التنكر الرسمي والمدني لتتبع تنفيذ التوصيات الختامية في مجال حقوق الإنسان
الكاتب :
عزيز إدمين
عزيز إدمين
تعرف المنظومة الدولية في مجال حقوق الإنسان تطورات كثيرة ومستجدات متسارعة، تتطلب المزيد من المواكبة والتتبع الدقيق من أجل حماية الحقوق والحريات.
فإن كانت آليات الافتحاص والاستعراض التقليدية مثل الاستعراض الدوري الشامل والهيئات التعاقدية والإجراءات الخاصة، أصبحت متداولة ومعروفة، فإنه توجد آليات جديدة ومتقدمة تقتضي من الفاعل والمدافع عن حقوق الإنسان استثمارها للمساهمة في دفع وحث الدول على الوفاء بتعهداتها والالتزام بالتوصيات التي قبلتها عن طواعية، وفي هذا الصدد يتم التطرق لآلية "تتبع تنفيذ التوصيات الختامية" في علاقتها بالمغرب.
كما هو معلوم توجد عشر لجن تعاهدية منبثقة عن تسع اتفاقيات أساسية وبروتوكول اختياري، ويتم افتحاص بشكل دوري (كل ثلاث أو أربع أو خمس سنوات) الدول المصادقة على هذه المعاهدات، ونظرا لحجم التوصيات الكبير، بالإضافة إلى وجود توصيات ذات أولوية أو مستعجلة، فإنه يتم استخراج ثلاث إلى أربع توصيات ومطالبة الدول بالجواب على مدى تنفيذها خلال سنة (سنتين بخصوص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) من تقديمها، وذلك قبل تقديم التقرير الدوري المقبل الكامل بعد ثلاث أو أربع سنوات، فيتم مراقبة وتتبع هذه التوصيات الثلاث أو الأربع عبر آلية "تتبع تنفيذ التوصيات الختامية".
ووفق البيان الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فإن "تقييم تقرير المتابعة المقدم من الدولة الطرف، سينظر المقرر الخاص المعني بهذه الآلية في جميع مصادر المعلومات المتاحة، بما في ذلك المصادر من هيئات المعاهدات الأخرى، والإجراءات الخاصة، والاستعراض الدوري الشامل، ومنظومة الأمم المتحدة، وكذلك الآليات الإقليمية لحقوق الإنسان والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية ONG".
يقوم المقرر الخاص المعني بتتبع تنفيذ التوصيات الختامية بتقييم الردود الواردة من قبل الدول وتصنيفها إلى: مرض جدا A، مرض جزئيا B، غير مرض C، لا يوجد تعاون D، وأخيرا المعلومات الواردة من الدول تخالف وتتعارض مع التوصيات E (للتدقيق مراجعة الوثيقتين CCPR/C/108/2 لسنة 2013، والملحق بها الصادر في الدورة 118 للجنة حقوق الإنسان المؤرخ في 4 نونبر 2016).
وللإشارة، أيضا، فإن الجمعيات المدنية تُمنح مهلة عام واحد، ابتداء من تاريخ اعتماد الملاحظات الختامية، لتقديم تعليقاتها إلى اللجنة المعنية، ومهلة شهر للتعليق على الردود الواردة من قبل الدول، إلا أن الملاحظة العامة أن الجمعيات الحقوقية لا تتعاطى بجدية مع هذه الآلية، وذلك ما لاحظته لجنة الأشخاص في وضعية إعاقة، حيث من أصل 60 تقريرا موجها للدول فإن اللجنة "لم تتلق سوى عدد قليل من الإسهامات المقدمة من جهات معنية غير حكومية، كالمؤسسات الوطنية والجمعيات العاملة في مجال الإعاقة، لم تقدم هذه الجهات سوى أربع إسهامات كتابية تتعلق بأربع دول مختلفة" (للمزيد مراجعة الوثيقة رقم CRPD/C/19/3 المؤرخة في 19 أبريل 2018).
وفي علاقة بالمغرب، سيتم التطرق إلى أربع "إجراءات تتبع تنفيذ التوصيات الختامية" التي كان موضوع تقييمها.
أولا: إجراء متابعة التوصيات الختامية للجنة المعنية بحقوق الإنسان CCPR
بالعودة إلى التقرير الختامي للجنة المعنية بحقوق الإنسان، والموكول إليها افتحاص مدى تنفيذ الدولة الطرف (المغرب) لأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المؤرخ في 2 نونبر 2016 (رقم الوثيقة CCPR/C/MAR/CO/6)، نجد أنه طُلب من المغرب تقديم أجوبته على ثلاث توصيات أسياسية، وهي التوصية 18 المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والتوصية 24 المتعلقة بمنع التعذيب وسوء المعاملة، والتوصية 42 المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات وأنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان.
وقد أجاب المغرب بتاريخ 27 دجنبر 2018 على هذه التوصيات، إلا أن اللجنة قدمت تقييمها العام بـ"إلزامية المغرب إضافة معلومات بخصوص هذه التوصيات". أما بخصوص التقييم على كل توصية، فإن المغرب حصل على التصنيف (C جيم) أي أن الإجراءات المتخذة لا تؤدي إلى تنفيذ التوصية أو أنها لا تتعلق بالتوصية، لكل من الملاحظات المتعلقة بالتوصيتين 18 و42، وأما بخصوص التوصية رقم 24 فإن الملاحظة المتعلقة بسن قانون يتعلق بالآلية الوقائية من التعذيب حصل فيها المغرب على التصنيف A أي أنه مرض جدا، ولكن باقي الملاحظات من نفس التوصية (أي 24) حصل على الترتيب C وD أي أن الردود لا تستجيب للتوصية، وأنه أيضا لم يرد على واحدة أو أكثر من توصيات المتابعة أو جزء من توصية متابعة.
وبالتالي، رأت اللجنة أنه ينبغي توجيه رسالة إلى الدولة الطرف لإبلاغها بوقف إجراء المتابعة، وأنه ينبغي إدراج المعلومات المطلوبة في التقرير الدوري المقبل للدولة الطرف. (للمزيد من التدقيق والاطلاع على التوصيات والملاحظات مراجعة الوثيقة رقم CCPR/C/127/2/Add.4 المؤرخة في 29 يناير 2020).
ثانيا: إجراء متابعة التوصيات الختامية للجنة مناهضة التعذيب CAT
ترتكز إجراءات تتبع تنفيذ التوصيات الختامية لدى لجنة مناهضة التعذيب على أربع قضايا كبرى، وهي الضمانات القانونية المتاحة للأشخاص المسلوبة حريتهم، إجراء تحقيقات سريعة ونزيهة وفعالة في ادعاءات التعذيب أو سوء المعاملة، ملاحقة المشتبه بهم ومعاقبة المتورطين في التعذيب أو سوء المعاملة، وأخيرا جبر الضرر للضحايا. (الفقرة 7 من الوثيقة رقم CAT/C/55/3 المؤرخة في 17 شتنبر 2015).
وبناء عليه، فقد قدمت للمغرب توصيات عامة وأخرى خاصة بمناسبة مناقشة تقريره الوطني الرابع في نونبر 2011، وهي أن يقدم لها "قبل 25 نوفمبر 2012، معلومات عن متابعتها للتوصيات المقدمة والتي تهدف إلى: 1) حماية وتعزيز الضمانات القانونية للأشخاص المعتقلين؛ 2) إجراء تحقيقات فورية ونزيهة وفعالة؛ 3) ملاحقة المتهمين ومعاقبة ممارسي التعذيب وسوء المعاملة؛ 4) منح التعويضات المشار إليها في الفقرات 7 و11 و15 و28 من هذه الوثيقة.
وعلاوة على ذلك، تطلب اللجنة من الدولة الطرف معلومات ذات صلة عن تنفيذ التوصيات التي قدمتها إليها بشأن قانون مكافحة الإرهاب المذكور في الفقرة 8 من هذه الوثيقة. (الوثيقة رقم CAT/C/MAR/CO/4).
المغرب قدم إلى لجنة مناهضة التعذيب وثيقة مؤرخة في 3 أبريل 2012 تحت رقم CAT/C/MAR/CO/4/Add.1، والذي قدم ردودا على كل التوصيات الـ34 الموجهة إليه، بالإضافة إلى منشور لوزارة الصحة يتحدث فيه عن اختصاصات وهيكلة كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووسيط المملكة... وهو ما جعل هذه الوثيقة لا تخضع لمعايير إجراء تتبع تنفيذ التوصيات الختامية، والتي كان يجب أن يرد المغرب في حدود التوصيات الأربع فقط، ولم تحظَ بتقييم من قبل المقرر المعنية بتتبع تنفيذ التوصيات الختامية.
ونجد كل المعلومات المطلوبة في إطار آلية تتبع تنفيذ التوصيات الختامية، التوصيات الأربع، تم إعادة تقديمها في إطار قائمة المسائل بتاريخ 15 يوليوز 2013 (الوثيقة رقم CAT/C/MAR/QPR/5)، التي على المغرب إدراجها في تقريره الوطني الخامس المقبل.
وفي مناقشتها حول تقييم تتبع التوصيات الختامية أشارت لجنة مناهضة التعذيب في تقريريها السنوي للفترة من 18 ماي 2019 إلى 15 ماي 2020، إلى كون إصرارها على تنفيذ الالتزامات من قبل الدول، سيكون محطة تقريرها السنوي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال هذه السنة.
ثالثا: إجراء متابعة التوصيات الختامية للجنة المعنية بالتمييز العنصري CRED
أثناء النظر في التقريرين الوطنيين 17 و18 أمام لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وجهت للمغرب ثلاث توصيات تتعلق بتنفيذ التوصيات الختامية، بأن يقدم "في غضون سنة واحدة من اعتماد هذه الاستنتاجات، معلومات بشأن متابعتها للتوصيات الواردة في الفقرات 11 و13 و14 أعلاه". (الوثيقة رقم CERD/C/MAR/CO/17-18).
وهو ما قام به المغرب بتاريخ 18 يناير 2012، حيث وجه ردوده في الوثيقة رقم CERD/C/MAR/CO/17-18/Add.1 حول التوصيات الثلاث والمتعلقة باللغة والثقافة الأمازيغيتين وعدم تعرضهما للتمييز العنصري (توصية رقم 11)، وحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء (توصية رقم 13)، والأجانب غير المقيمين والأجانب في مراكز سلب الحرية (توصية رقم 14).
إلا أن اللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لم تقتنع بأجوبة المغرب، مما دفعها إلى إعادة مراسلته لتقديم أجوبة كافية ودقيقة بخصوص الموضوعات الثلاثة وذلك بتاريخ 31 غشت 2012. (مرجع الوثيقة CERD/81st/FU/GH/FM)، حيث تمت إضافة سنة أخرى للمغرب من تاريخ هذه المراسلة الموجهة إلى السفير المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة بجنيف، أي إلى غاية 30 غشت 2013، وهو الموعد الذي لم يفِ المغرب بالتزامه ولم يقدم ردوده للجنة المعنية.
إذا كان المغرب يتفاعل مع الإجراءات الأممية ذات الحمولة المدنية والسياسية مثل لجنة مناهضة التعذيب ولجنة الحقوق المدنية والسياسية ولجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وإن كان تفاعله غير جدي ولا يقدم المعطيات والأجوبة الدقيقة، فإن قضية الأشخاص في وضعية إعاقة يهملها بشكل كبير، وهو ما نلاحظه بخصوص آلية تنفيذ التوصيات الختامية، إذ رغم وجود توصيات أساسية على المغرب الإجابة عليها سنة 2018 إلا أنه إلى اليوم لم يقدم هذه الردود.
ففي 10 أكتوبر 2017 نشرت اللجنة المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة لائحة تنفيذ التوصيات الختامية الموجهة للدول والمعنونة بـ: Follow-up procedure - Country information، سجلت اللجنة أن المغرب قدمت له تنفيذ تتبع التوصيات الختامية بتاريخ 28 غشت 2017، ومن المفروض الجواب قبل 31 غشت 2018، ويتعلق تنفيذ التوصيات الختامية بـ:
أولا، المبادئ والالتزامات العامة، من خلال إنشاء آليات لضمان المشاركة الفعالة والهادفة للأشخاص ذوي الإعاقة والتشاور معهم، عبر المنظمات التي تمثلهم، وذلك على أساس منتظم، وتوفير موارد كافية في الميزانية لتعزيز مشاركتهم الفعالة والمجدية، وتعزيز ودعم مشاركة منظمات النساء والأطفال والشباب ذوي الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية و/ أو النفسية - الاجتماعية، وتصميم آليات ومعلومات عن عمليات التشاور بأشكال ميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية؛
ثانيا، النساء والإعاقة، من خلال تعميم حقوق النساء والفتيات ذوات الإعاقة في التشريعات بإقرار المساواة بين الجنسين وفي التشريعات والسياسات المتعلقة بالإعاقة، وتنظيم حملات توعية عامة لمكافحة القوالب النمطية والأفكار المسبقة، وإذكاء الوعي بجميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإدراج منظورات المرأة التي تقدم الرعاية للأطفال ذوي الإعاقة في السياسات المتعلقة بالتصدي للتمييز الجنساني، وتنقيح مشروع القانون رقم 103-13 بشأن مكافحة العنف ضد المرأة، بحيث يشمل منظور الإعاقة ويتصدى للمخاطر المحددة للعنف الجنساني والعقبات التي تعترض الحماية التي تواجهها النساء والفتيات ذوات الإعاقة، ولاسيما النساء ذوات الإعاقة النفسية والاجتماعية/ أو الإعاقات الذهنية، ووضع آليات فعالة لضمان حماية النساء والفتيات ذوات الإعاقة من ضحايا العنف والاعتداء وحصولهن على الخدمات الطبية والنفسية والقانونية على قدم المساواة مع الآخرين.
وفي ملاحظة اللجنة، أنها لم تتوصل لا برد من الحكومة المغربية ولا مساهمات من قبل الجمعيات والمنظمات العاملة في مجال الإعاقة أو حقوق الإنسان.
ختاما
إن النموذج المقدم في هذه المقالة حول آلية من الآليات المعنية بحقوق الإنسان، والتي لم تكن عدد من الجمعيات المغربية حاضرة في هذه المحطات، حيث كانت فرص من أجل الدفع بمزيد من حماية الحقوق والحريات والنهوض بها، ما هو إلا تمرين مدني حقوقي، يدفع إلى التحفيز للاشتغال والعمل في المحطات المقبلة القريبة، وخاصة بخصوص التقارير المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وحقوق العمال المهاجرين، وحقوق الطفل، والقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
إن العمل على التفاعل المدني مع هيئات حقوق الإنسان الأممية غير مرتبط فقط بإعداد وصياغة وتقديم التقارير الموازية، بل أيضا ما بعد مناقشة وافتحاص التقارير الرسمية، وذلك بوجود آليات متعددة ومتنوعة للمواكبة وتقييم التنفيذ، وما آلية "تتبع تنفيذ التوصيات الختامية" إلا واحد منها.