الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

إعلام في زمن انتخابي

 
د. جمال المحافظ
 
"مبادئ وآليات الإعلام والتواصل الانتخابي" موضوع يكتسي أهمية وراهنية باعتباره، من جهة، يتزامن مع التحضيرات الجارية لإجراء الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والجهوية والتشريعية في شتنبر القادم، ومن جهة أخرى استثمار وسائط الإعلام والاتصال الرقمي والتواصل الاجتماعي في هذه الاستحقاقات، مع بحث السبل الكفيلة بتمكين المشاركة الديمقراطية للشباب في انتخابات 2021.
 
من هذا المنطلق، يمكن القول إنه إذا كان تعزيز قدرات أطر المنظمات والفعاليات الشبابية الحزبية على مبادئ وآليات الإعلام والتواصل الانتخابي، وتأهيلهم وتدريبهم على استثمار واستعمال وسائل الإعلام والاتصال، ووسائط الإعلام الرقمي والتواصل الاجتماعي، فإن حرية التعبير، وفي صلبها حرية الصحافة والإعلام، يمكن أن تلعب دورا جوهريا في هذا المنحى، خصوصا أنها طالما اعتُبرت، في المجتمعات المتحضرة، ركيزةً أساسية لأي عملية ديمقراطية، وشرطا لا مندوحة عنه في أي مجتمع حر منفتح تعددي وديمقراطي.
 
الصحافة عنصر جوهري في مساءلة مدبّري الشأن المحلي والعام إبان الانتخابات، ويتطلب ذلك بالخصوص توفير المعلومات والمعطيات الضرورية لمحاسبة الذين يتولون تدبير الشأن المحلي والعام، سيما وأن التغطية الصحفية، تعد عنصرا جوهريا في المراقبة، خاصة خلال الحملات الانتخابية
 
الصحافة عنصر جوهري في مساءلة مدبّري الشأن المحلي والعام إبان الانتخابات، ويتطلب ذلك بالخصوص توفير المعلومات والمعطيات الضرورية لمحاسبة الذين يتولون تدبير الشأن المحلي والعام، سيما وأن التغطية الصحفية، تعد عنصرا جوهريا في المراقبة، خاصة خلال الحملات الانتخابية، وهو ما يقتضي أن تُوفَّر لوسائل الإعلام، إمكانية النفاذ من دون عوائق إلى المعلومات واحترام الحق في حرية التعبير وضمان الاستقلالية التحريرية للصحافيين.
 
وتتولى وسائل الإعلام خلال الانتخابات القيام بعدة مهام، في مقدمتها إعداد تقارير عن أداء المسؤولين وتوفير منصات للمناظرات بين المرشحين، وذلك بهدف السماح بإيصال رسائلهم إلى القاعدة الانتخابية مع مواكبة تطورات الحملة الانتخابية. فالإعلام يضطلع بدور حاسم في رصد الانتخابات خلال مختلف مراحلها، وتوفير المعلومات بين المتنافسين والجمهور، وذلك بهدف مساعدة الناخبين على اتخاذ القرار.
 
ويرتبط اتخاذ القرارات بشكل ديمقراطي، ارتباطا وثيقا بدقة المعلومات وبحرفية تقديمها من لدن وسائل الإعلام، إذ إنه بدون قدرة المواطنين على الوقوف على خيارات واعية، تظل مشروعية الانتخابات الديمقراطية معيبة، خاصة وأن الإعلام مؤسسة ديمقراطية، تعمل على وضع كافة السلط من سلطات عمومية وهيئات سياسية، أغلبية ومعارضة، موضع المساءلة، وهو ما يتطلب وضع مدونة سلوك تساعد وسائل الإعلام على تقديم تغطية إعلامية محايدة وموضوعية خلال الانتخابات...
 
وعلى الرغم من الأهمية، التي تحظى بها وسائل الإعلام، في مجال استمرار وتطوير كل ممارسة ديمقراطية، فإن عددا من الباحثين، يجمعون على أن دور الإعلام ارتباطا بالعمليات الانتخابية، لم ينل الاهتمام المطلوب من طرف الدوائر الأكاديمية، فضلا عن محدودية قدرة ميديا الإعلام على التحول إلى الديمقراطية في البلدان النامية وترسيخ الخيار الديمقراطي في السلوك الانتخابي لكافة الفاعلين...
 
الإعلام الجديد: التحرر من قيود الرقابة
 
فالصحافة، كمهنة قارة، لم تكن موجودة أصلا عند نهاية القرن 19 التي كان خلالها الإعلام وسيطا ووسيلة للارتقاء نحو عوالم أخرى، كالأدب والسياسة، إلا أنه ابتداء من القرن 20 تم تدريجيا التأسيس للصحافة التي أصبحت، منذ سنة 1935، مهنة قائمة بذاتها مسجلة قانونيا بحدود واضحة المعالم.
 
ساهم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، في توسيع هوامش حرية التعبير وتحرر الأفراد والجماعات من الرقابة وقيودها، وإن أدت هذه الحرية، أحيانا، إلى بعض المشاكل، إما بسبب حداثة وسائط التواصل الاجتماعي أو نتيجة سوء استخدامها، وعدم الالتزام بأخلاقيات المهنة
 
كما ساهم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، في توسيع هوامش حرية التعبير وتحرر الأفراد والجماعات من الرقابة وقيودها، لكن بالمقابل "انحرفت" هذه الحرية، وباتت – حسب البعض- تشكل تهديدا حقيقيا لأمن المجتمعات واستقرارها والديمقراطية.
 
وإن كانت هذه الحرية، تؤدي في بعض الأحيان إلى بعض المشاكل، إما بسبب حداثة وسائط التواصل الاجتماعي أو نتيجة سوء استخدامها، وعدم الالتزام بأخلاقيات المهنة، على خلاف التجربة التي راكمتها الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزة بفعل التاريخ والتجربة. ولكن على الرغم من ذلك فإن العالم الرقمي، ظل فضاء اجتماعيا بامتياز، يحتضن التعبيرات المختلفة، وحافظت شبكة الإنترنيت على مكانتها، كوسيلة ناجعة، للتواصل بين المبحرين في الشبكة العنكبوتية.
 
الوسائط الإعلامية، هل تدعم الديمقراطية أم الديكتاتورية؟
 
بيد أن التغييرات، التي همت وسائط الإعلام والاتصال، إذا كانت قد تمكنت من إحداث تحولات نوعية، فإن أسئلة كثيرة ظلت بالمقابل مطروحة خاصة من لدن الإعلاميين والأكاديميين، منها: هل تدعم هذه الوسائط الإعلامية الجديدة، الديمقراطية أم الديكتاتورية؟ وذلك باعتبار أن عصر الإذاعة في حقبة الثلاثينيات والأربعينيات، لم يكن عصر فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل، بل كان أيضا عصر هتلر وموسوليني.
 
تكتسى وسائل الإعلام أهمية بالغة، بفضل التحولات التقنية واللجوء المكثف لوسائط التواصل من لدن كافة الأطراف حاكمين ومحكومين، وذلك لما تمارسه من تأثير على تشكيل الرأي العام، الأمر الذي جعل الإعلام ينتقل من سلطة رابعة، إلى سلطة أولى، وإن كان بوظائف ورهانات جديدة
 
وتكتسى وسائل الإعلام أهمية بالغة، بفضل التحولات التقنية واللجوء المكثف لوسائط التواصل من لدن كافة الأطراف حاكمين ومحكومين، وذلك لما تمارسه من تأثير على تشكيل الرأي العام، الأمر الذي جعل الإعلام ينتقل من سلطة رابعة، إلى سلطة أولى، وإن كان بوظائف ورهانات جديدة جعلت الفضاء العمومي -حسب المفكر الالماني يورغن هابرماس- يتحول إلى فضاء إعلامي بامتياز، وتحول بذلك الإعلام بتأثيراته المباشرة، إلى موجه لطريقة تمثلنا للعالم، وتحكم بالتالي في الواقع، جعل العلاقة بهذا العالم، لا تتم وفق التجارب الشخصية المباشرة، بل تتم وفق رؤية يقدمها الإعلام جاهزة، عبر معايير من خلقه، يسعى إلى إدماجها في المجتمع.
 
وظيفة الإعلام، الإخبار والثقيف والترفيه وتعميم المعلومات
 
إلا أنه مهما كان حجم هذه المتغيرات التي طالت الإعلام والاتصال ووسائطهما، فإن الوظيفة الرئيسية للإعلام، ظلت على الدوام، تتمثل في الإخبار وتعميم المعلومات، وإن أُلحقت بها، في ما بعد، وظيفتا التثقيف والترفيه. كما واصل الإعلام، القيام بأدواره كسلطة رقابة، على الرغم من أن الإعلامي يعد حلقة وسطى بين مصادر الخبر وبين الجمهور، الذى بدوره قد يقع ضحية مصادر مضللة، وهو الأمر الذي جعل المفكر الفرنسي جان بول سارتر، يذهب إلى اعتبار أن الصحافي مجرد (Bricoleur)، يفعل ما يستطيع، انطلاقا من الوسائل التي تتوفر بين يديه.
 
إلا أنه مهما ما بلغته تكنولوجيا الإعلام والاتصال من تقدم بفضل الثورة الرقمية، فان هذا التطور انصب في غالبيته على الشكل، بينما ما زال الإعلام التقليدي يمارس سطوته على نظيره الجديد من جهة المضمون. فمنذ نهاية التسعينات، شهدت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ارتفاعا وتنوعا ملحوظا في مختلف الأصقاع، ومعه زيادة منسوب الوعي بالدور الحيوي الذي يضطلع به الإعلام في مجال الارتقاء بالمستوى الديمقراطي.
 
مهما تقدمت تكنولوجيا الإعلام والاتصال بفضل الثورة الرقمية، فان هذا التطور انصب في غالبيته على الشكل، بينما ما زال الإعلام التقليدي يمارس سطوته على نظيره الجديد من جهة المضمون
 
إن العالم يعيش في المرحلة الراهنة -حسب باحثين في الصناعات الثقافية- ثورة صناعية ثالثة مرتبطة بتنمية تكنولوجيا الإعلام والتواصل، وذلك بعد ثورة صناعية أولى، ارتكزت على تطور الآلة البخارية والسكة الحديدية، تلتها ثورة ثانية، اعتمدت على استغلال الكهرباء والبترول.
 
وعلى صعيد آخر ساهمت تداعيات جائحة كوفيد 19 المستجد، في الإقبال المكثف على شبكة الإنترنيت، ورفع في المقابل من تحديات أخلاقيات التغطية الإعلامية للانتخابات، من مدى نزاهة الإعلام التي تشكل جزءا من نزاهة الانتخابات، وهو ما يتطلب في المرحلة الراهنة، استثمار الإعلام والتواصل، خاصة في مجال مراقبة نزاهة الاستحقاقات وشفافيتها.
 
وارتباطا بالإعلام في الزمن الانتخابي، بادر المجلس الوطني للصحافة إلى إصدار "دليل الصحافي المهني لتغطية الانتخابات"، مع تنظيم دورات تكوينية جهوية خاصة بمتابعة العمليات الانتخابية. بيد أنه يلاحظ من خلال هذا البرنامج، وجود نقص واضح في مجال الاهتمام بآليات المعالجة الإعلامية، مقابل التركيز على الجوانب النظرية المتعلقة بالقوانين والتنظيمات الانتخابية...
 
______________________________________
*مداخلة في فعاليات الأكاديمية السياسية للشباب الديمقراطي لـ"منتدي المواطنة" حول "مبادئ وآليات الإعلام والتواصل الانتخابي".
 
كاتب وإعلامي مغربي