الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
#

عبد السلام الصديقي: بإعلانه الحرب الاقتصادية.. ترامب يدفع العالم نحو المجهول!

 
د. عبد السلام الصديقي
 
يجب الاعتراف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الأقل بهذا الفضل: الوفاء بوعوده الانتخابية. لقد وعد بفرض رسوم جمركية للدفاع عن الاقتصاد الأمريكي وفقًا لشعار حملته MAGA (لنجعل أمريكا قويةً مرة أخرى). دون أن يستثني أي بلد، حتى أفقرها في العالم، أعلن مباشرة على الشاشات، في ديكور منظم بشكل جيد وبأسلوبه المسرحي الخاص، عن النسب التي ينوي تطبيقها على كل بلد.
 
يتم تمييز مجموعتين من الدول: الدول التي تسجل فيها الولايات المتحدة فائضًا تجاريًا وتطبق عليها معدلًا أدنى بنسبة 10%؛ الدول التي تسجل فيها عجزًا، حيث يتم تقدير المعدلات المطبقة "نسبةً إلى مستوى هذا العجز". مع ذلك، هناك تعديلات وتراكمات تعيد المعدلات المطبقة إلى مستويات لا يمكن تصورها تتجاوز 60%.
 
الطريقة المستخدمة لإجراء هذه التقديرات ليست علمية على الإطلاق. إنها تنبع من تبسيط يلفت النظر ويتم الخلط بين الرسوم الجمركية والضرائب. وبالمثل، من خلال تضمين "التلاعبات النقدية" في التعريفات المطبقة، لا أحد يمكنه معرفة كيف تم تقييم حصة هذه "التلاعبات". في النهاية، يمكن التأكيد باليقين أن الأسعار المعلنة يتم اختيارها "حسب المزاج " وتغليفها في إطار إحصائي مصطنع.
 
منهجية مبسطة
 
لنأخذ بعض الأمثلة لنرى شذوذ هذه "الطريقة" التي هي غريبة تمامًا عن الأدبيات الاقتصادية كما تُدرس في الجامعات. الحساب المتبع هو كما يلي: نقسم العجز التجاري الأمريكي تجاه بلد ما على وارداته من هذا البلد، ثم نضرب الناتج في 100 للحصول على النسبة المطبقة من قبل هذا البلد (أو مجموعة البلدان) على أمريكا. بالنسبة للاتحاد الأوروبي ، سجلت الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا قدره 235 مليار يورو في عام 2024، واستوردت سلعًا بقيمة 605 مليار يورو. أي 235/605، مما يعطي نسبة 0.39، أي 39%. على هذا الأساس، قررت الإدارة الأمريكية، بفضل "كرم" ترامب، تقسيم النتيجة إلى النصف لتحديد الرسوم الجمركية التي ستفرضها. هذا يعطي 20% للاتحاد الأوروبي، 34% للصين، 26% للهند، 46% لفيتنام... الغريب أن المركز الأول يعود إلى ليسوتو، بنسبة 50%.
 
يجب التوضيح أن هذه المعدلات التعسفية بصراحة تأتي لتضاف إلى ما كان موجودًا بالفعل. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ستنتقل الرسوم الجمركية، التي كانت في المتوسط 1.2%، إلى 21.2%. بالنسبة للصين، التي كانت محصورةً في 10% في المتوسط المرجح قبل وصول السيد ترامب إلى البيت الأبيض، والتي كانت قد شهدت بالفعل زيادة بنسبة 20% في الشهرين الماضيين، فإن المعدل النهائي المتوسط سيتراوح حول 64%، حسب المواد المعنية..
 
في المجموع، ستتأثر 56 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، بهذه الرسوم الجمركية الخاصة. كما سيتم فرض رسوم ضريبيةً بنسبة 10% على بقية العالم. وهناك بلدان معفيان هما كندا والمكسيك، حيث تم الإعلان عن فرض ضريبة بنسبة 25% منذ فبراير (ولكن فقط على البضائع التي ليست ضمن اتفاقية التبادل الحر لأمريكا الشمالية). علاوة على ذلك، تبقى التدابير التي تم اتخاذها بالفعل بفرض ضريبة جمركية بنسبة 25٪ على الصلب والألمنيوم والسيارات سارية.
 
عالم جديد يلوح في الأفق
 
وبإقدامها على هذه القرارات، عملت إدارة ترامب على دفع العالم نحوً المجهول ولم نعد في حالة عدم اليقين كما كنا من قبل. إنه عالم جديد يلوح في الأفق، عالم نهاية العولمة التي وصفها البعض بـ"العولمة الناعمة”.ناعمةً بالنسبة لأولئك الذين استفادوا منها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. ومن خلال إعلان نهاية التجارة الحرة مع رسوم جمركية باهظة، سيكون الخاسرون الكبار على الأرجح هم أولئك الذين أشعلوا الفتيل. وبدأنا نرى ذلك بالفعل مع المظاهرات الشعبية التي حدثت يوم الأحد 6 أبريل في المدن الأمريكية الرئيسية، وانهيار قيم الأسواق المالية الرئيسية في العالم. حيث خسرت شركة آبل (Apple) في 24 ساعة 300 مليار دولار، أي 12.5 مليار دولار في الساعة. ولازلنا في بداية المسلسل.
 
الآثار الضارة للسياسات الحمائية التي تُنفذ بشكل عشوائي لم تعد بحاجة إلى إثبات. يمكن فهم سياسة حمائية تُنفذ من قبل دولة نامية. لكن إذا جاء ذلك من القوة العظمى الأولى في العالم، التي تمثل ربع ثروة الكرة الأرضية و30% من الاستهلاك العالمي، فهو حقًا إجراء انتحاري لا يبرر بأي شكل من الأشكال إلا كوسيلة للضغط للتفاوض والحصول على المزيد من المزايا والتنازلات.
 
المستهلك الأمريكي سيدفع الثمن
 
أول من يتضرر هم المستهلكون الأمريكيون، إذ تزيد الرسوم الجمركية من تكلفة المنتجات المستوردة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث تضخم، حيث تقوم الشركات غالبًا بتحويل هذه التكاليف إلى زبنائها. وبالمثل، وعلى عكس تكهنات ترامب، هناك خطر كبير من زيادة البطالة حيث ستقوم بعض الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الواردات بتقليص نشاطها. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي التعريفات إلى تعطيل سلاسل التوريد المعقدة، مما يؤدي إلى تكاليف إضافية للشركات وتأخيرات في الإنتاج.
 
بالطبع، الدول المعنية بهذه الإجراءات التي تم الإعلان عنها من جانب واحد، لن تقف مكتوفة الأيدي دون الرد. فالصين قد أعلنت بالفعل عن تدابير انتقامية بفرض رسوم جمركية بنسبة 34% على الواردات القادمة من أمريكا. الاتحاد الأوروبي بصدد تنظيم نفسه للرد قريبًا مع تفضيل طريق الحوار. وفي الوقت ذاته، نشاهد تكوين تكتلات بين الدول في جميع أنحاء العالم لمواجهة إجراءات ترامب، كما هو الحال في الاجتماع الثلاثي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية. كل شيء يشير في النهاية إلى أن الطريق مفتوح على مصراعيه نحو حرب تجارية ستكون عواقبها لا تُحصى ليس فقط على الاقتصاد العالمي، ولكن أيضًا على السلام العالمي الذي يعاني بالفعل.
 
ماذا عن المغرب؟
 
بلدنا، رغم ما تعتقده بعض العقول الضيقة، معني بشكل مزدوج بهذه الاضطرابات التي تعبر الكوكب. أولاً، بشكل مباشر من خلال تأثير الحواجز الجمركية التي فرضها ترامب حتى وإن كانت عند أدنى مستوى لها وهو 10%. ثم بطريقة غير مباشرة من خلال التأثيرات التي سيتعرض لها بشكل غير مباشر نتيجة لانفتاح اقتصاده على بقية العالم.
 
إن فرض معدل 10% لا يبرر بأي شكل من الأشكال في حالة المغرب لسببين على الأقل. أولاً، يرتبط البلدان منذ عام 2006 باتفاقية التبادل الحر والتي تظل سارية المفعول حتى إثبات العكس. ثانيًا، تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد الأول من هذه الاتفاقية على الأقل من الناحية الاقتصادية. وهكذا، يصدر المغرب إلى بلد العم سام 12.7 مليار درهم فقط من إجمالي المبادلات الثنائية، التي تبلغ 73 مليار درهم، ويستورد 60.3 مليار درهم، أي بمعدل تغطية يبلغ 21%. إذا كنا سنلتزم بمنطق ترامب، لكانت الرسوم الجمركية في الاتجاه المعاكس! ومع ذلك، يجب أن نوضح أن الواردات القادمة من الولايات المتحدة تمثل 8.4% من مشترياتنا من الخارج، في حين أن الصادرات إلى نفس البلد لا تمثل سوى 3% من مبيعاتنا إلى الخارج. وعليه فالرسوم الجمركية بنسبة 10% سيكون لها تأثير محدود على الاقتصاد المغربي حتى وإن تحدث رئيس الجمعية المغربية للمصدرين عن خيبة كبيرة (douche froide).
 
إلا ان المجال الذي سيتأثر فيه المغرب بشدة هو من خلال التداعيات الناتجة عن التأثيرات التي تعرض لها شركاؤه الرئيسيون، وفي مقدمتهم منطقة اليورو. وهكذا يُقدَّر، أن نمو منطقة اليورو قد يسجل انخفاضا بمقدار 0.6 إلى 1.2 نقطة. مما يؤدي إلى حالة من الركود، وبالتالي انخفاض الطلب الموجه إلى بلدنا. يمكننا أن نرد، عن حق، أن المغرب سيكون بدوره مستفيدا في السوق الدولية، مقارنة بالدول المنافسة التي تخضع لرسوم جمركية أعلى، لتحسين تنافسيته.
 
عولمة بوجه إنساني
 
في جميع الأحوال، الحكومة المغربية مدعوةً لتكون في حالة تأهب وأن تضاعف اليقظة بدلاً من الاكتفاء بتصريحات مهدئة تركز على عمق وقدم الصداقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية. من المسلم به أن العلاقات بين البلدين تتجاوز الجانب الاقتصادي لتشمل الجانب السياسي والجيوستراتيجي. ولا يمكننا إلا أن نهنئ أنفسنا على ذلك. لكن لا شيء يمنع من التفكير في مستقبل بلدنا في هذا العالم الجديد الذي يتشكل. يجب على المغرب أن يكون طرفًا فاعلًا في هذا التحول. النقاش مفتوح حول ضرورة إقامة نظام متعدد الأطراف مع تحالفات جديدة، وحول مواصلة العولمة بدون ترامب، ولكن عولمة بوجه إنساني، مع قواعد أكثر عدلاً وبدون قوة مهيمنة...
 
 
اقتصادي وأستاذ جامعي ووزير سابق