الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

في الحاجة إلى بورجوازية وطنية.. بكل ما تحمله الكلمة من معنى


نور الدين العوفي
 
وصْفُ "البورجوازية الوطنية"، مُواضعةً، هو ذِكْر الحالة التي هي عليها من حِلْيتِها ونَعْتِها كما يُقال. من النُّعوت أذكُر الأَظْهرَ منها. أولاً، نزعة الاستثمار، والمبادرة، والمخاطرة، والمنافسة، وبطبيعة الحال نزعة التربُّح التي هي، في آخر التحليل، النزعة الُمحدِّدة. ثانياً، روحُ المبادرة، والريادة في ميدان الاستثمار، والمقاولة، والأعمال، والابتكار.
 
والابتكار ضربان: تقني، واجتماعي. الأول وسيلة، وهو مأْتَى التطور الصناعي والتنظيمي؛ الثاني غاية في حد ذاته، وهو مناط التقدم المجتمعي والمؤسسي. يشمل الإنجاز التاريخي للبورجوازية ما يجِلُّ عَنِ الحَصْرِ، ومنه الثورة الصناعية، والعلاقة الأجرية، والتحديث الشامل. إنجاز لم يتم، كما سبقت الإشارة، بدون أنهار من"الدم والعرق والدموع".
 
أما الحِلْية التي تُوشِّيها، تُهذِّبها، وتُجوِّد سلوكها، تُسوِّي صورتَها وتُعدِّلها فهي حِلْية الثقافة، والآداب، والفنون، والذوق، وقد تكون من الموروث أو تأتي من طريق الاكتساب. والاستثمار في الثقافة ليس لوجه الله، بل يكون لغاية تعظيم الربح. الاغتناء من موارد الثقافة بتعدُّد أشكالها، هذا ما فطِنتْ له الرأسمالية في البلدان المتقدمة، كما سيأتي بيانه في التدوينة التالية (ترقبوها غدا الأربعاء بعنوان: في الحاجة إلى بورجوازية وطنية.. إغناء واغْتِناء-المحرر). صفْوةُ القول، إن البورجوازية حمَّالة رُؤْية، ومنهاج، ونمط إنتاج، وطراز حياة.
 
هذه النعوت، والصفات التي بها تُعْرفُ البورجوازية، لا أراها مُجْتمعةً في بورجوازيتنا المغربية، منذ النَّشأة حتى يوم الناس هذا. ولم يسبق لأحد أن رآها قبلُ، وكأنها بيضة الديك المستحيلة. قيل هي، بالأحرى، "بورجوازية غير بورجوازية" (حبيب المالكي)، تستهلك من الفائض أكثر مما تستثمر. وقيل إنها "نخبة جالسة" (محمد برادة)، على الأرائك مُتَّكِئة. وقيل أيضاً، إنها تتوزَّع إلى فئتين مختلفتين من حيث الأصول التراكمية، والخطط الاستثمارية، والانتساب إلى الوطن. "بورجوازية وطنية" من جهة، و"بورجوازية كومبرادورية" من جهة ثانية (الراحل عزيز بلال). الأولى محصورة في الأنشطة التقليدية، التجارية، والخدماتية، والصناعية، المتوجِّهة نحو السوق المحلية، وفي المنشئات المتوسطة من حيث الحجم، ورقم الأعمال، وعدد الأجراء. الفئة الثانية تتَحدَّد، بامتياز، باعتبار العلاقة العضوية، النفعية، وغير المتساوية التي تربطها بالرساميل الأجنبية في القطاعات الواعدة، الصناعية، والفلاحية، والمالية، والخدماتية، وفي المهن وسلاسل القيمة العالمية. وهي علاقة تبعية في الجوهر، علاقة وكالة (Agence)، بين وكيل (Agent) وأصيل (Principal). قد لا يسْتسيغ البعض المفردات التي أُسْقِطت عمْداً من القاموس، ولكن "واقع الحال" ما ينفك يؤكده "حال الواقع". والحال إن التناقض الثانوي بين الفئتين، وإن خفَّتْ حدَّتُه فهو، مع ذلك، لم يزُلْ زوالُه تحت شروط العولمة. وها هي ذي الجائحة ترُدّ بالملموس على المُراجعة في القول؛ وتمدُّ بالشَّاهد والسَّنَد المُعاودة في النظر.
 
اقتصادي، أستاذ باحث