الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أطر أُنهكت وتدبير القطاع بلا ابتكار.. مجموعة مقترحات من أجل تحسين الاستجابة الصحية لجائحة كورونا

 
زهير ماعزي
 
حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، لا يؤثر الاستثمار في الصحة في تحسين النتائج الصحية فقط، بل أيضا في التنمية الاقتصادية وتعزيز الأمن العالمي، وتشكل جائحة كوفيد 19 دليلا جديدا على صحة هذه الحقائق، فكيف إذن استجاب النظام الصحي الوطني في المغرب للجائحة؟ وما الذي يجب عمله في القريب العاجل على مستوى القيادة الصحية؟
إن أزمة القطاع الصحي عميقة وقديمة، وما نقدمه حاليا هو مقترب جواب ومحاولة مواطنة للمساهمة في النقاش العمومي الضروري حول الصحة العامة في سياق وبائي خاص واقتراح بدائل لإنقاذ المغاربة، بطريقة مفهومة من جميع الفاعلين بعيدا عن التعقيدات التقنية للموضوع.
في نظرنا، توجد ثلاثة محددات أساسية تضعف استجابة النظام الصحي الوطني للتحديات الصحية عامة، ولجائحة كوفيد 19 خاصة، هي: محدودية الموارد الصحية، وضعف حكامة القطاع الصحي، وأزمة الموارد البشرية الصحية.
الاستثمار في الصحة ضعيف، إذ تخصص الحكومة المغربية أقل من 6% من الميزانية العامة لوزارة الصحة، و5,9% من الناتج الداخلي الخام، وفقط 62% من المغاربة يتوفرون على تغطية صحية، وحوالي 50% من النفقات الصحية المباشرة تتحملها الأسر. لذلك، تعد وزارة الصحة من أولى المستفيدين من صندوق مواجهة كورونا الذي أنشأه الملك، كما عززت الصحة العسكرية إمكانياتها البشرية، وتتكاثر الدعوات لزيادة مساهمة القطاع الخاص في التكفل بحالات كوفيد 19. لذلك، من الغريب أن تنتظر أكثر القطاعات استفادة من الميزانية العامة إنقاذها من أقل القطاعات ميزانية!
زيادة الاستثمار في الصحة يتطلب، قبل ذلك، تعزيز الحكامة في القطاع الصحي، فمنظمة ترانسبارانسي، مثلا، تصنف وزارة الصحة من أكثر القطاعات افتقارا للنزاهة، وحسب بعض التقارير، فالرشوة في القطاع الصحي تتعلق بتدبير الأدوية والمستلزمات الطبية وكذلك تدبير الصفقات العمومية، فضلا عن الدفع تحت الطاولة مقابل خدمات صحية، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات حول تدبير المستشفيات خير دليل على الحكامة السيئة في القطاع، ورغم ذلك لا توجد خطط لتعزيز النزاهة في القطاع، ولا تصور لتعزيز الحق في الولوج للمعلومة، ولا سياسة لربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا مشاريع حقيقية للجودة وإنْ وُجدت فهي تختفي بمجرد انقطاع التمويل أو انتهاء الشراكة الدولية، لا إشراك حقيقيا للمرضى ومرتفقي المصالح الصحية والجمعيات الديمقراطية المشتغلة على الصحة، ولا تشجيعا للابتكار، بل يمكن القول وبدون مبالغة إن التخطيط في وزارة الصحة ومؤسساتها الاستشفائية هو مجرد تمرين.. وما يوجد حقيقة هي برامج دولية لتكوين المسؤولين في الإدارة المركزية لا أثر لها في الواقع!
لنلق نظرة حول طريقة تدبير الأزمة الصحية في طنجة، مثلا، التي فاقمت عدد الإصابات الخطيرة والوفيات وعدوى الأطر الصحية، فمن بين أسباب ذلك ضعف تفعيل الدوريات والمناشير الوزارية خاصة المتعلقة بالوقاية وحماية وسلامة المهنيين، وتغيير المندوب الوزاري في عز الأزمة، وسوء تقدير التطور الوبائي، وسوء تنزيل الالتقائية بين المصالح الوزارية الخارجية خاصة تداخل الاختصاصات بين الداخلية والصحة، وغياب التشاور مع المهنيين وضعف برامج التعبئة المجتمعية في محاربة الوباء.
للأسف، التجربة تثبت من جديد عدم قدرة القطاع الصحي على العمل بفاعلية مع باقي القطاعات وباقي الفاعلين من أجل التحكم في المحددات الاجتماعية للصحة ذات العلاقة بالجائحة الحالية، خصوصا مع تنامي ثقافة "سرية المطبخ الداخلي" لدى مسؤوليه وموظفيه. أليس تقديم أحد الفرق البرلمانية مؤخرا لمقترح قانون يقضي بإشراف الجماعات الترابية على تسيير المستشفيات العمومية مؤشرا ذا دلالة في هذا الشأن؟
لنتذكر البؤر الصناعية في حالة لالة ميمونة وآسفي وأيت ملول، فضلا عما يحدث في مراكش، ولنتوقع التطور الوبائي الممكن في باقي المدن الكبرى، وحين ينتقل إلى المدن الصغرى والقرى حيث إمكانيات الضبط والتحكم محدودة. يجب أن نقول الحقيقة لشعبنا، فالمشهد الصحي بصراحة ليس مطمئنا.
الجانب الثالث والمخيف هو أزمة الموارد البشرية الصحية، فهي قليلة العدد، وغير محفزة ولا تخضع للتكوين الجيد خصوصا التكوين المستمر في الوقاية والتحسيس والتكفل بمرضى كوفيد 19. لنلاحظ مثلا كيف تسبب قرار قطع العطل في نهاية السلم الاجتماعي الضرورية في هذه المرحلة، وكيف توقف الحوار الاجتماعي قبل الأزمة وعاد تحت الضغط.
عموما، هناك ارتباك جلي على مستوى قيادة مديرية الموارد البشرية، ومن مظاهر هذا الارتباك توقيف التوظيف في بداية الجائحة ثم الاستدراك، تقصير العطل ثم توقيفها، ثم الاستدراك، توقيف التداريب الميدانية للطلبة الممرضين ثم دعوتهم إلى التطوع من طرف بعض المديريات، عدم التفكير الاستباقي في تسهيل تنقل العاملين الصحيين بالبطاقة المهنية على غرار موظفي الداخلية قبل الاستدراك، عدم التفكير في إيجاد حل دائم لإقامة العاملين بمصالح كوفيد 19 من أجل حماية عائلاتهم، عدم التفكير في المصاحبة النفسية للعاملين في مصالح كوفيد 19 رغم ظهور اضطرابات النوم والاحتراق المهني ونوبات الذعر والعنف الأسري والقلق وغيرها...
أضافة لما سبق، لا يوجد ابتكار ولا خطة تدبير استباقي في حالة استفحال الأزمة، وإنهاك الأطر الصحية الحالية، هل سيكون هناك تفويج بين المصالح أو استدعاء المتقاعدين أو تناوب بين الأقاليم، ولا حتى ابتكار طرق للتحفيز المعنوي. في قطاع آخر، لاحظنا الأثر الطيب لرسالة وزير التعليم إلى أسرة التربية والتعليم، وتسرب لدينا كمتابعين إحساس بالغيرة، لماذا لا نلحظ هذه المبادرات في قطاع الصحة؟ صراحة لا أعرف، وأدعو لتغيير عاجل وجذري في منهجية تدبير الموارد البشرية في قطاع الصحة.
من أجل تحسين الاستجابة الصحية لجائحة كوفيد 19 في المغرب، وبشكل أولي، يمكن اقتراح ما يلي:
تعبئة موارد إضافية لفائدة القطاع الصحي، وتجميع الموجود منها وتعبئتها بشكل كامل، مع ضمان الشفافية والنزاهة في تدبير هذه الموارد بالموازاة مع الانفجار الكبير في الصفقات العمومية وإطلاق يد المسؤولين في المصالح الخارجية.
تعبئة الموارد البشرية الصحية بشكل مبتكر واستثمار الفرصة من أجل الترافع حول مطالبها المشروعة لدى الحكومة، والعمل مع الشركاء الاجتماعيين والتمثيليات المهنية الحقيقية والنزيهة والمستقلة من أجل استدامة حالة السلم الاجتماعي وتحفيزهم من أجل رفع إنتاجيتهم.
تعبئة كل مكونات النظام الصحي الوطني من صحة مدنية وعسكرية وقطاع خاص ربحي وغير ربحي، وصحة مهنية في الوحدات الإنتاجية ومكاتب حفظ الصحة التابعة للجماعات الترابية.
إلى جانب التركيز على التكفل الاستشفائي والبروتوكولات العلاجية، يجب العمل أيضا وبنفس الاهتمام على برامج تعزيز الصحة وخصوصا الوقاية.
ضمان الالتقائية في السياسات العمومية والعمل مع باقي القطاعات الحكومية - خصوصا محليا - من أجل التحكم في باقي المحددات الاجتماعية للصحة ذات العلاقة بالجائحة مثل التعليم والإعلام والرياضة والفلاحة والسياحة والصناعة والنقل والداخلية وغيرها...
بدل لوم الضحايا والاستغراق في نقد سلوك المواطنين غير الملتزمين بالإجراءات الاحترازية، يجب صوغ برامج مؤثرة وتنويع مقاربات تغيير السلوك لدى الناس، فالإخبار وحده لا يكفي!
الشراكة مع المجتمع المدني الديمقراطي وتعزيز المشاركة المجتمعية في جهود مواجهة كورونا (إطلاق عروض مشاريع مثلا).
تشجيع البحث العلمي من أجل توفير المعلومات حول تأثيرات الجائحة وبالتالي تنوير أصحاب القرار.
أخيرا، لقد قال الوزير إن الصحة ما قبل كورونا ليست هي الصحة ما بعد كورونا، ويبدو أن الواقع عنيد، فالسيد الوزير لا يملك رفاهية الوقت أمام هذا التحدي الوجودي، ولا أحد يريد انتظار ما بعد كورونا للتغيير، بل يجب أن تتغير بعض الأشياء حالا حتى في ظل الجائحة، وعلى من يوجد في موقع القيادة الصحية وطنيا ومحليا أن يخطط لأزمة طويلة المدى بإشراك حقيقي للمهنيين وشراكة حقيقية مع الفاعلين الآخرين، وألا يعول كثيرا على فرضية انتهاء الجائحة قريبا، وبالتالي لا حل لدى النظام الصحي إلا التأقلم والمرونة والابتكار واحترام حقوق الإنسان.
 
مدافع عن الحق في الصحة