وإلياس لحود وشوقي بزيع... لهم جبلة واحدة، مليئة بالسخرية وبالاعتزاز بالنفس، وكتاباتهم راقية ومتقدمة، وفي مقدمتهم محمود درويش. ومن يشاهد فيلم المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي "عرس الجليل" يلمس التشابه الكبير في المعمار والعلاقات الإنسانية بين الجليلين اللذين هما في الأخير جليل واحد".
 
ويفيد عماد "أشرفت على نشر دواوين وكتب محمود درويش، وعلى طباعة الأعمال الكاملة له في ثلاث مجلدات، التي ظهرت عن دار رياض نجيب الريس، وكان درويش مرتاحا وسعيدا بالتعامل مع الدار، وأناقة منشوراتها وحرفيتها في إنتاج الكتاب، بخلاف دور أخرى كان تعاملها ومهنيتها قليلة وناقصة وبائسة".
 
وفي الختام يشير العبدالله إلى أن "أكثر ما كان يزعج درويش هو الدعوات التي لم يكن بمقدروه رفض تلبيتها دائما، رغم انزعاجه، أي المهرجانات السياسية، وكان يعتبر أن هناك مبالغة من أصدقاء يساريين في تصوير الشعب الفلسطيني وكأنه شعب الخيام متناسين أنه شعب متنوع، هناك فلسطينيون في فلسطين في أراضي الـ48 في المدن الإسرائيلية، وهناك فلسطينيون بارعون في المهجر، وهناك مثقفون ومبدعون في مهن مختلفة، ليس الشعب الفلسطيني هو شعب المخيمات الفقير، هو شعب متعدد ومتنوع".
 
ويختم عماد العبد الله قائلا: "لاشك أن شعر محمود درويش خالد عميق ومتجذر في الثقافة العربية، شعر يأبى أن يعيش في الظل ومناخات البؤس، بل يحيا في الضوء وفي جماليات الحياة رغم الموت".
 
مؤطر (1): محمود درويش بصوته
 
*"عام 1947 كنت في السادسة من عمري هربنا تحت دوي القنابل إلى جنوب لبنان، كنا ننتظر انتهاء الحرب لنعود إلى قرانا. لكن جدي وأبي عرفا أن المسألة انتهت، فعدنا متسللين مع دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية إلى شمال الجليل. بقينا لدى أصدقاء إلى أن اكتشفنا أن قريتنا "البروة" لم تعد موجودة. عشنا لاجئين ...عندما أجري تسجيل السكان كنا غائبين. وكانت صفتنا في القانون الإسرائيلي: "الحاضرون- الغائبون".
 
*"في حيفا عشت عشر سنين وأنهيت فيها دراستي الثانوية، ثم عملت محرراً في جريدة "الاتحاد" (صحيفة الحزب الشيوعي الإسرائيلي "راكاح") وكنت ممنوعاً من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت إقامتي جبرية. ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء ثم زرقاء لاحقاً وكانت أشبه ببطاقة إقامة. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعاً من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلاً لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلى الخروج".
 
*"السيرة الذاتية تدفع أحياناً إلى التبجح بالنفس، فيصوّر الكاتب نفسه وكأنه شخص مختلف. وقد كتبت ملامح من سيرتي في كتب نثرية مثل "يوميات الحزن العادي" أو "ذاكرة للنسيان".
 
*"أول رحلة لي خارج فلسطين كانت إلى موسكو 1970. وكنت طالباً في معهد العلوم الاجتماعية، ولكن لم يكن لي هناك بيت بالمعنى الحقيقي. كان غرفة في مبنى جامعي.أقمت فيها سنة. وكانت أول لقاء لي بالعالم الخارجي. حاولت السفر قبلاً إلى باريس لكن السلطات الفرنسية رفضت دخولي إلى أرضها في العام 1968. الأمن الفرنسي لم يكن مطلوباً منه أن يفهم تعقيدات القضية الفلسطينية. كيف أحمل وثيقة إسرائيلية وجنسيتي غير محددة فيها وأقول له بإصرار إنني فلسطيني".
 
*"اصطدامي بمشكلات الروس يومياً جعل فكرة "فردوس" الفقراء، تتبخر من ذهني وتتضاءل...فقدت الفكرة المثالية عن الشيوعية لكنني لم أفقد ثقتي بالماركسية. كان هناك تناقض كبير بين تصوّرنا أو ما يقوله الإعلام السوفييتي عن موسكو والواقع الذي يعيشه الناس، وهو مملوء بالحرمان والفقر والخوف".
 
*"الدخول إلى القاهرة 1970 - 1972 كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية. في القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي إليها... لم يكن هذا القرار سهلاً.. خامرتني هواجس ووساوس كثيرة، لكنني فتنت بكوني في مدينة عربية، أسماء شوارعها عربية والناس فيها يتكلمون بالعربية. وأكثر من ذلك، وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرأها وأعجب بها. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين. التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما. عيّنني محمد حسنين هيكل مشكوراً في نادي كتّاب "الأهرام"، كان مكتبي في الطابق السادس، وهناك كان مكتب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وبنت الشاطئ. وكان الحكيم في مكتب فردي ونحن البقية في مكتب واحد. عقدت صداقة عميقة مع محفوظ وإدريس، الشخصيتين المتناقضتين: محفوظ شخص دقيق في مواعيده، ومنضبط، يأتي في ساعة محددة ويذهب في ساعة محددة. وكنت عندما أسأله: هل تريد فنجان قهوة أستاذ نجيب؟ كان ينظر إلى ساعته قبل أن يجيب، ليعرف إن كان حان وقت القهوة أم لا. أما إدريس، فكان يعيش حياة فوضوية، وكان رجلاً مشرقاً. وفي القاهرة صادقت أيضاً الشعراء الذين كنت أحبهم: صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل وكذلك الأبنودي".
 
*"كان يُنظر إليّ عندما كنت في الأرض المحتلة كوني شاعر المقاومة. وبعد هزيمة 1967 كان العالم العربي يصفق لكل الشعر أو الأدب الذي يخرج من فلسطين، سواء كان رديئاً أم جيداً".
 
*"بعد القاهرة انتقلت إلى بيروت مباشرة.. عشت فيها من العام 1973 إلى العام 1982. عندي مرض جميل اسمه الحنين الدائم إلى بيروت. ولا أعرف ما هي أسبابه. وأعرف أن اللبنانيين لا يحبون مديح مدينتهم في هذا الشكل. ولكن لبيروت في قلبي مكانة خاصة جداً. ولسوء حظي، أنني بعد سنوات قليلة من سكني في بيروت، أن الحرب اندلعت. وأعتقد أن عملي الشعري تعثر حينذاك .أعتقد أن أجمل ما كتبت ديوان "تلك صورتها وهذا انتحار العاشق". ولكن بعد اندلاع الحرب صار الدم والقصف والموت والكراهية والقتل.. كل هذه صارت تهيمن على أفق بيروت وتعكره. وبعض أصدقائي هناك ماتوا وكان عليّ أن أرثيهم. وأول من فقدت هناك غسان كنفاني".
 
*"كنت أخجل من اللبنانيين إزاء الحواجز التي كان يقيمها الفلسطينيون في الأرض اللبنانية ويسألون اللبناني عن هويته. وكنت أطرح على نفسي أسئلة عدة حول هذه الأمور، حتى أمام أصدقائي المتحمسين للقضية الفلسطينية والحركة الوطنية. ومن هذه الأسئلة: ماذا يعني أن ننتصر في لبنان؟".
 
*"عندما خرجت القيادة الفلسطينية والمقاتلون الفلسطينيون من بيروت لم أخرج. بقيت في بيروت أشهراً عدة. لم أتوقع أن الإسرائيليين سيحتلون بيروت. ولم أجد معنى لخروجي في السفن مع المقاتلين. ولكن في صباح ذات يوم وكنت أسكن في منطقة الحمراء، خرجت لأشتري خبزاً وإذا بي أشاهد دبابة إسرائيلية ضخمة. دخلت إسرائيل قبل الإعلان عن الدخول. حينذاك وجدت نفسي وحيداً أتجوّل في الشوارع ولا أرى سوى الدبابات والجنود الإسرائيليين ورجالاً ملثمين. قضيت فعلاً أياماً صعبة جداً، ولم أكن أعرف أين أنام.كنت أنام خارج البيت في مطعم، وأتصل بجيراني لأسألهم إن كان الإسرائيليون سألوا عني. إذا قالوا: نعم جاؤوا، فكنت أدرك أنهم لن يأتوا مرة أخرى، فأذهب إلى بيتي، أتحمّم وأرتاح ثم أعود إلى المطعم. إلى أن حصلت الكارثة الكبرى وهي مجزرة صبرا وشاتيلا. عندذاك تيقنت أن بقائي هناك ضرب من العبث والطيش".
 
*"رتّبت الأمر مع السفير الليبي في بيروت حينذاك، فهو كان في مقدوره أن يأخذني من منطقة الأشرفية التي كانت "الكتائب" تسيطر عليها، إلى سورية".
 
*"غادرت دمشق إلى تونس ورأيت خلالها الرئيس عرفات والإخوان في مشهد تراجيدي. رأيت الثورة الفلسطينية تقيم في فندق على شاطئ بحر. كان المشهد مؤلماً جداً ويستدعي كتابة رواية عن هذا المصير. لكن عرفات سرعان ما اعاد بناء مؤسسته. وقال لي: واصل إصدار "الكرمل". كان مهتماً حتى بالجانب الثقافي. فقلت له أين أصدرها؟ قال لي: حيث تشاء، في لندن، في باريس، في قبرص.. ذهبت من ثم إلى قبرص كي أرتب شؤون الرخصة. وصدرت "الكرمل" من قبرص فيما كنت أنا أحررها في باريس وأطبعها في نيقوسيا وكان معاوني الكبير هو الشاعر سليم بركات".
 
*"كانت باريس عبارة عن محطة أكثر منها إقامة أو سكناً. لا أعرف. لكنني أعرف أنه في باريس تمت ولادتي الشعرية الحقيقية".
 
*"بعدما أصبح في إمكاني أن أعود إلى "جزء" من فلسطين... شعرت بأن من واجبي الوطني والأخلاقي ألا أبقى في المنفى. فأنا أولاً لن أكون مرتاحاً، ثم سأتعرض إلى سهام من التجريح لا نهاية لها، ثم سيقال إنني أفضل باريس على رام الله أو على غزة. وبالتالي اتخذت الخطوة الشجاعة الثانية بعد الخروج وهي خطوة العودة".
 
*"عندما كنت خارج الوطن، كنت أعتقد أن الطريق سيؤدي إلى البيت، وأن البيت أجمل من الطريق إلى البيت. ولكن عندما عدت إلى ما يُسمى البيت، وهو ليس بيتاً حقيقياً، غيّرت هذا القول وقلت: ما زال الطريق إلى البيت أجمل من البيت لأن الحلم ما زال أكثر جمالاً وصفاء".
 
* "الستون رقم مرعب جدا في العمر، ترى ماذا سيحدث بعد ذلك؟"..
 
* "القهوة لمن أدمنها مثلي، هي مفتاح النهار، والقهوة، لمن يعرفها مثلي، هي أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت... أعرف قهوتي، وقهوة أمي، وقهوة أصدقائي. أعرفها من بعيد وأعرف الفوارق بينها. لا قهوة تشبه قهوة أخرى".
 
مؤطر (2): جوائز وتكريم
 
"اللوتس عام 1969، البحر المتوسط (باليرمو)، ايطاليا 1980،درع الثورة الفلسطينية1981، ابي علي بن سينا الدولية في الإتحاد السوفيتي 1981.لوحة أوروبا للشعر في ايطاليا 1982.جائزة لينين من قبل الاتحاد السوفيتي في الإتحاد السوفييتي 1983، شعراء من اجل السلام، مجلس بلدي في تشيلي1990، وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي من قبل وزارة الثقافة الفرنسية برتبة فارس، 1997، جائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية، 1997، الصنف الأول من وسام الاستحقاق الثقافي تونس 1998، وسام الكفاءة الفكرية في المغرب 2000، وسام القديس بطرس بولس(ميدالية ذهبية)، من قبل بطريرك انطاكية وسائر الشرق في دمشق 2001، جائزة تقدير من جامعة البلمند في لبنان عام 2001، جائزة الحرية الثقافية التي تمنحها” مؤسسة لانان” - فيلادلفيا - الولايات المتحدة الأمريكية 2001، جائزة السلطان بن علي العويس للانجاز الثقافي والعلمي مناصفة مع الشاعر السوري أدونيس، في دولة الامارات العربية المتحدة عام 2003، جائزة الأمير كلاوس الهولندية، تقدم من قبل القصر الملكي في امستردام- هولندا عام 2004، جائزة ادبية دولية (لودوميا بونامي) من محافظة لاكولا في ايطاليا عام 2006، الوردة الفضية، من اتحاد الكتاب البلغاري، 2006.القاهرة للإبداع الشعري العربيمصر 2007، جائزة "ملك الشعر"(جائزة جولدن ريث العالمية) في مهرجان الشعر العالمي في مقدونيا 2007، الأركانة العالمية للشعر، تقدم من قبل بيت الشعر في المغرب عام 2008، (الشاهد) البوسنية، قدمت من قبل مهرجان ايام سراييفو في البوسنة 2008، جائزة ناظم حكمت التركي في تركيا.وسام القدس الذي صدر بمرسوم من الرئيس محمود عباس عام 2008، وترك للشاعر. تحديد تاريخ الاحتفال لكن المرض أرجأ الاحتفال،جائزة البحر الابيض المتوسط للسلام، ايطاليا عام 2009.درع مجسم مدينة القدس في باريس.) درع القديس الشهيد (ايليا الحمصي) مطرانية حمص للروم الارثاذوكس.درع تقدير من وزارة الثقافة المصرية، أعلنت وزارة الاتصالات الفلسطينية في 27 يوليو 2008 عن إصدارها طابع بريد يحمل صورة محمود درويش.منح الدكتوراة الفخرية من جامعة لوفان الكاثوليكية عام 1998- بلجيكا، منحه الدكتوراة الفخرية من جامعة بيرزيت عام 1996.
 
مؤطر (3): مؤلفاته
 
الشعر:
"عصافير بلا أجنحة"، 1960،أوراق الزيتون 1964، عاشق من فلسطين 1966، آخر الليل 1967، يوميات جرح فلسطيني 1969، الكتابة على ضوء البندقية 1970، العصافير تموت في الجليل 1969، حبيبتي تنهض من نومها 1970،أحبك أو لا أحبك 1972، محاولة رقم 7 1973، تلك صورتها وهذا انتحار العاشق 1975، أعراس 1977، مديح الظل العالي (قصيدة تسجيلية) 1983، حصار لمدائح البحر 1984، هي أغنية ... هي أغنية 1986، ورد اقل 1986، مأساة النرجس ملهاة الفضة 1987، أرى ما أريد 1990، أحد عشر كوكباً 1992، لماذا تركت الحصان وحيدا 1995، سرير الغريبة 1999، جدارية 2000، حالة حصار 2002، لا تعتذر عما فعلت 2004، كزهر اللوز أو أبعد 2005، لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي 2009.
 
النثر:
شيء عن الوطن (خواطر ومقالات) 1971، يوميات الحزن العادي (خواطر ومقالات)، 1973، وداعاً أيتها الحرب... وداعاً أيها السلام (مقالات) 1974، ذاكرة للنسيان (نص)، عام 198، في وصف حالتنا (نص)، 1987، في انتظار البرابرة، 1987، رسائل محمود درويش وسميح القاسم، 1989، عابرون في كلام عابر( قصيدة ومقالات)، 1991، في حضرة الغياب (نص)، 2006، حيرة العائد (مقالات) 2007، أثر الفراشة (يوميات)، 2008.
 
ترجمت اعمال الشاعر الكبير الى أكثر من 22 لغة.